المصريون منشغلون باجتماع البنك المركزي وسط قلق من تعويم جديد للعملة

المصريون منشغلون باجتماع البنك المركزي وسط قلق من تعويم جديد للعملة

القاهرة- سيعقد البنك المركزي المصري اجتماعًا مهمًا غدا الخميس يتابعه الكثير من المواطنين، والذي يمكن أن يتخذ قرارًا خاصا بتعويم جديد للجنيه المصري، أو يفسح المجال لاستمرار المضاربات في العملة.

وظهرت تلميحات بشأن اتخاذ إجراءات حكومية قاسية ضد من يستحوذون على الدولار لضبط السوق، ما يمكن أن ينعكس سلبًا على تحويلات العاملين بالخارج التي تراجعت أخيرا بنحو 30 في المئة.

وتتباين آراء المحللين بشأن مصير سعر الفائدة في مصر خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، بينما تشير فئة منهم إلى التثبيت، وتؤشر المعطيات الحالية على أن البنك المركزي قد يرفع أسعار الفائدة لكبح التضخم الحقيقي في الأسواق.

وأصبح رفع سعر الفائدة ضرورة ملحة إثر احتدام أزمة سعر العملة التي قفزت بمختلف أسعار السلع إلى مستويات قياسية أربكت حسابات المصانع المنتجة بكل القطاعات.

الغاية الأساسية من رفع سعر الفائدة ليست الحفاظ على بعض مؤشرات الاقتصاد، وإنما تهدئة روْع الشارع

وكان البنك المركزي قد رفع سعر الفائدة 11 في المئة خلال العامين الأخيرين، منها 8 في المئة عام 2022 على 4 مرات، و3 في المئة على مرتين عام 2023 ليصل مستوى الفائدة إلى 19.25 في المئة للإيداع و20.25 في المئة للإقراض، من أجل إنهاء التضخم والسيطرة على زيادة الأسعار، والتزم التثبيت عند الاستقرار وتراجع التضخم.

ومن المؤشرات التي تدعو إلى رفع الفائدة طرْح شهادات ادخار من جانب عدد من البنوك المصرية الحكومية والخاصة، وهي من المؤشرات الأولية الدالة على زلزال أسعار الفائدة المرتقب في مصر خلال الفترة المقبلة.

وأصدر بنك مصر والبنك الأهلي المصري شهادات ادخار لمدة عام بسعر فائدة 23.5 في المئة بعائد شهري و27 في المئة بعائد سنوي، وأصدر البنك التجاري الدولي – مصر شهادات ادخار تنافسية لمدة ثلاث سنوات بأسعار فائدة تتراوح بين 20 و22 في المئة.

وبات رفع الفائدة ضرورة لسحب السيولة من الأسواق ولأجل التحكم في عشوائية الأسعار التي تضرب السوق المحلية، ولا تملك السلطات النقدية سوى سحب السيولة الحالية لأنها عاجزة عن حل الأزمة الأساسية المتمثلة في تغول السوق السوداء.

ولم تعد الغاية الأساسية من رفع سعر الفائدة الحفاظ عل بعض مؤشرات الاقتصاد المصري وأبرزها التضخم، وإنما هي تهدئة روْع الشارع ومختلف فئات الشعب الذي ذعر من انفلات الأسعار -في مقدمتها أسعار السلع الأساسية- بشكل يهدد السلم المجتمعي في البلاد.

ويرى خبراء أن رفع سعر الفائدة حاليًا يتوافق مع وجهة نظر صندوق النقد الدولي التي تشير إلى ضرورة مواجهة معدلات التضخم كأولوية في مصر حاليًا.

ويواجه البنك المركزي المصري معضلة تتمثل في انتشار تجارة العملة، حيث تفشت بشكل خطير، وأدى ذلك إلى تعدد أسعار الدولار في السوق الموازية بحسب القطاع الذي يتداول فيه (ذهب، سيارات، حديد…)، وإذا استمر ذلك فقد يَحدُث انهيار اقتصادي على غرار لبنان.

وتوقع المحلل الاقتصادي سيد عويضي رفع أسعار الفائدة بمعدلات تتراوح بين 2 و3 في المئة للهروب من مأزق تعويم الجنيه، كون البنك المركزي غير مستعد لذلك على الإطلاق، وبالتالي لا خيارات أمامه سوى مواجهة التضخم.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أنه لا توجد جدوى من تحرير سعر الصرف في مصر الآن بسبب الفجوة الواسعة بين سعر صرف الدولار في البنوك وسعر صرفه في السوق السوداء.

رفع أسعار الفائدة يفاقم أزمة الديون في البلاد ويزيد من عجز الموازنة العامة للدولة، كون الحكومة هي أكبر مقترض من البنوك لتلبية مختلف حاجاتها

ولا حل أمام مصر خلال الوقت الحالي إلا بطرق أسواق الديون مع انتظار تمويلات من صندوق النقد الدولي، ورفع أسعار الفائدة قد يجذب الاستثمارات الأجنبية في السندات وأذون الخزانة بمعدل أكبر، لكن تكمن المشكلة أيضا في خفض تصنيف البلاد الائتماني الذي يبث الخوف في نفوس المستثمرين.

ويفاقم رفع أسعار الفائدة أزمة الديون في البلاد ويزيد من عجز الموازنة العامة للدولة، كون الحكومة هي أكبر مقترض من البنوك لتلبية مختلف حاجاتها.

وأشار عويضي إلى أن اجتماع البنك المركزي (الخميس) سيكون حاسمًا لسعر صرف العملة، وما يشهده الدولار من مضاربات بين التجار نابع من غموض الموقف بشأن قرارات البنك المركزي المصري.

وقال مسؤول مصرفي لـ”العرب” إنه لا توجد حلول لأزمة الدولار في مصر إلا بتجديد تأريخ طباعة الدولارات ولن يتم قبولها في البنوك إذا كانت طباعتها تعود إلى العام الماضي مثلا، وإن من يحوزها يجب أن يستبدلها من البنك في غضون شهر.

وأكد المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه أنه دون ذلك لن يتم حل أزمة الدولار قريبا، وربما يستغرق الأمر سنوات، لأن الأزمة احتدت وخرجت عن السيطرة.

وأشار إلى أن الحل البديل، لو رفضت السلطات اتباع المخرج السابق، هو تكثيف القبض وتوقيف تجار العملة والمتعاملين بالنقد الأجنبي، وهم معرفون لدى السلطات، وهو حل تم اللجوء إليه عندما تم تحرير سعر الصرف عام 2016.

وتوقع الخبير المصرفي محمد بدرة في تصريح لـ”العرب” رفع أسعار الفائدة خلال اجتماع البنك المركزي بمعدلات تتراوح بين 2 و3 في المئة، لاستيعاب الضغوط التضخمية، مع خفض قيمة الجنيه، حال أصر صندوق النقد على ذلك.

بينما توقع بنك الاستثمار “إتش سي” أن تبقي لجنة السياسات النقدية على أسعار الفائدة للإيداع والإقراض لليلة واحدة، في ظل عدم حدوث تغيير في سعر الصرف الرسمي، ولا يستبعد رفع سعر الفائدة حال تغير سعر الصرف الرسمي.

ورجّح بنك الاستثمار ارتفاع معدل التضخم في مصر لشهر يناير بنسبة 6.7 في المئة على أساس شهري و36.3 في المئة على أساس سنوي، مع مراعاة ارتفاع أسعار تذاكر المترو وخدمات الإنترنت والاتصالات والكهرباء.

وبرر محللون توقعوا تثبيت سعر الفائدة موقفهم بأنه الأكثر ملاءمة للأوضاع الحالية، حتى لا تتكبد الدولة المزيد من أعباء خدمة الدين العام وارتفاع عجز الموازنة لزيادة الفائدة، كما يخلق ذلك بعض الاستقرار لبيئة الاستثمار، لأن الشركات الحاصلة على تمويلات بنكية باتت مكبلة بفوائد كثيرة أثرت على نشاطها وإنتاجها.

العرب