أعطت ملامح الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي أبعاد استراتيجية لمعطيات عسكرية وأمنية تتعلق بمصالح الدول وكيفية الحفاظ على وجودها واستمرار فعالياتها الميدانية وتمر علاقتها مع دول العالم، وفي الاشهر الأخيرة حدثت كثير من المنعطفات المهمة التي أمست حقيقة يعيشها المواطن العربي من تحديات تتعلق مستقبله وتحاكي تطورات الأوضاع التي بدأت تأخذ مسارات عديدة وأهداف وغايات تسعى إليها الدول الكبرى بعيداً عن حياة الشعوب وديمومة وجودها، وهذا تحقق في العديد من المواجهات التي بدأ المتابع لشؤون المنطقة يشاهدها عبر عمليات وتعرضات عسكرية باستخدام الصواريخ الموجهة والطائرات المسيرة والمدافع الثقيلة، تستهدف مقرات وقواعد الجيش الأمريكي وقيادة التحالف الدولي في العراق وسوريا، ووصل الأمر إلى استهداف الملاحة الدولية والأمن الإقليمي في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن باعتراض العديد من السفن الناقلات البحرية.
هذه الشواهد والأحداث كانت لها الإدارة الأمريكية ووزارة الدفاع ( البنتاغون) بالرصيد والمتابعة التصريحات التي أكدت على ضرورة مواجهتها والعمل باتجاه محاسبة الفصائل المسلحة والجهات الفاعلة وراء تنفيذ العمليات التي استهدفت القواعد والمصالح الأمريكية في عد من الاقطار العربية، وكان آخرها ما حدث في التعرض الذي أصاب قاعدة التنف الأمريكية الواقعة شمال شرق الأردن قرب الحدود السورية والتي أصيب فيها عدد من الجنود الامريكان، قتل ثلاثة منهم عبر اصابتهم بطائرة مسيرة، وهي تأتي ضمن سلسلة من هجمات عديدة خلال الاشهر الماضية والتي تزامت مع الأحداث الجارية في قطاع غزة.
ورغم جميع هذه العمليات إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لا زالت ملتزمة بمضمون ( قواعد الاشتباك) والتي أصبحت ذات دلالة واقعية يمكن ملاحظتها في طبيعة الفعاليات والعمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل تجاه الأراضي السورية او الفعاليات التي تشنها الفصائل المسلحة على قواعد ومقرات القوات الأمريكية في العراق وسوريا والتي يمكن من خلالها فهم الإلتزام الميداني الذي تتبعه الأطراف المتصارعة في تمسكها بقواعد الاشتباك التي تعرف على أنها مجموعة السياسات والضغوط السياسية والتعبوية الرسمية التي تضبط السلوك القتالي لطرفي النزاع من حيث استخدامهم قدراتهم القتالية، بعدم التعرض على الأهداف التعبوبة داخل حدود اي منهما والمقصود هنا، أن إسرائيل وإيران وأمريكا ملتزمة بعدم شن أي هجمات تعرضية تستهدف أمنها الداخلي وضمن الحدود الجغرافية والجيو سياسية وإنما تستخدم أسلوب (المواجهة بالوكالة) عبر العديد من الفصائل المسلحة التي تمتلك نفوذاً على الأرض في بعض الاقطار العربية، ويمكن لها أن تستهدف المواقع والقواعد الأمريكية وبعض الأهداف الإسرائيلية، وكذلك عدم قيام الجانب الأمريكي والإسرائيلي بالتعرض على أهداف عسكرية وأمنية داخل الأراضي الإيرانية، وهذا ما أكده اليوم القادة العسكريين الامريكان في تصريحهم الذي نقلته شبكة “إن بي سي” إن الضربات الانتقامية الأمريكية قد تشمل هجمات على أهداف إيرانية خارج إيران، بالإضافة إلى عمليات إلكترونية، وهذا يشير إلى مفهوم الالتزام بقواعد الاشتباك بين جميع الأطراف المتصارعة في المنطقة.
إن الولايات المتحدة الأمريكية ليس لها أي توجهات في إضعاف النظام الإيراني وإنما احتوائه وتأكيد رغبتها في بقائه كأداة مهمة في مواجهة منافسيها الإقليمين وابقاءالوضع العام في المنطقة بحالة من التأزم وعدم استقرار الأوضاع الأمنية فيها حتى لا تكون هناك أي إمكانية لاستثمارات مالية كبيرة ذات عوائد إقتصادية تخدم مشاريع تنموية تحرص عليها دول منافسة لها كالصين وروسيا.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتبجة