ضمن سياستها الإستراتيجية القائمة على إظهار القوة وإثبات الوجود وتعزيز فعالياتها الداخلية والسعي لتكون من الدول الإقليمية المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، تحاول إيران استخدام جميع الوسائل العلمية والتقنية وزيادة قدراتها الفنية لتعزيز برنامجها النووي ودعم وتحديث أنظمة الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة وتوجيه أنشطتها الفعالة لتكون جزءاً مهماً وطريقاً ممهداً لتنفيذ أهدافها في التمدد والنفوذ في المنطقة واستعادة دورها في المحافل الدولية والإقليمية وإعطاء زخم قدراتها في مواجهة العقوبات الدولية التي فرضت عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ولاثبات إمكانية التغلب عليها وإعطاء مديات لنشاط النظام الإيراني وارسال رسائل عديدة تبين النشاطات والفعاليات التي يقوم بها الحرس الثوري الإيراني والمؤسسات والأجهزة التنفيذية المرتبطة به.
شرعت إيران وفي
في أحدث خطوة لها ان أطلقت يوم الرابع من شباط 2024 للمرة الأولى وبشكل متزامن ثلاثة أقمار صناعية عبر استخدام صاروخ (سيمرج) الحامل للأقمار الصناعية الذي طورته
وزارة الدفاع الإيرانية، معلنة أسماء الأقمار الثلاثة وهي ( مهدا وكيهان-2 وهاتف)، وتأتي هذه العملية في سياق التصريحات التي سبق وان أعلنت عنها القوّة الجو فضائية في حرس الثورة الإيراني في تشرين الثاني 2023 بنجاح إطلاق صاروخ قائم 100 المكلف بوضع الأقمار الاصطناعية في مدار الأرض صنعه العلماء والخبراء في القوة الجو فضائية في الحرس، بحيث تمّت تجربة الإطلاق بنجاح عبر استخدام الوقود الصلب.
ويزن (مهدا) وهو الأكبر بينها 32 كيلوغراما، بينما يزن الآخران عشرة كيلوغرامات لكل منهما، وقد أرسلت لمدار قريب يبعد حده الأدنى 450 كيلومترا عن الأرض،
ويهدف القمران الصغيران إلى اختبار الاتصالات ضيقة النطاق وتكنولوجيا المواقع الجغرافية،
أما (مهدا) الذي صنعته وكالة الفضاء الإيرانية فصمم لاختبار دقة الصاروخ (سيمرج) في إيصال شحنات متعددة للفضاء.
أتت هذه الخطوة بعد أسابيع قليلة على إطلاق طهران القمر (ثريا) الذي صنعه الحرس الثوري، مما أثار مخاوف لدى قوى أوروبية من أن تستخدم السلطات الإيرانية تكنولوجيا صواريخ الإطلاق هذه لتطوير أنظمة صواريخ باليستية طويلة المدى.
وسبق لقيادة الحرس الثوري وان أعلنت في العشرين من كانون ثاني 2024 نجاحها في وضع القمر الاصطناعي الجديد ( ثريا) في مدار على إرتفاع حوالي 750كيلومتر فوق سطح الأرض بواسطة الصاروخ ( قائم 100) وحضر عملية الإطلاق قائد الحرس الثوري حسين سلامي ورئيس منظمة الفضاء حسين سالاريه وقائد قوات الجو فضائية التابعة للحرس العميد على حاجي زادة وعدد من القيادات الأمنية والعسكرية في قيادة الحرس الثوري.
ويأتي إطلاق القمر الاصطناعي ( ثريا) ليعكس التطور العلمي في البرنامج الفضائي لإيران والتقدم الحاصل في المديات التقنية والنواحي التكنولوجية، بعد أن تمكنت من وضع أقمار اصطناعية لها سابقاً نوع ( نور 1و2و3) والذي تم وضعهم في مدار حوالي 450كيلومتر لكن (القمر ثريا) تقدم عنهم ووضع في مدار 750 كيلو متر.
إن من أهم المعطيات التي تحاول إيران أبرازها عبر إطلاق القمر الاصطناعي (ثريا) باستخدام الصاروخ(قائم 100) تأكيدها أن الحظر المفروض على برنامجها الصاروخي قد إنتهى في 18 تشرين الأول 2023 بموجب نص الاتفاق النوري في 2015، ولكنها استمرت عبر العقوبات الجديدة المضافة والتي فرضت من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في التاسع عشر من تشرين الأول 2023 وأستهدفت برنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة وشملت أحدى عشر فرداً وثماني كيانات سفينة واحدة، والتي أتت في سياق عدم التزام إيران بموجب فقرات الحظر الخاص بتطوير الصواريخ البعيدة المدى والذي عمدت اليه دون مراعاة لاتفاقية عام 2015 بحجة الإنسحاب الأمريكي منها في آذار 2018، وتعاضدت العقوبات الأمريكية مع الموقف الأوربي المساند لها من قبل الدول المشاركة في الاتفاق ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) في تشرين الأول 2023، وهذا ما سبب في إيجاد المبررات في عدم رفع الحظر عن نشاطات إيران بخصوص البرنامج الصاروخي والطائرات المسيرة.
استغلت إيران انشغال العالم بأحداث غزة والعمليات العسكرية داخل الأراضي الفلسطينية من قبل القوات الإسرائيلية لتقوم بتطوير برنامجها الفضائي الذي تخشى منه الدول الغربية أن يكون مجالاً لعملية تطوير الصواريخ البالستية تتمكن من خلاله حمل رؤوس نووية مستقبلاً، وترى الدول الأوربية والإدارة الأمريكية ان هذه الأفعال الإيرانية مخالفة للقرار الدولي 2231 الخاص بالإتفاق النوري والذي يحظر على إيران تطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية، كما ترى هذه الجهات الدولية أن البرنامج الفضائي الإيراني قد يستخدم لاغراض الرصد والتقرب والمتابعة لمواقع معادية يهتم بها الجانب الإيراني، خاصة وان عملية الإطلاق للأقمار الاصطناعية تلقى اهتمام واسع من قبل قيادات الحرس الثوري وهذا ما يزيد من تأكيد ان لهذه العمليات أهداف عسكرية، وما يعزز هذا الرأي ان الإعلان الإيراني جاء في اليوم الذي قتل فيه (5) من مستشاري الحرس الثوري في غارة جوية إسرائيلية على حي المزة بالعاصمة السورية ( دمشق). كما يأتي في أعقاب مقتل القائد العسكري البارز رضي موسوي في غارة أخرى على منطقة الزينبية بتاريخ 25 كانون الأول 2023.
تحاول إيران في سياق ردها على التهديدات الأمريكية والإسرائيلية وتزايد العمليات العسكرية ضد أذرعها وأدواتها وفصائلها في الفترة الأخيرة ان تعطي بعض الملامح من أبعاد سياستها التي تحرص فيها على ابقاء مساحة من العمل التعبوي الذي يصاحب إظهار القوة وبعض المرونة في الحالات التي تتطلب الحفاظ على نظامها السياسي وتمسكها بوجودها، ولهذا فهي لا زالت تبعث برسائل واشارات للإدارة الأمريكية التي تشاطرها السياسة نفسها في التهدئة وعدم التصعيد بإمكان عودة المفاوضات حول البرنامج النووي وأن الإجراءات والفعاليات العسكرية التي يقوم بها النظام الإيراني مستغلاً للأحداث الدامية في قطاع غزة بعيداً عن المشاركة الفعلية في الميدان الفلسطيني إنما تأتي في سبيل الدفع باتجاه إعادة ملف المفاوضات والحوارات التي توقفت منذ أيلول 2022 والتي كانت تجرى في العاصمة النمسا بة ( فيينا)، ويعيد النظام الإيراني ما بدأه منذ أن أعتلى الرئيس جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بوضع الجميع أمام احتمالات وخيارات عديدة أهمها بالنسبة له العودة للمفاوضات ورفع العقوبات الإقتصادية ومحاولة النأي بالنفس عن أي أحداث وتبعيات تخص السياسة الأمريكية وأهدافها في المنطقة واعتماد مبدأ قواعد الاشتباك او التصعيد في كافة المستويات وعلى جميع الأصعدة بتكثيف نوعية الهجمات التعرضية على القواعد والمعسكرات التابعة للجيش الأمريكي وقوات التحالف الدولي في سوريا والعراق والأخذ بنظر الأعتبار عدم مناقشة برنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة الإيرانية واعتبارها خطاً أحمراً لا يمكن لأي جهة تفاوضية أن تتحدث به، كون إيران ترى فيه الضمان الأساسي في مواجهة التهديدات الخارجية التي تقلق وضعها الداخلي في استمرار حكمها القائم، خاصة وان الأجهزة التشريعية والتنفيذية بانتظار حدث داخلي مهم تعقد عليه أمال العديد من السياسين وأصحاب التيارات المؤثرة في منظومة الحكم ويعتبر من أهم اهتمامات الاستراتيجية الإيرانية وتعول عليه كثيراً وتسعى لانجاحه بذهاب المواطنين لصناديق الاقتراع الخاصة بانتخابات مجلس الشورى الإسلامي ومجلس الخبراء الإيراني الذي سيحقق الغاية المنشودة منه وهي تأكيد شرعية وبقاء النظام حسب رأي وتصريحات أعلى المستويات في نظام الحكم الإيراني.
ثم جاء الرد الأمريكي بشكل متناسق والأهداف الإيرانية المشتركة حول القادم من الايام في العلاقات الأمريكية الإيرانية بأن على إيران عدم الأقدام على القيام بأي نشاطات تتعلق بتطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتبجة