أربعون في المئة من الليبيين تحت خط الفقر بسبب الفساد

أربعون في المئة من الليبيين تحت خط الفقر بسبب الفساد

تزايدت أعداد الفقراء خلال السنوات الأخيرة في ليبيا وسط ظروف سياسية ومعيشية صعبة، ما سمح بتفشي ممارسات الفساد المالي والإداري، بالموازاة مع استمرار حالة الانقسام السياسي وعدم الاستقرار الأمني في البلاد.

طرابلس – اعترف وزير الاقتصاد بحكومة الوحدة الوطنية محمد الحويج أن نحو 40 في المئة من الليبيين تحت مستوى خط الفقر، وطالب في مقابلة تلفزيونية المصرف المركزي بتثبيت سعر صرف الدينار أمام الدولار، متهما إياه بفتح الاعتمادات لسلع ليست ذات أولوية، مشيرا إلى أن التجار سيبيعون السلع بسعر التكلفة في شهر رمضان.

وتابع الحويج أن دعم الوقود يضغط على العملة الصعبة، لافتا إلى أن منظومة حجر النقد الأجنبي تواجه مشاكل، وعلى المصرف المركزي حلها.

وكان مدير مركز الدراسات الاجتماعية هيثم الصويعي توقع في يونيو الماضي أن يصل معدل الفقر في ليبيا إلى ما بين 35 و40 في المئة خلال العام 2023 بسبب الأزمات المعيشية في مختلف المناطق، فيما اعتبر مدير مركز أويا للدراسات الاقتصادية أحمد أبولسين أن النسبة العظمى من الشعب فقيرة بسبب تخفيض القوة الشرائية للدينار بـ70 في المئة، في ظل عدم وجود حماية اجتماعية للطبقات الفقيرة وسط التضخم والأزمات المعيشية المتراكمة في البلاد.

وعزت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا ارتفاع نسبة الفقر في البلاد إلى عدة أسباب أهمها التضخم المرتفع وانهيار قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية والغذائية بالإضافة إلى ارتفاع قيمة الخدمات الصحية وتدني مستوى الدخل للأسر، وخاصة الفئات الأكثر ضعفا واحتياجا كشريحة المعاقين والأيتام والأرامل وذوي الدخل المحدود والنازحين والمهجرين، وكذلك قطاع واسع من الموظفين الذين يعانون من تدني مستوي الدخل مقارنة بباقي الفئات الأخرى من الموظفين في القطاع العام، وتصاعد مؤشرات البطالة والباحثين عن العمل.

حسب تقديرات البنك الدولي انكمش الاقتصاد الليبي بنسبة 1.2 في المئة سنة 2022 بسبب الحصار المفروض على إنتاج النفط

ويرجع مراقبون ارتفاع مستويات الفقر في ليبيا إلى اتساع ظاهرة الفساد في البلاد، وانتشار شبكات نهب المال العام والعبث بمقدرات الدولة سواء عبر المحسوبية والرشوة والتلاعب بالاعتمادات المصرفية والمضاربة بالعملة أو عبر تهريب الوقود والسلع، أو عبر استغلال النفوذ وفق العلاقات الأسرية والقبلية والمناطقية والمصالح السياسية والحزبية، وبحسب الصفقات التي تجري في ظل بنادق المسلحين من هذا الطرف أو ذاك.

وحلّت ليبيا في المرتبة 170 في مؤشر مدركات الفساد للعام 2023، مرتفعة مرتبة واحدة عن العام 2022 حين جاءت في المرتبة 171 من أصل 180 دولة يشملها المؤشر، وهي بذلك تعتبر واحدة من أكثر دول العالم والمنطقة فسادا بما أثر سلبا على الجانب المعيشي لمواطنيها، إذ جاءت متأخرة عن السودان وتشاد وأفغانستان التي احتلت جميعها المرتبة 162، وأيضا العراق الذي جاء في المرتبة 154، بينما سبقت دول الصومال وفنزويلا وسوريا وجنوب السودان واليمن الموجودة في المراكز الأخيرة على المؤشر.

وبحسب منظمة الشفافية الدولية “تسهم كلٌ من الأنظمة الاستبدادية والقادة الديمقراطيين الذين يقوِّضون العدالة في زيادة إمكانية الإفلات من العقاب على الفساد، بل وفي بعض الحالات تشجيع الفساد من خلال التغاضي عن توقيع العقوبات على المخطئين ومرتكبي الأفعال غير المشروعة، ويتجلى تأثير هذه الأفعال في شتّى الدول، من فنزويلا إلى طاجيكستان”.

وبحسب تقديرات البنك الدولي فإن نصيب الفرد من الثروة في ليبيا خلال العام 2021 قدر بحوالي 3700 دولار فقط، في حين كان خلال عامي 2018 و2019 حوالي 7800 دولار.

ليبيا حلّت في المرتبة 170 في مؤشر مدركات الفساد للعام 2023، مرتفعة مرتبة واحدة عن العام 2022

ولا يمكن فصل الفقر عن الفساد في ليبيا البلد الثري الواقع على الضفة الجنوبية للمتوسط والذي لا يتجاوز عدد سكانه سبعة ملايين نسمة، حيث تواجه البلاد خللا متعمدا في توزيع الثروة وتحقيق التنمية، وبات من الطبيعي أن يظهر كل يوم مليونير جديد، وفق ما كان صرح به المبعوث الأممي الأسبق غسان سلامة، فيما يزداد عدد الفقراء بشكل غير مسبوق، وخاصة مع تراجع حاد لسعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية الرئيسية.

وخلال السنوات الماضية، برزت ظاهرة الأثرياء الجدد ممن يمتلكون أرصدة ضخمة خارج البلاد، وأغلبهم من أمراء الحرب أو من بارونات التهريب أو من الفاعلين السياسيين وكبار المسؤولين وأقاربهم وممن استغلوا مرحلة الفوضى التي أعقبت الإطاحة بنظام القذافي العام 2011 بتكوين إمبراطوريات مالية واقتصادية من الأموال المنهوبة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وبالمقابل فقد جانب كبير من السكان المحليين أملاكهم الخاصة أو مصادر رزقهم واضطروا لبيع ممتلكاتهم لشراء سلامتهم من مسلحي الميليشيات أو لتوفير لقمة العيش بعد انقطاع دور الدولة الراعية.

وفي أكتوبر الماضي، قال تقرير صادر عن البنك الدولي إن الاقتصاد الليبي، الذي تضرر بالفعل من الصراع وجائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا، سيتأثر تأثرا كبيرا بالفيضانات الكارثية التي ضربت شرق البلاد. واعتبر أن الأوضاع الهشة في البلاد تتسبب في آثار اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى، حيث انخفض نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة 50 في المئة بين عامي 2011 و2020، في حين كان من الممكن أن يرتفع بنسبة 68 في المئة لو واصل الاقتصاد السير في اتجاهه قبل اندلاع الصراع.

وأشار التقرير إلى أن نصيب الفرد من الدخل في ليبيا كان يمكن أن يكون أعلى بنسبة 118 في المئة في حالة عدم وجود الصراع. وقد ظل النمو الاقتصادي في عام 2022 منخفضا ومتقلبا بسبب الاضطرابات المرتبطة بالصراع في إنتاج النفط.

أوساط ليبية ترى أن مستويات الفقر في ليبيا مرتبطة بتقسيمات اجتماعية ومناطقية وقبلية

وبحسب تقديرات خبراء البنك الدولي، فإن الاقتصاد الليبي انكمش بنسبة 1.2 في المئة في عام 2022 بسبب الحصار المفروض على إنتاج النفط، خلال النصف الأول من العام. وتصنف ليبيا على أنها صاحبة خامس أكبر احتياطي للنفط في المنطقة العربية بعد السعودية والعراق والكويت والإمارات، ويتسم سوق العمل فيها بارتفاع معدلات البطالة، حيث بلغ المعدل الرسمي 19.6 في المئة. ويعمل أكثر من 85 في المئة من السكان النشطين في القطاعين العام وغير الرسمي. وزادت إيرادات المالية العامة بنسبة 16 في المئة في عام 2022، مدفوعة بارتفاع عائدات النفط التي تشكل 97 في المئة من إيرادات المالية العامة، فيما يعد الدين العام، المحلي بشكل رئيسي، مرتفعاً عند مستوى 77 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، و126 في المئة من الإيرادات الحكومية، ومن المستدام افتراض عدم تأثر إنتاج النفط والغاز وصادراته بدرجة أكبر بالوضع الأمني والصراع.

ويرى الخبراء، أنه على الرغم من التحديات العديدة التي تواجه ليبيا، يمكن أن يتحقق تعافي اقتصادها من خلال الاستفادة من موارد ليبيا المالية الكبيرة، بالبناء على أربعة ركائز بالغة الأهمية. أولا التوصل إلى اتفاق سياسي مستدام بشأن مستقبل ليبيا. وثانياً إعداد رؤية مشتركة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تستند إلى أدلة وتُترجم إلى موازنة مالية وطنية للحفاظ على البنية التحتية الحيوية، وبناء رأس المال البشري. وثالثا وضع نظام لإدارة المالية العامة يتسم بالمساءلة والشفافية واللامركزية، ويضمن التقاسم الملائم للثروة النفطية والتحويلات المالية الحكومية، فضلاً عن تخطيط الموازنة وتنفيذها، ورفع التقارير بشأنها على نحو فعال. ورابعاً إصلاح شامل للسياسة الاجتماعية لخلق تمييز واضح بين التحويلات الاجتماعية إلى المحتاجين، وبين الأجور العامة.

وترى أوساط ليبية أن مستويات الفقر في ليبيا مرتبطة بتقسيمات اجتماعية ومناطقية وقبلية، حيث أن ليبيا الثرية بالنفط والغاز لا تخلو إلى اليوم من مدن الصفيح ومن أحياء القصدير وخيام النازحين سواء في طرابلس أو بنغازي أو في غيرها من المدن، فيما يواجه الجنوب الكبير معاناة دائمة من الإهمال والتهميش والفقر المدقع.

العرب