صناديق الثروة في أفريقيا أدوات إستراتيجية للاستثمار

صناديق الثروة في أفريقيا أدوات إستراتيجية للاستثمار

تحولت صناديق الثروة السيادية في أفريقيا لتكون أكثر نشاطا من أي وقت مضى بعدما انفتحت الحكومات على فكرة إنشاء أذرعها الاستثمارية الخاصة لسد الثغرات الحرجة في تمويل المشاريع، وتحفيز زيادة رؤوس الأموال في القطاعات ذات الأولوية.

الرباط – تركز الدول الأفريقية من خلال صناديق الثروة السياسية، والتي هي أشبه بمزيج بين مؤسسات تمويل التنمية وصناديق الأسهم الخاصة، على تحقيق العائدات وعلى الاستثمار من أجل التنمية الإستراتيجية والتأثير.

وتقليديا، تأتي معظم استثمارات صناديق الثروة في القارة من صناديق سيادية من الشرق الأوسط، لكن ظهورها المكثف خلال السنوات القليلة الماضية وفّر إمكانية تشكيل بيئة الاستثمار وتسريعها خاصة في ظل الفرص المهملة التي تزخر بها أسواق أفريقيا.

وأفادت ورقة بحثية لمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد (جسور) بأن الصناديق الأفريقية تشكل منصات إستراتيجية للاستثمار وتضطلع بدور فاعل في المشهد المالي العالمي.

وأوضح هنري لويس فيدي، مؤلف الورقة تحت عنوان “الصناديق السيادية الأفريقية.. موجة ثانية (2016 – 2023) تحت شعار إعادة التعريف الإستراتيجي”، أن هذه الصناديق اكتسبت أهمية متزايدة، مما أتاح فرصا ملحوظة للتنمية الاقتصادية وتنويع الاستثمارات.

وذكر لويس فيدي في ورقته التي أوردتها وكالة الأنباء المغربية الرسمية أن مشهد الصناديق السيادية الأفريقية شهد مع توالي السنوات تطورا ملموسا.

وكانت الموجة الأولى، الممتدة من خمسينات القرن الماضي إلى سنة 2015، مدعومة أساسا بالموارد الطبيعية من قبيل النفط والغاز وغيرهما من المواد الأولية، فيما برزت منذ سنة 2015 موجة جديدة تميزت بصناديق تمولها، بالأساس، تحويلات للأصول العامة.

وشكل هذا التحول منعطفا هاما في تصور المستثمرين الأجانب للقارة، حيث أحدثت 15 دولة أفريقية، بين عامي 2010 و2023، صناديقها السيادية، بما في ذلك المغرب ومصر ونيجيريا وإثيوبيا والغابون ورواندا والسنغال وجيبوتي.

ويقول خبراء إن هذا الاتجاه يعكس تنامي الوعي بالأهمية التي تكتسيها هذه الصناديق التي تساهم، إلى جانب الدولة، في تحقيق التنمية المستدامة وتوفير فرص العمل في البلدان وجذب الاستثمارات.

ويوجد في أفريقيا اليوم حوالي 25 صندوقا سياديا تعتبر أدوات تمويل مبتكرة للقطاع الخاص ومشاريع التنمية، وهي تهدف إلى تحقيق تأثير مزدوج يرتبط بالربحية المالية وأيضا بالبحث عن الأثر الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لأعمالها.

ولا تتمتع صناديق الثروة الأفريقية برأس مال قوي مثل نظيراتها في منطقة الخليج أو آسيا، التي كانت نشطة في أفريقيا، كما أنها لا تملك فوائض حكومية كبيرة يمكن الاستفادة منها.

وتدير الصناديق في أفريقيا حاليا أصولا بقيمة إجمالية تصل إلى 124 مليار دولار تقريبا، وبينما هذا المبلغ لا يمكن مقارنته بحجم صناديق ثروة سيادية أخرى على المستوى العالمي أو حتى العربي، إلا أنها تتمتَّع بالأهمية في سياق الاقتصادات الأفريقية.

وسلطت دراسة مركز جسور على الدور المحوري الذي يضطلع به الصندوق المغربي إثمار كابيتال ضمن هذا المشهد المالي في طور التحول.

كما شددت على الدور الرئيسي لهذا الصندوق في تعزيز التعاون والتنمية الاقتصادية داخل القارة وخارجها في سياق الأهمية المتزايدة للصناديق السيادية الأفريقية في الاقتصاد العالمي.

ويعمل صندوق إثمار، الذي رأى النور في العام 2011، على تعزيز الاستثمارات في جميع القطاعات الإستراتيجية الوطنية من خلال تطوير مشاريع مهيكلة.

124 مليار دولار حجم أصول 25 صندوقا سياديا في القارة وفق معهد الصناديق السيادية

وبادر صندوق الثروة المغربي في يونيو 2022 إلى إطلاق أول منتدى للمستثمرين السياديين الأفارقة والذي ضم العشرات من الصناديق السيادية الأفريقية قصد تعزيز التعاون وتبادل الخبرات.

وفي رسالة وجهها إلى المشاركين في المنتدى قال العاهل المغربي الملك محمد السادس حينها إن “القارة الأفريقية في حاجة إلى صناعة استثمارية أفريقية حقيقية، قادرة على ضمان التعبئة الكافية والمستدامة لرؤوس الأموال وتحقيق الاندماج الفعلي في الأسواق المالية”.

وأكد أن “الصناديق الاستثمارية السيادية والإستراتيجية، تشكل أدوات فعالة لرصد الفرص، وتساهم في زيادة تدفق رؤوس الأموال نحو القطاعات المنتجة للقيمة الاقتصادية وذات الأثر الاجتماعي الكبير”.

وشدد الملك محمد السادس على ضرورة “الإقرار بأن فرص الولوج إلى رؤوس الأموال، ما زالت دون المستوى المأمول، في ظل هيمنة تمويلات وكالات وبنوك التنمية رغم الجهود المبذولة في بلدان أفريقيا على مستوى الإصلاحات”.

وتحتاج أفريقيا للاستثمار في رأس المال البشري، والنهوض بالتعليم لتحقيق طفرات اقتصادية تنتشل دولها من الفقر رغم الإمكانيات والموارد الطبيعية المتاحة في جميع دولها.

وقال عبيد عمران، الرئيس التنفيذي لإثمار كابيتال، خلال افتتاح المنتدى الأفريقي حينها إن الصندوق بإمكانه أن “يسهل عددا من التحديات التي يواجهها المستثمرون الدوليون عند التفكير في الاستثمار في أفريقيا”.

وأضاف “غايتنا إبراز الفرص والإمكانيات لإحداث تأثير إيجابي على القارة وتطلعاتها لمستقبل أفضل”.

وتم انتخاب إثمار كابيتال، وهو عضو في المنتدى الدولي للصناديق السيادية منذ العام 2015، لرئاسة مجلس إدارة المنتدى في نوفمبر 2021، وهو ما يجسد إشعاعه الدولي وتأثيره المتنامي.

وفي العام ذاته، ترأس المغرب، من خلال صندوقه إثمار كابيتال، اجتماعا سنويا للمنتدى، لأول مرة، مما يعكس التطور الملموس لهذه الصناديق في أفريقيا.

وشهدت الفترة الممتدة بين 2000 و2023 موجتين من إحداث الصناديق السيادية في أفريقيا، كانت أولها من 2002 إلى 2014، وتم تمويلها بالأساس من عائدات النفط، واعتمدت مقاربة بين الأجيال.

وتمحورت الموجة الثانية، بين 2016 و2022، حول التنمية الاقتصادية وانخرطت في تعبئة الرساميل الدولية.

ووفق معهد الصناديق السيادية، فإن هيئة الاستثمار الليبية هي أكبر صندوق سيادي في القارة بحجم أصول يبلغ نحو 66 مليار دولار، وتأتي بعده شركة الاستثمار الإثيوبية القابضة التي تم إطلاقها في عام 2022 بأصول مملوكة للدولة بقيمة 45 مليار دولار.

ويشق صندوق مصر السيادي، الذي تم تأسيسه في 2018، طريقه لتطوير قيمة أصوله البالغة 12 مليار دولار عبر العمل بشكل وثيق جنبا إلى جنب مع صندوق الثروة السعودي وشركة أبوظبي القابضة (أي.دي.كيو).

كما يعمل صندوق محمد السادس البالغة أصوله 1.6 مليار دولار، على خطة لتخصيص 5 مليارات دولار من شركاء للاستثمار في سلسلة من المحافظ التي تدعم نمو القطاعات الإستراتيجية، بما في ذلك البنية التحتية والشركات الصغيرة والمتوسطة.

وكانت موزمبيق وكينيا من بين الدول التي قامت مؤخرا بصياغة مشاريع قوانين لإنشاء صناديق ثروة سيادية جديدة.

العرب