تراجع عائدات قناة السويس: مصر تدفع فاتورة ارتباك موقفها

تراجع عائدات قناة السويس: مصر تدفع فاتورة ارتباك موقفها

القاهرة – أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الاثنين تراجع عائدات قناة السويس بنسبة تتراوح بين 40 و50 في المئة، بسبب اضطراب حركة الملاحة في البحر الأحمر نتيجة هجمات الحوثيين.

ويعكس كلام السيسي اعترافا متأخرا بأن مصر لم تتحرك مبكرا للمشاركة في تحييد الخطر الحوثي قبل أن يصل إلى ما وصل إليه الآن من قوة وتأثير.

وقال السيسي خلال معرض ومؤتمر مصر الدولي للبترول (إيجبس 2024) “الممر الملاحي الذي كان يدرّ 10 مليارات دولار سنويا تقريبا، تراجع بنسبة 40 إلى 50 في المئة” منذ بداية العام الجاري، مشيرا إلى تأثر الاقتصاد المصري أولا بـ”أزمة كورونا ثم الأزمة الروسية – الأوكرانية، والآن ما يحدث على حدودنا المختلفة مع ليبيا والسودان وقطاع غزة”.

ومنذ انطلاق هجمات الحوثيين على السفن في نوفمبر الماضي بدت مصر كأنها غير معنية بالأزمة، واكتفت وسائل إعلامها بنقل أخبار التصعيد الحوثي ضد السفن وكأنه يحدث في مكان آخر بعيد وليس في البحر الأحمر بوابة قناة السويس ومصدر عائداتها.

وخيرت القاهرة الاعتبار السياسي على المصالح الحيوية في التعامل مع الأزمة. وكان هدفها عدم إثارة غضب الحوثيين عليها وإبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع إيران وليس إظهار موقف حازم ضد استهداف السفن الذي يضرّ بمصالحها.

وكانت مصادر مصرية مطلعة قد أكدت في ديسمبر الماضي أن القاهرة لا تنوي الانخراط في أي تحالف أمني أو عسكري لمواجهة الحوثيين، مضيفة أن مصر “تتمسك بنهجها في عدم الانخراط في تحالفات، وأن تتبنى رؤية لحل النزاعات والأزمات عبر التواصل مع أطرافها المختلفة”.

كلام السيسي يتضمن اعترافا متأخرا بأن مصر لم تتحرك مبكرا للمشاركة في تحييد الخطر الحوثي قبل أن يشتدّ

ويشار إلى أن الموقف المصري المتردد تجاه الحوثيين ليس وليد الأزمة الحالية؛ فمنذ البداية سعت إلى عدم الصدام مع الحوثيين أو المشاركة في تحرك عربي فعال ضدهم. وكانت مشاركتها في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن محدودة وغير مؤثرة، وتجنبت فيها خيار الصدام بدعوى أنه يتناقض مع مصالحها.

وكان يمكن لتحرك عربي جماعي أن يوقف التهديد الحوثي منذ البداية، أو يحد منه. لكن الآن اتسع خطر جماعة “أنصارالله” وبات من الصعب الحد منه، ومصر صارت أكبر المتضررين ممن كانت تعتقد أنها يمكن أن تكسب ثقتهم وثقة مَن وراءهم.

لكن محللين مصريين يرون أن المشكلة ليست في الحوثيين، وإنما في التدخل الأميركي والبريطاني في البحر الأحمر.

وقال المحلل السياسي المصري مصطفى السعيد إن “الحوثيين لا يشكلون خطرا مباشرا على قناة السويس، فالجماعة أعلنت أنها تستهدف السفن المتوجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي، وهي لا تمر عن طريق قناة السويس، والتضرر المصري جاء بسبب التدخل الأميركي – البريطاني الذي خلق منطقة أكثر اشتعالا في البحر الأحمر من خلال توالي الضربات الجوية التي أسهمت في زيادة التأمين على السفن، ولجوء الكثير منها إلى عدم المرور من قناة السويس باعتبارها منطقة خطرة”.

وأوضح السعيد في تصريح لـ”العرب” أن “مصر لم توجه اتهامات واضحة وصريحة للحوثيين بالتسبب في تهديد أمن الملاحة في البحر الأحمر، وحال تدخلت مصر عسكريّا فإن ذلك لن يكون مفيدا”.

وذكر أن توسيع دائرة الصراع العسكري في البحر الأحمر لا يخدم مصالح مصر التي تسعى للتهدئة السياسية، ولحل مشكلة المساعدات وإدخالها بكميات كبيرة إلى قطاع غزة، وبالتوازي مع ذلك إقناع الحوثيين سلما بوقف ضرباتهم.

ورغم أن إيرادات قناة السويس تعرضت لأضرار مالية بالغة فإن مصر، وكل الدول المطلة على البحر الأحمر، لم تشارك في العمليات العسكرية ضد الحوثيين، ولم تحدد بوضوح الطريقة التي يمكن التعامل بها مع أزمة متفاقمة في جنوب البحر الأحمر، ولم ترسم خطة لتقويض ما يحدث من تهديدات تؤثر سلبا على أمنها.

وأكد عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري اللواء يحيى كدواني أن دولا عديدة في العالم تضررت من الأحداث الجارية في مضيق باب المندب جراء الضربات الحوثية، وهو أمر تعاني منه قناة السويس بعد أن اختارت بعض السفن العبور عبر رأس الرجاء الصالح، وهو ما يشغل بال مصر كثيرا باعتبارها في حاجة ملحة إلى إيرادات القناة التي تعد من أبرز مسارات الدخل القومي.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن “الدخول في صراع ضد جماعة الحوثي عملية غير مرغوب فيها من الجانب المصري، فالعمليات العسكرية التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا على أهداف حوثية في اليمن غير منتجة، وإطالة أمد الضربات وكثافتها سوف تضاعفان حدة الأزمة وتؤثران بشكل أكبر على حركة الملاحة الدولية، ومصر تميل إلى معالجة الأزمة بطرق سياسية لضمان عودة الأمن والاستقرار إلى منطقة البحر الأحمر وممر قناة السويس”.

ومنذ 19 نوفمبر الماضي ينفّذ الحوثيون المدعومون من إيران هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب يشتبهون بأنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئها، ويقولون إن ذلك يأتي دعما لقطاع غزة.

وأشار كدواني إلى أن القاهرة ترى أن التوصّل إلى اتفاق عاجل يقضي بوقف إطلاق النار في غزة هو مفتاح جيد لحل الكثير من الأزمات الراهنة في المنطقة، بما فيها الأزمة المشتعلة في جنوب البحر الأحمر، وتدرك مصر أن الولايات المتحدة تملك مفاتيح الحل من خلال الضغط على إسرائيل لوقف الجرائم المرتكبة بحق المدنيين. وأوضح أن مصر تلعب دورها بما تمتلكه من أدوات مناسبة لمجابهة تحديات أمن الملاحة في البحر الأحمر، لكن دون دخول في صراعات عسكرية تسهم في احتدام الأزمة، وأنها مقتنعة بأن وقف الحرب في غزة يعني توقف استهداف الحوثيين للسفن.

العرب