أسهمت الأحداث في القرن الأفريقي والبحر الأحمر والمخاطر التي باتت تهدد الملاحة الدولية في تنامي اهتمام قوى إقليمية وعالمية بالصومال، في وقت وقّعت فيه مقديشو اتفاقا مع واشنطن لبناء خمس قواعد عسكرية، وأبرمت اتفاقية دفاعية مع تركيا، ما يشير إلى أن الصومال صار ملعبا جديدا لإثبات فاعلية المُسيّرات التركية.
وبالتوازي مع ذلك أصبح الصومال قبلة لاهتمام دول الخليج التي تبحث عن دور أكثر تأثيرا في القرن الأفريقي.
وظهر الاهتمام الأميركي والتركي بالصومال بعد الأزمة بين مقديشو وأديس أبابا الناجمة عن مذكرة تفاهم تمنح بمقتضاها أرضُ الصومال إثيوبيا منفذا إلى البحر وقاعدة عسكرية، كما تزامن مع الهجمات الحوثية على السفن الغربية ردّا على تطورات الحرب في غزة.
وأعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن الصومال والولايات المتحدة وقّعا مذكرة تفاهم لبناء خمس قواعد عسكرية للواء داناب التابع للجيش الوطني الصومالي، وأن ذلك يأتي كمساهمة أميركية “مهمة وحاسمة في جهود الحكومة لبناء جيش وطني فعّال وقادر على مواجهة التحديات الأمنية”.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة صارت مستعدة لتجاوز عقدة الصومال يوم خرجت هاربة بعد مقتل جنودها في ما بات يعرف بمعركة مقديشو 1993، وأن المخاطر المتزايدة في البحر الأحمر دفعتها إلى تغيير موقفها من الصومال حتى وإن كانت العودة تحت عنوان المساعدة في الحرب على حركة الشباب المصنفة إرهابية في الصومال والولايات المتحدة.والتمركز في الصومال يمنح واشنطن فرصة التأثير في القرن الأفريقي الذي يمثل للقوى الدولية أهمية بالغة عسكريّا وتجاريا، وخاصة الصين، المنافس الرئيسي للولايات المتحدة.
وقالت أستاذة العلوم السياسية بمركز الدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة هبة البشبيشي إن “الصومال تحول إلى قبلة للاهتمام الدولي بشأن بسط النفوذ والسيطرة بفعل موقعه الجغرافي على المحيط الهندي وخليج عدن القريب من البحر الأحمر، وأمن هذا البلد حيوي للحفاظ على الأمن في منطقة تمثل أهمية إستراتيجية”.
وتوقعت في تصريح لـ”العرب” أن يصبح الصومال قاعدة عسكرية لقوى خارجية مثلما هو الوضع بالنسبة إلى جيبوتي، معتبرة أن دخول الولايات المتحدة الآن يبرهن على أنها انتبهت بشكل سريع لأهمية هذا البلد في ظل التطورات المتلاحقة في جنوب البحر الأحمر، ما يفسر سعيها لتعزيز تواجدها في المنطقة. وأضافت أن المساعدات العسكرية للصومال مقدمة لخلق وجود متكافئ مع الوجودين الروسي والصيني هناك.
من جهته اعتبر نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية السفير صلاح حليمة أن المساعدات العسكرية الأميركية تشكل دعمًا حيويا للصومال في وقت تتزايد فيه الأخطار المحدقة بالمنطقة ويتراجع حجم الحضور الأممي على أراضي البلد، وهناك اقتناع بأن الدعم في مجال القواعد العسكرية أكثر أهمية وفاعلية على الأرض، ما يضاعف فرص نجاح مواجهة الأنشطة الإرهابية.
وأوضح حليمة في تصريح لـ”العرب” أن الخطوة الأميركية الجديدة تأتي ضمن جهود دولية تسعى لتأمين المنطقة المطلة على البحر الأحمر، ومن المتوقع أن تتولى واشنطن مهمة استكمال تدريب العناصر الأمنية والعسكرية، وتأمين المنطقة من خلال طائرات مسيرة ستكون حاضرة بقوة.
وتمثل العودة الأميركية القوية إلى الصومال عنصرا من العناصر التي اعتمدت عليها مقديشو لتحسين قدراتها في الحرب على حركة الشباب، وفي الوقت نفسه الاستعداد لمواجهة التوترات في الإقليم مع إثيوبيا أو إريتريا، وآخرها التوترات التي ترتبت على مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال، والتي قد تدفع نحو التصعيد الأمني.
ولعبت تركيا دورا واضحا في دعم الصومال على عدة مستويات، وخاصة في الجانب الدفاعي. وصادقت الحكومة الصومالية الأربعاء على اتفاقية في مجال التعاون الدفاعي مع أنقرة وصفها وزير الإعلام الصومالي داود أويس بأنها خطوة مهمة جدا.
ولا يستبعد مراقبون أن تفتح الاتفاقية الدفاعية الطريق أمام تركيا لزيادة وجودها العسكري في الصومال ضمن مقاربة أشمل للتأثير في القرن الأفريقي، والتنافس مع قوى عالمية سبق أن أرست قواعد لها في المنطقة، وخاصة في جيبوتي.
كما أن المخاوف الصومالية من المعركة ضد حركة الشباب ومن توترات الإقليم توفر لتركيا فرصة نقل مسيّراتها إلى هناك بعد أن أثبتت جدواها في سوريا وليبيا وأوكرانيا وناغورني قره باغ. ودخلت المسيّرات التركية شمال أفريقيا في الحرب الليبية ثم غرب أفريقيا من بوابة الحرب في مالي.
ويخطط الأتراك للتحكم في مرافئ باب المندب، بما في ذلك موانئ جيبوتي وبربرة في جمهورية أرض الصومال وميناء مقديشو، ما يسهّل عليهم التحكم في الواردات والصادرات من القرن الأفريقي، وذلك في سياق التنافس القوي على المنطقة والذي شهد انضمام دول الخليج إليه بقوة.
وعملت تركيا، في سياق ترسيخ نفوذها في القرن الأفريقي وضمان منفذ إلى البحر الأحمر، على زيادة الاهتمام بالملف العسكري في الصومال، وافتتحت معسكر تركسوم، الذي تحول إلى أكبر قاعدة عسكرية تركية موجودة خارج حدودها في سنة 2017، وهو يغطي مساحة 400 هكتار من الأراضي الصومالية.
وضخت أنقرة مساعدات تزيد قيمتها عن مليار دولار منذ أن زار الرئيس رجب طيب أردوغان الصومال في 2011.
وقد وقعت الحكومتان التركية والصومالية تسع اتفاقيات ومذكرات تفاهم أثناء زيارة ثانية قام بها الرئيس التركي إلى الصومال عام 2015 وضمت كذلك إثيوبيا وجيبوتي. وقد شملت الاتفاقيات المجالات الاقتصادية والأمنية والعسكرية والصحية إضافة إلى اتفاقية التعاون في مجاليْ المياه المعدنية والزراعة، وكلها مجالات وإن كان الصومال بحاجة إليها إلا أن نفعها الأكبر يعود على تركيا.
وأعلنت تركيا أنها قررت سداد ديون الصومال المتأخرة لصندوق النقد الدولي من خلال حقوق السحب الخاصة في حساباتها الاحتياطية، والمقدرة بـ2 مليون و400 ألف سهم، وذلك بهدف دعم الإصلاحات الاقتصادية في الدولة الواقعة في القرن الأفريقي.
ويقول الأتراك إن هذه الخطوات ستعزز القوة الناعمة لتركيا في القرن الأفريقي، وهي تأتي في سياق التنافس مع دور خليجي متزايد في السنوات الأخيرة.وتنظر دول الخليج إلى القرن الأفريقي على أنه منطقة نفوذها، وهو ما يفسر تزايد الدور الخليجي الذي اتخذ بعدا أكثر وضوحا، خاصة بالنسبة إلى الإمارات التي أنشأت علاقات مع دول مثل إثيوبيا وإريتريا من خلال ضخ استثمارات ضخمة في البلدين لتأمين نفوذ دائم.
ودرّبت الإمارات المئات من الجنود الصوماليين منذ عام 2014 في إطار جهد تدعمه البعثة العسكرية للاتحاد الأفريقي لهزيمة حركة الشباب، ومازالت تحافظ على وجودها في الصومال، وهو ما كشف عنه مقتل أربعة جنود إماراتيين خلال هجوم إرهابي قبل أيام في الصومال.
وتقوم إستراتيجية أبوظبي على بناء علاقات متوازنة مع مختلف دول المنطقة، وهي تقف على الحياد في الأزمة الأخيرة بين مقديشو وأديس أبابا، على عكس المزاعم التي تتحدث عن انخراطها في مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال.
وقال كبير محللي شرق أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية عمر محمود إنه غير مقتنع بأن الإمارات منخرطة في الاتفاقية الموقعة بين أرض الصومال وإثيوبيا لأن ذلك سيتسبب في منافسة وتعقيدات أخرى لميناء بربرة في أرض الصومال الذي تشغّله مجموعة “دي بي ورلد” أي “موانئ دبي العالمية”.
لكنّه أشار إلى أن التوترات التي أثارتها الاتفاقية خلقت فرصًا للجهات الفاعلة الأجنبية، بما في ذلك السعودية ومصر وقطر وتركيا، لتوطيد العلاقات مع مقديشو.
واستقبل الصوماليون وفدًا سعوديّا زار مقديشو في أواخر يناير الماضي لإطلاق مشاريع مساعدات جديدة لفائدة الصومال.
وإذ أشاد مسؤولون صوماليون بالمشاريع التي توفّر لوازم مدرسية للتلاميذ ونقاط شرب مياه للماشية، فقد أعربوا عن أملهم في رؤية السعودية منخرطة أكثر في بلدهم على عدة مستويات، بما في ذلك المستوى الأمني.
وخلال العام الماضي أبدت المملكة في عدة قمم كبرى، ومن خلال مشاريع إنسانية، نيّتها تقديم المزيد لمنطقة القرن الأفريقي المطلّة على البحر الأحمر.
ورأى محللون أن خطوات من هذا النوع تعكس مصلحة اقتصادية للمملكة في استقرار منطقة البحر الأحمر حيث يُفترض أن تصبح منتجعات بحرية محرّكًا لقطاعها السياحي الناشئ، فضلًا عن رغبتها في التصدي لمنافستها الإمارات التي تتمتّع أيضًا بنفوذ كبير في المنطقة.