البصرة (العراق) ـ يطالب أهالي قرية “جرف الملح” في البصرة جنوبي العراق بتطهير أراضي قريتهم من الألغام العائدة لفترة الحرب مع إيران.
ولكثرة حالات فقدان أبنائها لأطرافهم بسبب الدوس على الألغام باتت “جرف الملح” تعرف باسم “قرية البتران”. ولا يزال العديد من أهالي القرية يذهبون ضحايا للألغام المتبقية على أراضيها منذ حرب الخليج الأولى.
ووفقا لمعطيات غير رسمية، فقد أكثر من ألف شخص في القرية أذرعهم أو أرجلهم بسبب الألغام. ورغم إجراء أعمال إزالة ألغام في القرية من وقت إلى آخر بعد عام 2003، إلا أن 45 شخصا أصيبوا وفقدوا أطرافهم بسبب الدوس على الألغام منذ ذلك الوقت.
أحمد جاسم، الذي فقد ساقه اليسرى جراء الدوس على لغم، قال في حديث مع الأناضول إنه يواجه صعوبة في العمل بسبب الإعاقة. وأوضح أنه يعمل راعيا حاليا، وأن فقدانه لساقه أبعده عن العديد من الأنشطة مثل لعب كرة القدم.
بدوره، قال جبار مهدي إنه فقد ساقه اليسرى عندما داس على لغم في يونيو 2003. وأوضح أنه بسبب صعوبة ظروف المعيشة في تلك الفترة كان يعمل في جمع المخلفات المعدنية، عندما أصيب بانفجار لغم. ولفت مهدي إلى أنه حتى الآن لم تتم أعمال إزالة الألغام كما ينبغي في القرية.
أحد ضحايا الألغام، مالك حميد، ذكر أنه فقد ساقه اليسرى بعد أن داس على لغم قبل 4 سنوات، عندما كان يقوم بجمع المخلفات المعدنية.
وذكر حميد، الذي تم تركيب طرف اصطناعي له، أنه لا يأخذ راتبا من الدولة واضطر إلى العودة لممارسة هذه المهنة بعد الإصابة لأنه لا أحد يمنحهم فرصة عمل، على حد تعبيره.
من جانبها، قالت الطفلة زينب جابر (14 عاما) إنها أصيبت في عينيها في حادثة انفجار لغم، تسبب بمقتل أمها. ولفتت الطفلة إلى أنها فقدت بصرها واضطرت إلى ترك الدراسة بعد الحادثة.
وخاض البلدان الجاران العراق وإيران حربا عنيفة امتدت لثماني سنوات (1980 – 1988) خلفت نحو مليون قتيل من الجانبين (حسب إحصاءات غير رسمية).
ويشير الخبراء إلى أن أكثر الإصابات التي حدثت كانت بين جامعي الفافون (الألمنيوم المستخدم في صناعة الأدوات المنزلية والعلب المعدنية لحفظ الأغذية وغيرها) ونحاس الذخائر الحربية، وكان ذلك في تسعينات القرن الماضي. وتلك الإصابات لحقت بالكثير ممن عملوا في هذه “التجارة المميتة”، إذ كان ينفجر لغم أو قنبلة مدفع في أي لحظة بوجه باحث عن رزقه بين حقول الألغام.
وهي حوادث جديدة يضاف بسببها جرحى وقتلى لم يسجلوا في الإحصاء الذي أجرته “دائرة شؤون الألغام”، خصوصا بين “العربان” الذين اتخذوا من البحث عن معادن مخلفات الحرب من الألغام والمقذوفات مهنة لا يريدون تركها.
وكان ذلك لمّا ضاقت سبل العيش على قرويين عراقيين، فاضطر الكثير منهم إلى التنقيب في ساحات معارك سابقة بحثا عن معادن وأسلاك ضمن مخلفات حروب سابقة لبيعها وكسب قوتهم. وقد أقدموا على ذلك وهم يعلمون ما فيه من مخاطر هائلة تتمثل في التعرض لألغام وذخائر لم تنفجر.
وفقد المئات من سكان القرية أطرافهم جراء انفجار ألغام وعبوات من مخلفات الحرب العراقية – الإيرانية التي دارت رحاها لثماني سنوات بين 1980 و1988.
وروى ذات القصة كثيرون من أهل “قرية البتران” الواقعة شرقي مدينة البصرة على مجرى شط العرب المائي الذي يمثل حدود العراق مع إيران. وكان أوائل الضحايا في الأساس من رعاة الغنم الذين يأخذون قطعانهم لترعى في مناطق غير محددة باعتبارها حقول ألغام رغم انتشار القنابل والقذائف غير المنفجرة فيها.
وقال شنو عبدالله، وهو مؤذن جامع القرية وضحية للألغام أيضا، “عام 1980 أول ما بدأت الحرب، بدأ هجوم بطائرات إيرانية ضربت المنطقة، فهجرها أهلها وبقي أناس قليلون”. وفي عام 1991 بدأت القرية، كغيرها من قرى ومدن العراق، تعاني الفقر نتيجة للعقوبات الدولية التي فُرضت على البلاد بعد غزو الكويت.
وأصبح جمع المعادن الخردة والأسلاك الكهربائية من المعدات العسكرية المهجورة بساحات القتال وسيلة لكسب الزرق للكثير من أبناء القرية، والنتيجة زيادة في عدد الناس مبتوري الأطراف.
وقال شخص يدعى فالح إنه خرج بحثا عن الرزق بجمع الحديد والنحاس، مشيرا إلى ارتفاع أسعار الغذاء بشكل كبير. وفقد الرجل ساقه وخمسة من أصابع يديه في انفجار.
ومع تنامي عدد ذوي الأطراف المبتورة في جنوب العراق، افتُتح مركز للأطراف الاصطناعية في البصرة عام 1995 بمساعدة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ليوفر أطرافا اصطناعية لنحو ثمانية آلاف شخص.
ويقدم مدير “المركز الإقليمي لشؤن الألغام في المنطقة الجنوبية” نبراس فاخر مطرود التميمي تفاصيل عن عمل واسع ضد مخاطر الموت التي تمثلها بقايا الحروب من مقذوفات غير منفلقة وألغام.
وبحسب التميمي، فقد قام المركز الإقليمي الجنوبي لعام 2017 بالعمليات التالية:
تطهير مساحة 32.697.95 مترا مكعبا من محافظات البصرة وميسان وذي قار والمثنى.
العثور على 2160 لغما مضادا للأشخاص و37 لغما مضادا للدبابات و13822 قنبلة عنقودية وأكثر من 69 ألف قطعة مختلفة الأنواع من الذخائر الحربية.
وفي عام 2013 قال المهندس عيسى الفياض مدير عام دائرة شؤون الألغام في وزارة البيئة لصحيفة “الصباح” البغدادية “على صعيد المساحات الملغومة في البصرة، استطعنا وضع خطة مدتها خمس سنوات (2014 ـ 2018) لتخليص محافظة البصرة من آثار ومخاطر الألغام”.
لكن نبراس فاخر مطرود التميمي نفى ما حدده المهندس الفياض قائلا “تحتاج الدولة العراقية إلى أكثر من 50 عاما لرفع ما تبقى من ألغام الحروب وذخائرها المنتشرة بمناطق جنوب البصرة وشرقها” أي عام 2068.
وفي مساحة الأرض التي شهدت معارك ضارية في الحرب مع إيران 1980 – 1988 وحرب الكويت 1991 الملايين من الألغام والمقذوفات التي أوقعت خمسة آلاف ضحية في المناطق الجنوبية مسجلين رسميا حتى 2014، ولا يستبعد التميمي أن يكونوا عشرة آلاف.
العرب