تونس – تواصل السلطات التونسية جهودها الرامية إلى التصدي لممارسات الاحتكار والمضاربة في الأسواق والمحال التجارية، وسط تأكيد رئاسي على ضرورة تطبيق القانون ضد المخالفين، خصوصا مع اقتراب شهر رمضان الذي تتزايد فيه معدّلات الاستهلاك.
ويؤرق تواصل فقدان بعض المواد الاستهلاكية في الأسواق، على غرار الزيت والسكر والحليب، مقابل غلاء أسعار أخرى، المواطنين في تونس، الذين يصطفون يوميّا في طوابير طويلة من أجل الظفر بالقليل من تلك المواد.
وحتى إن توفرت تلك المواد الاستهلاكية، فإن أغلب المساحات الكبرى والمتاجر تحدد لزبائنها كمية الشراء لبعض المنتجات.
وعلى الرغم من أن وزارة التجارة ومن ورائها السلطة، تتدخل بضخّ كميات من تلك المواد في السوق كلما لاحظت وجود تشكيات من المواطنين أو نقصا في توفرها، إلا أن تلك المواد لا تصل المواطن بالطرق الكافية، وهو ما يطرح تساؤلات حول مصيرها.
لكن مراقبين يرون أن ممارسات الاحتكار والمضاربة باتت تعكس لعبة سياسية تحاك ضدّ السلطة، وتقودها لوبيات مع متحكمين في مسالك التوزيع، بهدف زعزعة الاستقرار الاجتماعي في البلاد وتغذية الأزمات.
ومثّل التصدي للاحتكار مع اقتراب حلول شهر الصيام، أهم محاور لقاء الرئيس قيس سعيّد، مساء الأربعاء، مع كل من وزير الداخلية كمال الفقي والمدير العام للأمن الوطني مراد سعيدان والمدير العام آمر الحرس الوطني حسين الغربي.
وشدّد قيس سعيّد، وفق بلاغ أصدرته رئاسة الجمهورية التونسية، على وجوب تضافر مجهودات كل أجهزة الدولة لتطبيق القانون وتفكيك الشبكات التي تسعى إلى الربح غير المشروع وتأجيج الأوضاع الاجتماعيّة.
كما تعرّض الرئيس التونسي إلى قيام من وصفهم بـ”لوبيات الفساد” بتوزيع الأموال مؤخرا في عدد من مدن البلاد على بعض الأشخاص للمشاركة في احتجاجات مدفوعة الأجر “غايتها حقيرة ومفضوحة ويعلمها الشعب التونسي”، وفق نص البلاغ.
ويعدّ تطبيق القانون على المخالفين والمتجاوزين على غرار المحتكرين للمواد الغذائية والمتحكمين في مسالك التوزيع، من أبرز الشعارات التي يتبنّاها الرئيس التونسي في إطار حملته على الفساد خصوصا بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021.
وأفاد أنيس الخرباش، عضو المجلس المركزي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، “قطعنا أشواطا مهمة في محاربة اللوبيات، لكن للأمانة ما زالت هناك صعوبات في مراقبة مسالك التوزيع الملتوية التي تكثف من نشاطها في المناسبات الدينية والاجتماعية”.
وأوضح في تصريح لـ”العرب”، “لاحظنا العام الماضي كيف أنّ وزارة التجارة ثبّتت سعر الكيلوغرام الواحد من الموز بمبلغ 5 دنانير(1.6 دولار)، لكنه لم يتوفر للعموم بالكميات الكافية، ويباع في نقاط مختلفة بسعر 12 دينارا (3.84 دولارا)، وبالتالي إذا ما سجلنا نقصا في بعض المواد فإن ممارسات الاحتكار ترتفع، وإشكاليات مراقبة مسالك التوزيع تتفاقم، ووجب تضافر كل جهود الوزارات على غرار الداخلية والدفاع والتجارة والفلاحة”.
وأكد أنيس الخرباش أن “على مستوى القطاع الزراعي، فإن الخضراوات متوفرة واللحوم البيضاء أيضا، لكنّ هناك نقصا في اللحوم الحمراء بنسبة 30 في المئة مقارنة بالسنة الماضية، مقابل غلاء أسعارها، حيث يصل ثمن الكيلوغرام الواحد إلى 50 دينارا (15.99 دولارا)، وكذلك الحليب الذي من المنتظر أن يتحسن إنتاجه مع بداية شهر رمضان”.
وأشار عضو المجلس المركزي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري إلى أن “هناك لعبة سياسية تحاك ضدّ الرئيس سعيد والحكومة التونسية من قبل لوبيات الاحتكار والمتحكمين في مسالك التوزيع، بهدف زعزعة الاستقرار في البلاد”، لافتا إلى أنه “توجد إرادة سياسية للتصدي للظاهرة، لكن وجب مضاغفة الجهود المبذولة في ذلك”.
وأثار غلاء أسعار اللحوم الحمراء جدلا واسعا في تونس، وسط مطالب ملحة للسلطات بالتدخل والبحث عن حلول لتعديل الأسعار.
وشهد استهلاك التونسيين للحوم الحمراء، بحسب أرقام حكومية، اضطرابات خلال السنوات الماضية، حيث ناهز 8 كلغ سنويا للفرد الواحد وهو أقل من المعدل العالمي، بينما استهلك التونسيون خلال العام الماضي 130 ألف طن.
وقال لطفي الرياحي، رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، “في كل موسم استهلاكي كبير مثل شهر رمضان، يستغل المضاربون ذلك الظرف، وهذه حرب نخوضها منذ سنوات، وأجهزة الرقابة تبذل جهودا متواصلة في مهامها، مع برامج أخرى لتعديل مسالك التوزيع”.
وأكد لـ”العرب” أن “هناك اضطرابا في السوق، وهناك بعض المنتوجات مثل السكر موجودة في إقليم تونس الكبرى (العاصمة تونس وولايات أريانة وبن عروس ومنوبة)، لكنها مفقودة أحيانا في بعض الجهات الأخرى، لكن لا يوجد منتوج منعدم تماما، بل هناك تذبذب في توفر المواد”.
وأضاف الرياحي “المضاربون يحاولون السيطرة على المواد والتحكم فيها، وخصوصا تلك المدعمة، لكن القوانين واضحة ومنها العقوبات السجنية ومضاعفة قيمة الخطايا ضدّ المتجاوزين”.
ومع رحلة البحث اليومية عن المواد الغذائية من مشتقات الحبوب والسكر، لا تكفي رسائل الطمأنة من الجهات الرسمية بأن كل السلع متوفرة، خصوصا في وقت يشتكي فيه المهنيون من ندرة التزود وفقدان القدرة على توفير السلع الأساسية.
وما يفاقم تلك المشاكل، أن التونسيين قد يجدون المواد على ندرتها في الأسواق، لكن أسعارها باهظة، وفي أحيان أخرى يضطر كثيرون إلى شراء تلك المواد بأسعار خيالية لكنهم لا يجدونها، وبالتالي قد تتوفر للمواطن أموال، لكنه لا يعثر على المواد الاستهلاكية.
العرب