تنطلق هذا اليوم انتخابات مجلس الشورى الإيراني ومجلس الخبراء لأختبار (290) عضواً ممثلاً عن أبناء الشعوب الإيرانية مع (88) قاضياً لمجلس الخبراء وهو الهيئة المكلفة رسمياً بأختيار خليفة للمرشد الأعلى في إيران، وتعتبر هذه الانتخابات التشريعية هي الثانية عشر منذ سنة 1979 والدورة السادسة لمجلس الخبراء، وتَقدم للمشاركة في الانتخابات (48847) موطناً ايرانياً وتدخل مجلس صيانة الدستور وفق صلاحياته والذي يحدد صفات المرشحين ومعرفة المعلومات الدقيقة عنهم بما يتلائم ومدى ولائهم وتأييدهم للنظام السياسي الإيراني الحاكم، وأدت عملية الاختيار إلى ابقاء (15200) مرشح فقط، في حين سجلت هذه الدورة زيادة في نسبة النساء المشاركات حيث بلغت (1713) إمرأة، وهناك (12) مرشح عن الأقليات الدينية من المسيحين والأرمن، وتتم الانتخابات التشريعية في (1218) دائرة انتخابية في عموم إيران.
وإذا ما أخذنا بالاعتبار أهمية انتخابات مجلس الشورى وما ينتظره النظام السياسي ومؤسساتها الدينية والأمنية والعسكرية من نسبة المشاركة من قبل المواطنين والذهاب إلى مراكز الاقتراع لإعطاء شرعية لبقاء النظام وتأييدهم النهج والسلوك السياسي الذي يتبعه في إدارته للدولة ومعالجة الأزمات الداخلية ومدى علاقته الخارجية وحسن إدارتها مع المحيط الإقليمي والدولي.
تبقى انتخابات مجلس الخبراء لها أهمية خاصة نظراً لدورها الحقيقي والفعال في اختيار المرشد الأعلى، والمجلس يتكون من (88) عضواً من الفقهاء الإسلاميين، ورشح اليه (510) شخص وتم الموافقة على (144) منهم واستبعدت جميع الشخصيات السياسية والدينية من الإصلاحين والمعتدلين أبرزهم(حسن روحاني) الذي شغل منصب رئيس جمهورية إيران لثمان سنوات أمتدت من (2013-2021)، في حين تمت الموافقة على مشاركة (16) شخص من المستقلين لخوض الانتخابات الخاصة بمجلس الخبراء.
تعتبر هذه الدورة الانتخابية هي مرحلة مهمة في عملية اختبار قدرة النظام الإيراني وإمكانياته في حشد وتهيئة المواطنين للمشاركة الفعالة في الانتخابات في وسط كَم هائل من الأزمات الإقتصادية والإجتماعية والصراعات والمناكفات السياسية في أروقة النظام الحاكم مع وجود العديد من الضغوط الخارجية التي تتسم باستمرار العقوبات الدولية وضعف العلاقات الخارجية مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية ومحاولة تحسين العلاقة مع المنظومة العربية الخليجية بعد الاتفاق الإيراني السعودي وهذه المعايير القائمة في المشهد السياسي الإيراني هي من يتحدد طبيعة التحديات والأفاق المستقبلية التي ستواجه إيران ونظامها في الأعوام المقبلة، كما وأن ديمومة الانتخابات ستعكس حقيقة واضحة في عملية اختيار ميداني لمدى مرونة إيران وقدرتها على التكيف مع الأحداث التي مر بها المجتمع الإيراني خاصة بعد مقتل الشابة الكردية (مهسا أميني) في منتصف أيلول 2022 واتساع رقعة التظاهرات الشعبية التي نادت باسقاط النظام الإيراني والدعوة للإصلاح والتغيير في سلوك وسياسة النظام الداخلية والخارجية وإيجاد مفاعيل حقيقة لمعالجة الأزمات الإقتصادية والارتقاء بالمستوى المعاشي للمواطنين ورسم ملامح الخطوات القادمة في معالجة حالة التضخم الذي وصل إلى نسبة 39-56٪ سنة 2023 مع انخفاض العملة المحلية وانتشار البطالة في الوسط الشبابي والتي وصفها المرشد خامنئي ( بأنها وصمة عار) بعد أن وصلت إلى نسبة 22٪ واتساع نسبة المواطنين الذين يعيشون تحت الفقر ووصلت إلى 60٪، رافقها ضعف الخدمات الصحية والتربوية والإنسانية وزيادة ظاهرة الفساد الإداري والمالي في البلاد.
تجري الانتخابات التشريعية ومجلس الخبراء في ظل تراكم شديد من الأزمات السياسية والمجتمعية الأمر الذي أدى إلى دعوة المرشد خامنئي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الداخلية لخطباء يوم الجمعة لحث المواطنين على الذهاب إلى مراكز الاقتراع والأداء بأصواتهم و اعتبارها واجب ديني شرعي وانها تشكل أهمية كبيرة في حياتهم وحجز الزاوية في هيكلية الحُكم في إيران وخطوة حاسمة في الإصلاحات القادمة، والنظام يدرك أن إجراءاته التي أتخذها بابعاد القسم الاعظم من الشخصيات السياسية والشعبية التي تتصف بالاعتدال والإصلاح ومنعها من المشاركة في هذه الانتخابات، أنها ستؤدي إلى امتناع العديد من الطبقات الإجتماعية والشخصيات المؤثرة في جميع نواحي الحياة من الذهاب إلى صناديق الاقتراع وهذا سيؤدي إلى فقدان الثقة بالنظام وتعميق الرأي الشعبي بعدم جدوى المشاركة الانتخابية، وهذا ما أكدته التقارير والاستبيانات المعرفية والعلمية التي أشارت إلى أن نسبة الإقبال ستكون 22٪ في العاصمة طهران، في حين أن المشاركة في المناطق الريفية وبسبب الولاءات القبلية والقومية ستشهد اقبالاً واسعاً.
يرى المراقبون السياسيون ان نسبة المشاركة الشعبية في عموم إيران سوف لا تتعدى 30٪ وهو الرقم الذي يشكل انخفاضاً واضحاً عن السنوات السابقة للدورة الماضية والتي بلغت نسبتها 45٪ في سنة 2020.
تأتي هذه الانتخابات بعد الأحداث التي جرت في شهر أيلول 2020 والتي أكدت عدم تمكن الأجهزة الأمنية والاستخبارية من التعامل معها بشكل جدي وفعال مع الاحتقان الشعبي الذي رافق التظاهرات والاستماع إلى طلبات الحراك الشعبي وأهدافهم في الحياة الحرة الكريمة وإنما استخدمت أساليب القتل والاغتيال والعنف والقسوة ومطاردة المتظاهرين وتصنيف مطالبتهم انها تدور ضمن إطار معاداة الدولة وأنها تمثل صورة الارتباط الخارجي بجهات خارجية معادية، وهذا كان دافع رئيسي أدى إلى تراجع النظام وعدم قدرته على مسايرة الأحداث والتي يعلم انها ستؤثر على طبيعة الانتخابات الجارية، كما وأن الإجراءات التي استخدمها مجلس صيانة الدستور قد أدت إلى أبعاد عدد كبير من المرشحين ذو الميول المعتدلة والإصلاحية، وهذا يعني فسح المجال لمرشحي النظام والقريبين من دائرة المرشد الأعلى للفوز وتحقيق أهداف النظام في الإستمرار بمشروعه السياسي الإقليمي في التمدد والنفوذ والتدخل في الشؤون الداخلية البلدان المجاورة او مناطق التأثير القائمة في عدد من عواصم الاقطار العربية، والتي يرى فيها المواطن الإيراني انها تأتي على حساب مستقبله عبر صرف المبالغ الكبيرة التي تخصص لوكلاء ومليشيات النظام المرتبطة بفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني بما لا يحقق الرفاهية والسعادة له ويبتعد عن معالجة أزماته الإجتماعية والإقتصادية.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية