واشنطن – تسرّع الولايات المتحدة تحولها الأخضر، هادفة إلى أن تصبح لاعبة رئيسية في سوق أشباه الموصلات الدولية، وأكثر قدرة على المنافسة مع آسيا التي تبقى أكبر منتج ومستهلك في هذا القطاع. وقدم قانون “الرقائق والعلوم” في 2022 مستوى كبيرا من التمويل العام للبحث والتصنيع في أشباه الموصلات في الولايات المتحدة.
ويقول الباحث فيليسيتي برادستوك في تقرير نشره موقع أويل برايس إن القانون يدعم أهداف ترسيخ مكانة البلاد لتصبح مركزا رئيسيا للتصنيع وتعزيز سلاسل التوريد التي تدعم التحول الأخضر. ويقترح بعض ممثلي الحكومة الحاجة إلى قانون ثان لتحفيز الاستثمار وترسيخ مكانة البلاد في سوق أشباه الموصلات العالمية.
ويوفر قانون “الرقائق والعلوم” الذي أصبح نافذا خلال 2022 حوالي 280 مليار دولار من التمويل للبحث والتطوير في تكنولوجيا أشباه الموصلات وعمليات التصنيع. ويشمل التمويل 39 مليار دولار من التمويلات لتصنيع الرقائق في الولايات المتحدة، المدعومة أكثر بالإعفاءات الضريبية للمعدات التشغيلية. كما يساهم بضخ الأموال في قطاع العلوم والتكنولوجيا.
ويهدف القانون إلى تنشيط التصنيع المحلي، وخلق وظائف جيدة الأجر، وتعزيز سلاسل التوريد المحلية، وتسريع صناعات المستقبل. وتعد الصين اليوم أكبر سوق لأشباه الموصلات، حيث تشتري أكثر من 50 في المئة من الإمدادات العالمية سنويا. ولا تزال تعتمد على واردات أشباه الموصلات، حيث تتلقى العديد من رقائقها من العملاق الهولندي “إيه إس إم إل” وشركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (تي إس إم سي).
وتنتج “تي إس إم سي”حوالي 80 إلى 90 في المئة من أشباه الموصلات المتقدمة في العالم. وتأمل بكين من جهتها في تطوير قدراتها التصنيعية. واشترت الشركات الصينية لذلك في 2023 معدات صناعة الرقائق الأميركية لصنع أشباه الموصلات المتقدمة، رغم السياسات القائمة في الولايات المتحدة المصممة لتقييد استيراد بكين للتكنولوجيا المتعلقة بأشباه الموصلات، بهدف إبطاء تقدمها في إنتاج الرقائق.
وتعمل الولايات المتحدة على مواجهة هيمنة الصين في سوق أشباه الموصلات العالمية من خلال تسريع تطوير قدراتها الإنتاجية والسعي لتحقيق التقدم التكنولوجي. وبينما قطع قانون الرقائق شوطا طويلا في تأسيس دور الولايات المتحدة في سوق أشباه الموصلات العالمي، إلا أن بعض خبراء الصناعة يرون الحاجة إلى فعل المزيد.
وأكدت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو مؤخرا على الحاجة إلى ضخّ مزيد من الإعانات الفيدرالية في الصناعة لتعزيز مكانة الولايات المتحدة في سوق الرقائق الدقيقة الدولية. وترى إمكانية النجاح في ذلك بإطلاق قانون جديد للرقائق لتحفيز المزيد من التمويل. وقالت ريموندو “يجب أن نضع ما يمكن تسميته قانون الرقائق والعلوم 2 أو أي شيء آخر لتمكين استمرار الاستثمار إذا أردنا قيادة العالم. لقد تخلفنا كثيرا وأبعدنا أعيننا عن الهدف”.
ويمكن أن يدعم تطوير القانون الثاني تصنيع رقائق جديدة وتمويل الشركات الناشئة في أشباه الموصلات وأن يساعد الولايات المتحدة على تطوير قدراتها التكنولوجية في مجال تصنيع الرقائق المتخصصة والمتقدمة.
لكن لا يزال يتعين تخصيص مليارات الدولارات من التمويل من قانون الرقائق الأول، حيث أعلن البيت الأبيض مؤخرا عن استثمار بقيمة 5 مليارات دولار في مبادرة أبحاث الرقائق الجديدة (إن إس تي سي). ومنحت الحكومة الأميركية في فبراير 1.5 مليار دولار لشركة غلوبل فاوندريز لصناعة الرقائق (ومقرها نيويورك)، وكانت أكبر مانح لها في مجال أشباه الموصلات بموجب قانون الرقائق.
لكن بعض خبراء الصناعة يرون أن التمويل الفيدرالي والاستثمارات الخاصة في هذا القطاع سيساعدان الولايات المتحدة على تحقيق استقلال تصنيع الرقائق في غضون العقدين المقبلين. كما شجعت السياسة الطموحة القوى العالمية الأخرى على تطوير خطط استثمارية مماثلة. وقدم الاتحاد الأوروبي في 2023 قانون الرقائق الأوروبية بقيمة 46.53 مليار دولار لتعزيز القدرة التنافسية في سوق أشباه الموصلات الدولية.
وذكرت أنها لا تتوقع أن تكون جميع عمليات تصنيع أشباه الموصلات موجودة في الولايات المتحدة، لكنها ترى قدرة دور البلاد في صناعة الرقائق على التوسع أكثر. وأضافت “حتى نكون واضحين، لا يمكننا، ولا نريد، أن نصنع كل شيء في الولايات المتحدة. لا نريد أن نصنع كل شريحة هنا. ليس هذا هدفا معقولا. لكننا نحتاج إلى تنويع سلاسل توريدنا لأشباه الموصلات وبعث المزيد من فرص التصنيع في الولايات المتحدة، وخاصة الرقائق الرائدة التي ستكون ضرورية الذكاء الاصطناعي”.
وليست الوحيدة التي تعتبر استثمار الحكومة في صناعة أشباه الموصلات منخفضا بحيث لا يضمن أي تغيير ملموس. وتبقى تكلفة تطوير مرافق تصنيع الرقائق في الولايات المتحدة أعلى من نظيراتها في أجزاء أخرى كثيرة من العالم، مثل تايوان.
وتنفق تي إس إم سي، التي تعدّ أكبر شركة مصنعة لأشباه الموصلات وأكثرها تقدما في العالم، ما يقرب من 40 مليون دولارا على المعدات والبحث والتطوير سنويا لتعزيز قدراتها. وتحتاج الولايات المتحدة إلى استثمار المزيد في القطاع في شكل منح وحوافز مالية لتشجيع مستويات أعلى من الاستثمار الخاص حتى تتمكن من اللحاق بهذه الشركة والمنتجين الرئيسيين الآخرين.
العرب