القاهرة تتوسع في تطويع العمل الأهلي تحت مظلة الحكومة

القاهرة تتوسع في تطويع العمل الأهلي تحت مظلة الحكومة

القاهرة – بدأت الحكومة المصرية تتوسع في تطويع العمل الأهلي ليصبح تحت مظلتها تماما، من خلال دفع المزيد من الجمعيات للانضمام إلى التحالف الوطني الذي يضم الكثير من المؤسسات الأهلية التي تركز على محاربة الفقر وتحسين مستوى المعيشة.

وبعد أن أصدرت الحكومة اللائحة التنفيذية لقانون التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي قرارا بتشكيل لجنة عليا مهمتها “دعوة مؤسسات المجتمع الأهلي والكيانات العاملة في المجال الخيري والتنموي، والشركات والكيانات، للانضمام إلى التحالف”.

ويهدف الكيان الأهلي إلى إقامة المشروعات الخدمية والتنموية، ودعم تنفيذ أعمال مشروعات المبادرات الاجتماعية، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني وأجهزة الدولة المعنية، مع المشاركة في تأسيس شركات وصناديق استثمار خيرية لتوظيف الأرباح في تعظيم الأنشطة التنموية.

ويتبع التحالف مؤسسة الرئاسة، وتعتمد عليه الحكومة في القيام بدور كبير في محاربة الفقر وتحسين الظروف المعيشية للبسطاء وتوصيل المساعدات مع إنشاء مشروعات تنموية خدمية، مثل شبكات مياه الشرب والصرف الصحي للمناطق الأكثر احتياجا.

ويبدو توسيع دائرة الانضمام إلى التحالف الأهلي من خلال لجنة رئاسية محاولة لتجييش المؤسسات الخيرية خلف الحكومة، ومساعدتها في ترويض غضب الناس وتحسين الخدمات المقدمة إليهم وفق خطة الدولة، وتكون الحكومة شريكة في تنفيذها.

وأثارت الخطوة مخاوف البسطاء من المصريين، لأن تعميق العمل التطوعي والخيري تحت مظلة الحكومة قد يكون مقدمة لانسحاب الدولة من توفير مظلة حماية لمحدودي الدخل، وترك هذه المهمة للتحالف الأهلي ليقوم بدور الحكومة في محاربة الفقر.

وهناك تغير كبير في علاقة السلطة بالمنظمات الأهلية، حيث أصبح التحالف الأهلي تحت مظلة الرئيس السيسي، ليكون تحت رقابة صارمة ولا يعمل في جزر منعزلة بعيدا عن الخطط التي يراها الرئيس مناسبة للحفاظ على علاقته ببسطاء مصر.

ويعمل التحالف الأهلي منذ عامين، لكن لم يحظ بمظلة قانونية إلا بعد أن صادق مجلس النواب في يوليو الماضي على تقنين أوضاعه المالية والإدارية، ولا يكون نسخة من مؤسسات خيرية تتلاعب بالتبرعات وتنفقها في غير محلها.

وتصطدم الحكومة في سعيها لتوسيع دائرة إدخال المؤسسات الأهلية تحت مظلتها، بأن منسوب الثقة في الجمعيات الخيرية وصل إلى مستوى متدن بعد وقائع فساد مالي وإداري وتلاعب في التبرعات وعدم توجيهها إلى مساعدة البسطاء والمحتاجين.

وتقتنع شريحة من المصريين بأن التبرع لكيان خيري تابع للحكومة أو يتعاون في مشروعات تنموية مع السلطة محاط بشكوك، وبعض رجال الأعمال يستخدمون مؤسساتهم الخيرية كواجهة اجتماعية لغسيل الأموال والترويج السياسي لهم، ليظهروا أمام السلطة بأنهم شركاء في محاربة الفقر.

وقد يكون من السهل على الحكومة تأميم الكثير من المؤسسات الخيرية بضمها في كيان أو تحالف تابع لها، لكنها ستواجه أزمة في التبرعات نفسها، لأن الكثيرين لن يتبرعوا لجمعيات تشارك الحكومة مساندة البسطاء، وهي من تسببت في زيادة معدلات الفقر وتدهور الأوضاع المعيشية.

ويدفع ذلك العديد من المواطنين المعروف عنهم المساهمات الخيرية، لإعادة النظر في تبرعاتهم إلى جمعيات التحالف طالما أصبحت تحت مظلة حكومية، ويتم توجيه التبرعات إلى كيانات أخرى أكثر استقلالية، مثل بيت الزكاة التابع لمؤسسة الأزهر.

ويضم التحالف الأهلي 24 جمعية وكيانا، منها الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية ويضم 30 اتحادا نوعيا و27 اتحادا إقليميا، تعمل في مجال التنمية الاجتماعية.

وتدافع أصوات قريبة من السلطة عن إنشاء كيان موحد يضم غالبية المؤسسات الخيرية، بأنه رغم وجود الآلاف من الجمعيات التي تجمع تبرعات بأرقام ضخمة سنويا، لا تزال معدلات الفقر مرتفعة، والبسطاء لم تتغير أحوالهم، فكان من الضروري ضبط العمل الأهلي بالمزيد من الرقابة على أوجه الإنفاق.

وقال البرلماني ورئيس لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب سابقا محمد أبوحامد إن وجود تحالف وطني تنموي ليس تأميما للعمل الأهلي، بل يهدف إلى أن تكون الأموال المنفقة لتحسين مستوى المعيشة وتكريس العمل الاجتماعي تحت رقابة صارمة.

وأضاف لـ“العرب” أن الحكومة لن تستطيع وحدها مواجهة التحديات دون مساعدة المجتمع المدني، أو تحالف وطني خدمي تنموي تخضع كل أمواله وتبرعات للرقابة، وتُنفق في مسارات صحيحة لها علاقة بالصعوبات الاجتماعية التي تواجه الدولة.

◙ الحكومة ترتاح لخفوت صوت المنظمات التي تتاجر بالقضايا السياسية والأمنية، مقابل زيادة حضور الجمعيات المعنية بالشق التنموي والإنساني

وذهب معارضون إلى أن توسع الحكومة في استمالة الكيانات الأهلية تحت مظلتها يضرب استقلال مؤسسات المجتمع المدني، ويعكس عدم وجود خطة فعالة لمحاربة الفقر في البلاد، مقابل زيادة التعويل على الجهود الموسمية للمنظمات الخيرية التي تعمل في كنف الدولة، بما يكرس استمرار نفس الظروف ومعدلات الفقر.

وأصبحت الحكومة مطالبة بصرامة الرقابة على أموال المؤسسات ومعرفة أوجه الإنفاق كحق للمتبرع والمستهدف من التبرع، وباتت متهمة من خصومها بمحاولة السطو على أموال التبرعات لأغراض تنموية، بعيدا عن مظلات حماية البسطاء.

وأكد محمد أبوحامد لـ”العرب” أن وجود تحالف أهلي يعزز المواجهة مع الفقر، ويصعب على الحكومة أن تنسحب من المهمة، فملف الحماية الاجتماعية مدعوم من رئيس الدولة، وكل ما في الأمر أن هناك خطة لتعزيز مشاركة المؤسسات الأهلية في الحماية الاجتماعية لتحقيق الرضاء الشعبي.

وجزء من تسريع الحكومة وتيرة السيطرة المالية والرقابية وجود مؤسسات تابعة لجماعات إسلامية تعمل بغطاء خيري ولديها توجهات فكرية وسياسية مشبوهة، وتتعمد التركيز على مناطق بعيدة عن مظلة الحماية الاجتماعية للدولة.

وكان من المهم وجود تدخل رسمي بزيادة المؤسسات المنضمة إلى التحالف الأهلي لسد الفراغ في المناطق التي تعمل بها جمعيات إسلامية، فمساعدات الدولة لن تصل إلى جميع المناطق بلا مساعدة من كيانات تتعاون تنمويا، ولها قدرة على الانتشار السريع.

وترتاح الحكومة لخفوت صوت المنظمات التي تتاجر بالقضايا السياسية والأمنية، مقابل زيادة حضور الجمعيات المعنية بالشق التنموي والإنساني، ما يرفع عن الحكومة جزءا من عبء ترضية الشارع في ذروة عجزها عن تقديم مساعدات مرضية.

والواضح أن مؤسسات المجتمع المدني في مصر استسلمت للوضعية التي تريدها الحكومة، للحفاظ على حضورها، وتركيز جهودها على الشق التنموي بعيدا عن القضايا الحقوقية التقليدية، وهي صيغة مقبولة للطرفين في ظل عدم ملاءمة الظروف للعب على وتر الأزمات الداخلية وتوظيفها سياسيا.

العرب