تواصل أرقام العنف المسلط على النساء في تونس بالارتفاع رغم وجود قوانين للحد من الظاهرة ما يعني أن الحاجة تتزايد إلى إجراءات أخرى لمواجهة هذا العنف ودفع النساء إلى التوجه للسلطات وكسر الصمت، وأهم الإجراءات هو تمكين المرأة اقتصاديا.
تونس – أكدت وزيرة المرأة التونسية آمال الحاج موسى أنه تم تسجيل قرابة ثلاثة آلاف إشعار حول العنف ضد المرأة أي بمعدل 250 إشعارا شهريا في سنة 2023، بينما تبرز حاجة متزايدة إلى تمكين المرأة اقتصاديا للحد من الظاهرة نظرا إلى أنه الجانب الذي يجبر النساء على الصمت وعدم الإبلاغ عن العنف المسلط ضدهن.
وأضافت وزيرة المرأة أن مراكز الإرشاد والتوجيه الأسري هي مراكز تقدم خدمات مختلفة فيها الإرشاد القانوني والتعهد الاجتماعي، بالإضافة إلى التعهد النفسي.
وأبرزت أن هناك أربعة مراكز للإرشاد والتوجيه الأسري في حي التضامن وغار الدماء وباجة وتطاوين، مبينة أن هذه المراكز انتفعت بخدمتها 4 آلاف أسرة تونسية خلال سنة 2023.
وأفادت بأن في سنة 2024 تعمل الوزارة على إضافة مركزين للإرشاد والتوجيه الأسري في إقليم تونس وفي المناطق التي فيها اكتظاظ سكاني، وتدعو الأرقام إلى دق ناقوس الخطر إزاء انتشار هذه الظاهرة، التي لم تعد مجرد حالات معزولة.
وتتداخل أسباب ودوافع هذه الظاهرة رغم وجود قوانين تحمي المرأة تعزّزت بعد الثورة، فيما يردّها كثيرون إلى غياب محاسبة المعتدين وضعف التوعية وعدم إبلاغ النساء عن الاعتداءات خوفا من نظرة المجتمع إليهن في أحيان كثيرة.
ويؤكد الحقوقيون أن القانون التونسي ينص على حماية المرأة من العنف لكنّ هناك فارقا بين القانون والواقع. والقانون جاء بآليات جديدة لحماية المرأة ولتوفير الملجأ لكن يبقى التطبيق غائبا.
وأقرّ البرلمان التونسي في العام 2017 قانونا طموحا لمكافحة العنف ضد المرأة، ودعمه سياسيون ومنظمات من المجتمع المدني، ووسع النص القانوني الذي لقي إشادات كثيرة آنذاك نطاق التجاوزات التي تعرّض مرتكبيها للعقاب على صعيد العنف ضد النساء.
وعلى الرغم من هذا التطور القانوني، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في تقرير العام الماضي، إن مساعي السلطات التونسية “غير كافية” لحماية المرأة من العنف الأسري.
وأفادت رئيسة منظمة المرأة والريادة بتونس سناء فتح الله غنيمة بأن “الهشاشة الاجتماعية تساهم بشكل كبير في ارتفاع نسب العنف”، مشيرة إلى أن “النساء ذوات الدخل الضعيف أو في وضعية اجتماعية صعبة أكثر عرضة للعنف”.
وتربط الناشطة الحقوقية التونسية بين الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد وتزايد حالات العنف ضد المرأة، مشيرة إلى أن “وضعا مماثلا تكرر أيضا خلال فترة انتشار جائحة كورونا”، مضيفة أن الأرقام المسجلة خلال الأشهر الأخيرة “مفزعة”، خاصة مع تصاعد العنف وعدد عمليات القتل التي لا يمر أسبوع واحد دون تسجيل جريمة قتل ضد النساء.
النساء ذوات الدخل الضعيف أو في وضعية اجتماعية صعبة واللاتي يعانين الهشاشة الاجتماعية أكثر عرضة للعنف في المجتمع التونسي
وشددت على أن “الإدماج الاقتصادي ومعالجة وضعية الفقر التي تمر بها النساء والرجال على حد سواء، من شأنهما أن يقلصا بشكل كبير من حجم العنف المسلط على المرأة بالمجتمع”.
وتدعو فتح الله غنيمة إلى ضرورة التفكير في “حلول شاملة ومتعددة الأبعاد تشمل كل الفئات المجتمعية”، مضيفة أن إنهاء “تصاعد حالات العنف لن يتم فقط عبر المقاربات القانونية والزجرية، بل أيضا عبر التوعية والتواصل وإنهاء باقي المشاكل الاقتصادية والاجتماعية”.
وسبق أن أطلقت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن بتونس برنامجا وطنيا جديدا للتمكين الاقتصادي للنساء ضحايا العنف، حمل اسم ”صامدة”. ويهدف البرنامج الذي عدته الوزارة التونسية الأول من نوعه على المستوى العربي، إلى دعم تشغيلية النساء ضحايا العنف الزوجي وتمكينهن من مصعد اجتماعي يساعد على إدماجهن في سوق الشغل وفي النشاط الاقتصادي، بحسب بيان الوزارة.
وأفاد البيان أن هذا البرنامج سيعمل على تقديم موارد رزق لفائدة النساء ضحايا العنف لتمكينهنّ اقتصاديّا من خلال توفير التأهيل المهني والتجهيزات اللازمة لبعث مشاريعهنّ، وتتراوح قيمة التمويل بين 1500 و6 آلاف دولار حسب قيمة المشروع.
وقالت آمال الحاج موسى إن إحداث مراكز الإيواء لا يكفي للتصدي للعنف المسلط على النساء، بل يجب الانخراط أكثر في التمكين الاقتصادي لضحايا العنف، موضّحة أن الوزارة تراهن على التمكين الاقتصادي للمرأة باعتبار أن النساء الأكثر هشاشة هنّ الأكثر عرضة للعنف.
وأضافت خلال افتتاح فعاليات الندوة السنوية الثانية حول “تقدم تنفيذ السياسات الوطنية في مجالي الحماية الاجتماعية ومكافحة الفقر والقضاء على العنف ضد المرأة”، أنها بادرت بإطلاق البرنامج الجديد “صامدة” الهادف إلى التمكين الاقتصادي لفائدة المرأة ضحية العنف باعتمادات وطنية أولية بمليون دينار، معربة عن الأمل في تطوير هذا البرنامج بالتعاون مع الشركاء والمؤسسات المانحة.
وبيّنت أن الوزارة وضعت أيضا وفي نفس الإطار خط تمويل خصوصي ضمن البرنامج الوطني “رائدات” يستهدف تمويل مشاريع لفائدة النساء والفتيات ذات الوضعيات الهشة، ومنهن النساء والفتيات الناجيات من العنف.
وأشار بيان الوزارة إلى أن المتّصلات بالخط الأخضر 1899 يتوزّعن حسب الفئة العمريّة إلى 34 في المئة من النساء ضحايا العنف ينتمين إلى الفئة العمرية بين 30 و39 سنة، و20 في المئة ينتمين إلى الفئة العمرية بين 40 و49 سنة. وشملت إشعارات العنف ضدّ المرأة 158 إشعارا بعنف لفظي و84 إشعارا عن عنف نفسي ومعنوي و156 مكالمة عن عنف جسدي ومادي و39 إشعارا عن عنف اقتصادي و19 مكالمات بخصوص عنف جنسي.
كما مثل العنف الزوجي أكبر نسبة تقدّر بـ70 في المئة من مجموع حالات العنف ضد المرأة في الفترة من الخامس والعشرين من يونيو إلى الخامس والعشرين من يوليو المنقضي، محافظا على النسبة ذاتها في الفترة السابقة الممتدة من الخامس والعشرين من مايو إلى الخامس والعشرين من يونيو 2023.
وتمكّن الخط الأخضر من توجيه 82 في المئة من النساء ضحايا العنف إلى مؤسسات أمنيّة و41 في المئة إلى المندوبيات الجهويّة للمتابعة و37 في المئة إلى مؤسسات قضائية و28 في المئة إلى مؤسسات صحيّة و25 في المئة من النساء ضحايا العنف تم توجيه أطفالهنّ إلى مكتب مندوب حماية الطفولة للتعهّد، حسب ذات البلاغ.
وتعمل السلطات التونسية على دعم مراكز الإصغاء الخاصة بالنساء المعنّفات، سواء أكانت حكومية أم تابعة لمنظمات وجمعيات تهتمّ بشؤون المرأة، لاسيما من تتعرّض إلى عنف ما. وثمّة ستّة مراكز تابعة لوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ، منها مركز الرعاية الاجتماعية “الأمان” في تونس العاصمة ومركز “تمكين” ومركز “هنّ” الذي فتح أبوابه أخيرا في معتمدية الرقاب بولاية سيدي بوزيد (وسط)، في حين يعمل الاتحاد الوطني للمرأة على استحداث مراكز جديدة تابعة له في مختلف المحافظات التونسية.
وتمّثل مراكز الإيواء مرحلة مهمة في حياة النساء ضحايا العنف، فمدة الإقامة في العديد من المراكز لا تتجاوز الثلاثة أشهر قابلة للتمديد يتم خلالها تقديم كافة الخدمات النفسية والاجتماعية والاقتصادية اللازمة للمرأة المعنّفة من أجل إحاطتها للخروج من الأزمة التي تمرّ بها بعد تعرضها للعنف الزوجي والأسري. ويتم العمل على وضع خطة لحسن تطبيق القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، وذلك بطريقة تشاركية مع جميع الوزارات والهياكل المتدخلة.
النساء ذوات الدخل الضعيف أو في وضعية اجتماعية صعبة واللاتي يعانين الهشاشة الاجتماعية أكثر عرضة للعنف في المجتمع التونسي
وتقول إحدى السيدات المعنفات عن تجربتها مع أحد مراكز الإيواء، إنها توجهت للمركز بعد أن تعرضت لعنف شديد من قبل زوجها.
ووجدت في المركز كل أسباب الرعاية النفسية والاجتماعية وقالت إنها وجدت لأول مرة من ينصت إليها ولمشاكلها من قبل الأخصائية النفسية التي قدمت لها كل الإرشادات اللازمة. كما استفادت من دورة تكوين في مجال صناعة الحلويات وباتت لديها ورشة خاصة وتقوم ببيع منتجاتها سواء عبر صفحات التواصل الاجتماعي أو من خلال المعارف. وأكدت أنها باتت تتمتع بالاستقلالية المادية والنفسية.
ويتم توجه النساء في المركز من خلال عدة جهات وهي الفرق المختصة لمواجهة العنف ضد المرأة والمندوبية الجهوية للمرأة ومندوبية حماية الطفولة والرقم الأخضر. ويجري التعهد في المركز عبر عدة مراحل وهو مسار طويل للتعهد بالنساء والأطفال على غرار التعهد النفسي ومتابعة الحالة الصحية لكل مقيم ومقيمة في المركز إلى جانب التدخل الاجتماعي.
ويقدم المركز للنساء الإحاطة الاقتصادية من خلال دورات تكوينية بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية لإدماج النساء في برنامج الأمان ليكون لهن الحق في العلاج المجاني. إلى جانب إدماج النساء في حلقات تكوين مختلفة حسب رغبة كل امرأة ومحاولة مساعدتها للبحث عن عمل لائق.
والعام الماضي نظمت ناشطات نسويات محكمة صورية لعرض تفاصيل الجرائم ضد المرأة وأسبابها والتأكيد على عدم إنصاف الضحايا وأسرهنّ في العديد من الحالات، وتم تنظيم المحكمة الصورية بحضور العائلات والمجتمع المدني لإحياء ذكرى القتيلات ولفتح المنابر أمام قصصهن وما خلفته من مآس عائلية.
وقالت رئيسة المحكمة الصورية للنساء ضحايا جرائم القتل والناشطة النسوية هالة بن سالم في تصريحات صحفية إن جرائم قتل النساء هي “جرائم كراهية” تسلط على الضحايا أمام تراخي الدولة في حسم القضايا قانونيا رغم صدور القانون عدد 58 لسنة 2017 الذي يجرم العنف ضد النساء.
وأكدت النسوية أن بطء مسار التقاضي يشجع على تجاهل خطورة ممارسة العنف في المجتمع ويعطي انطباعا بالتساهل والتبرير لجرائم قتل النساء، كما أن المجلة الجزائية في تونس لا تصنف جرائم قتل النساء جرائم ذات خصوصية ولا تفردها بظروف تشديد.
واعتبرت بن سالم أن القانون 58 يحتاج إلى وضع الميزانيات اللازمة وإلى إرادة سياسية لتفعيل كل فصوله خاصة منها المتعلقة بإجراءات الوقاية والحماية والإحاطة النفسية والقانونية والمادية بالنساء المعنفات، خاصة وقد بينت كل الدراسات أن كل جرائم قتل النساء حصلت بعد تعرضهن للعنف أكثر من مرة دون أن تتمكن الدولة من توفير الحماية لهن.
ويهدف القانون المذكور إلى “القضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، وذلك باتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم”.
العرب