اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلية مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة خلال عملية مفاجئة بدأت فجر أمس الإثنين وشاركت فيها وحدات من الفرقة المدرعة 401 إلى جانب قوات خاصة وعناصر جهاز «شين بيت» الاستخباري، وبعد قصف عنيف امتد على 40 غارة حوصرت مباني المستشفى من محاور ثلاثة. وإلى جانب تكدس جثامين الشهداء في باحات المشفى، لجأت قوات الاحتلال إلى اعتقال العشرات من العاملين والمرضى والنازحين والصحافيين.
وكان واضحاً أن التغطية الإعلامية للاقتحام كما اعتمدها الاحتلال وصوّرها الناطقون باسمه تقصدت تضخيم أغراض العملية بعد وضعها في إطار «معلومات استخبارية متينة» تفيد بوجود قيادات كبيرة للمقاومة الفلسطينية داخل أجنحة المجمع، وأن مقاتلي «حماس» كانوا يستخدمونه لتنفيذ هجمات ضد الجيش الإسرائيلي. وكان حشد هذا الحجم الكبير من الوحدات العسكرية والخاصة والأمنية يستهدف أيضاً تعزيز الاعتقاد بأن العملية تكتسب سمة نوعية عالية، خاصة وأنها تأتي في سياق عجز جيش الاحتلال عن تقديم أي مكسب عسكري على الأرض يمكن تسويقه للرأي العام الإسرائيلي.
غير خافية بالتالي الأغراض الدعائية المباشرة من وراء الاقتحام، وأنه إجراء آخر في الحروب النفسية التي دأب جيش الاحتلال على اختلاقها لتحقيق أغراض عديدة متشابكة، ليس أولها مخادعة الرأي العام الإسرائيلي نفسه وصرف الأنظار عن تراكم أمثلة استعصاء الجيش الإسرائيلي ميدانياً، وليس آخرها استجداء تعاطف عالمي آخذ في التناقص والانحسار.
ما يتوجب ألا يخفى أيضاً، وفي المقام الأول ربما، هي حقيقة أن الاحتلال يمتلك كل الأسباب لاستهداف هذا المجمع الذي يظل أحد أندر المنشآت الطبية القائمة في القطاع، رغم أن أجنحته لا تعمل إلا في مستوى ربع طاقتها المعتادة، ورغم أن اقتحام الأمس هو الثالث على التوالي منذ العملية البربرية والوحشية الأولى ضد المجمع يوم 5 تشرين الثاني/ نوفمبر. وإذا كانت الثالثة هي الأكثر افتضاحاً من حيث أهدافها المعلنة، فإنها على الأرجح لن تكون الثابتة في المسلسل الإجرامي ولا الأخيرة.
ثمة طراز من الحقد على المنشأة لأنها تواصل، ما وسعتها الوسائل والإمكانيات والأطقم، معالجة آلاف من الجرحى والمرضى، وتستقبل الرضع والأطفال والحوامل والمصابين. الطراز الآخر من الحقد الإسرائيلي ليس بعيداً عن تاريخ المجمع الذي يتجاوز عمر دولة الاحتلال، ويمثل سيرورات انتقال القطاع من الانتداب البريطاني إلى الوصاية المصرية فالإدارة الفلسطينية المستقلة، عدا بالطبع عن جانب رمزي يخص الصلات الوثيقة بين فلسطين التاريخية والكنيسة المعمدانية.
ويبقى أن اقتحام مجمع الشفاء، على هذا النحو الذي يستأنف التوحش البربري وطرائق الخداع، لا يجدد الكثير في مساعي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للالتفاف على مآزق شتى تتراكم من حوله، في جبهات القتال مع جيش لم يحقق أياً من أهداف حربه المعلنة، وحكومة منقسمة متصارعة، ومجتمع دولي تتكشف أمامه الحقائق المريرة لجرائم الحرب الإسرائيلية، وحلفاء أشداء مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا باتوا أكثر إدراكاً لمناورات نتنياهو وأجنداته الشخصية خلف استمرار حرب الإبادة والتهرب من صفقة تبادل جديدة ورفض وقف إطلاق النار.