تونس – يعتزم الاتحاد الأوروبي تقديم ما يصل إلى 164.5 مليون يورو (177.74 مليون دولار) لقوات الأمن التونسية بهدف مساعدتها على تطوير أدائها في التصدي للهجرة غير النظامية، في خطوة يرى مراقبون أنها تعيد منسوب الثقة بين الاتحاد الأوروبي وتونس وتتجاوز مرحلة الفتور التي سادت في فترة سابقة بسبب محدودية الدعم الأوروبي للجارة الجنوبية.
ويعكس تخصيص المنحة الأوروبية لقوات الأمن التونسية ثقة الأوروبيين بها وبأدائها في مواجهة تعقيدات ظاهرة الهجرة غير النظامية، خاصة إثر زيادة تدفق المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء خلال الأشهر الأخيرة، واستمرار تونس في القيام بدورها كاملا على الحدود رغم الاختلاف مع الأوروبيين بشأن خطط توطين المهاجرين.
وقالت صحيفة فاينانشال تايمز، نقلا عن مصادر مطلعة على الأمر، إن الاتحاد الأوروبي تعهد بتقديم تمويل قيمته 105 ملايين يورو لتونس يتعلق بالحد من الهجرة في اتفاق موقع العام الماضي، لكن أغلبه لم يُصرف إلى حد الآن.
وأضافت أن الاتحاد الأوروبي سيرفع الإنفاق بشكل عام على الهجرة من خلال مصادر تمويل مختلفة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، مع تخصيص نحو ثلثي المبلغ، الذي من المتوقع أن يصل إلى 278 مليون يورو، للأمن وإدارة الحدود.
وتتضمن البرامج الممولة من الاتحاد لصالح قوات الأمن التونسية تدريبا للحرس البحري التونسي تنفذه الشرطة الاتحادية الألمانية، كما سيتم إنفاق الأموال على شراء معدات، منها رادارات وزوارق للحرس البحري، فضلا عن إنشاء نقاط حدودية برية.
ويرى مراقبون أن الثقة بمؤسسة الأمن التونسية وأدائها في مواجهة الهجرة غير النظامية هي رسالة لتأكيد ضرورة دعم تونس ومساعدتها على الخروج من أزمتها، وإظهار أن الخلافات المحدودة بشأن بعض التفاصيل لا تخفي التوافق مع تونس حيال ملفات مختلفة منها موضوع الهجرة غير النظامية.
وقال الباحث في العلوم السياسية محمد العربي العياري إن “الاتحاد الأوروبي يضخ هذا المبلغ ليذكرنا بأنه يلتزم بتطبيق ما تعهد به” في السابق.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “سياسيّا تقرأ هذه الخطوة كنوع من الدعم للسلطة القائمة وكعربون سياسي في سنة انتخابية حاسمة”، لافتا إلى أن “حجم الأموال لا يفي بالغرض ولكن مسألة الاتفاقيات الدبلوماسية والسياسية لا تعتمد على ضخ الأموال فقط بل هي دائما تثار بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي”.
وصرف الاتحاد الأوروبي هذا الشهر 150 مليون يورو لتونس من أجل دعم الميزانية لتحقيق الاستقرار المالي والقيام بالإصلاحات الاقتصادية.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت إن “المبلغ المقدم من الاتحاد الأوروبي يأتي اعتبارا لأهمية ملف الهجرة، حيث أن الاتحاد الأوروبي يولي ملف الهجرة غير النظامية أهمية قصوى، وهذا يعني أن أداء تونس مُرْضٍ؛ إذ قلصت موجات المهاجرين في اتجاه السواحل الأوروبية”.
وأكد ثابت في تصريح لـ”العرب” أن “نجاح تونس في الحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين له وقع إيجابي على مستوى الشراكة والاستثمار مع أوروبا، والمبلغ المقدم سيكون متبوعا بمبالغ أخرى، لأن محاولات الهجرة متواصلة ومستوى الهاجس الأمني الأوروبي عال”.
وفي مؤشر على أداء قوات الأمن التونسية الذي يحظى بثقة الأوروبيين ضبطت وحدات الحرس البحري أكثر من 2400 مهاجر قبالة سواحل صفاقس والسواحل القريبة منها خلال الساعات الاثنتين والسبعين الأخيرة، في تطور لافت لموجات الهجرة غير النظامية.
وتؤشر الأعداد على عام أكثر صعوبة من المتوقع أن تواجهه السلطات الأمنية في محاولات منع تدفق المهاجرين عبر المنطقة الوسطى من البحر المتوسط بعد انخفاض وصل إلى 70 في المئة خلال شهري يناير وفبراير الماضيين مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.
ووفق بيانات الإدارة العامة للحرس التونسي، انتشل الحرس البحري ست جثث وضبط 2425 مهاجرا من بينهم 20 تونسيا فقط، فيما ينحدر البقية من دول أفريقيا جنوب الصحراء. وأوقفت السلطات الأمنية في حملتها 108 من الوسطاء ومهربي البشر وصادرت 44 قاربا مخصصا لنقل المهاجرين و39 محركا بحريا وكميات من المحروقات.
وقال رمضان بن عمر، العضو في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يهتم بقضايا الهجرة، إنه “من المتوقع أن تزيد وتيرة التدفقات خلال الأشهر المقبلة مع تحسن عوامل المناخ وتغير تكتيكات مهربي البشر”.
وكانت تونس وقعت في يوليو الماضي مذكرة تفاهم مع المفوضية الأوروبية لكبح موجات الهجرة غير النظامية المنطلقة من سواحلها، وجرى تعميم الخطوة مع موريتانيا ومصر لاحقا.
ومن بين أكثر من 150 ألف مهاجر وصلوا إلى السواحل الإيطالية القريبة في 2023، انطلق حوالي ثلثيْ العدد من سواحل تونس وأغلبهم من سواحل صفاقس التي تضم الآلاف من مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء الحالمين بالوصول إلى دول التكتل الأوروبي الغني.
وبحسب بيانات المنتدى توفي أكثر من 1300 مهاجر قبالة سواحل تونس، أي ما يفوق نصف عدد الوفيات في البحر المتوسط، المصنف كأخطر الطرق البحرية للهجرة غير النظامية في العالم.
العرب