وضعت إيران منطقة شرق إفريقيا أولوية في تحركاتها مع القارة، مركزة على منطقة القرن الإفريقي؛ حيث ترى في هذه المنطقة مجالًا واسعًا وخصبًا للأنشطة السياسية والعسكرية والاقتصادية، خاصة الدول المطلة على ساحل خليج عدن وبحر العرب والبحر الأحمر. ويرجع ذلك للأهمية الجغرافية لمنطقة باب المندب؛ ما يصنع نفوذًا إقليميًّا ودوليًّا لإيران يجعلها تتحكم وتؤثر في أمن واستقرار مضيقي (هرمز وباب المندب) معًا، ويدخل ذلك في إطار توسيع (جغرافيا الممانعة) التي تمكِّنها من إدارة الصراعات والحروب خارج نطاق حدودها الجغرافية، وهي رؤية تقاطع مع الإستراتيجية الأوسع (الحكومة المقاومة) التي وضعها المرشد، آية الله خامنئي، مع الحرس الثوري(1).
في العقدين الأولين بعد نجاح الثورة الإيرانية انخرطت إيران في حرب واسعة مع العراق لثماني سنوات واجهت خلالها تضييقًا إقليميًّا رعته الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما جعل إفريقيا لا تتقدم في قائمة أولوياتها، فقد وضعت حساباتُها الإستراتيجية منطقةَ الشرق الأوسط على رأس أولوياتها حتى استقر محيطها الجغرافي أمنيًّا مع توقف الحرب مع العراق. عملت إيران على مخاطبة الجماهير المضطهدة ورفض النفوذ الغربي في السياسة العالمية، متبنية نموذجها الثوري الذي عملت على تصديره إلى إفريقيا. وقد حرصت إيران على تركيز دعمها للمجتمعات المسلمة والمهمشة لبناء عدد من القواعد المجتمعية التي تستطيع أن تعتمد عليها في تنفيذ إستراتيجيتها في القارة على نفس منوال ما تقوم به في منطقة الشرق الأوسط بالجمع بين الأدوات التقليدية للدولة والأدوات غير التقليدية من خلال الجماعات الدينية وشبه العسكرية.
لم يقم حسن روحاني خلال فترة إدارته بزيارة واحدة إلى دولة إفريقية من 55 زيارة خارجية له في السنوات الثماني التي قضاها في منصبه. لكن حضور القارة في السياسة الخارجية الإيرانية عاد إلى الظهور بعد انتخاب الرئيس الحالي، إبراهيم رئيسي(2). أعطى رئيسي أولوية لإفريقيا في السياسة الخارجية الإيرانية، وهي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس إيراني إفريقيا منذ نحو عقد منذ أن كان أحمدي نجاد رئيسًا. ويوجد ما يقرب من عشرين سفارة لها في إفريقيا بالرغم من أهمية إفريقيا في تعويضها عن عزلتها في أماكن أخرى كالاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال في 2008 كان لها نحو 17 سفارة في إفريقيا مقابل 12 سفارة لتركيا، لتتقدم تركيا بفارق يصل إلى الضعف في 2022 بعدد سفارات وصل إلى 44 سفارة تركية مقابل 22 سفارة إيرانية(3).
منافسو إيران في القارة الإفريقية
تعتبر القارة الإفريقية ساحة كبيرة للتنافس الدولي حول مواردها ومواقعها الإستراتيجية وتشهد تنافسًا متناميًا بين الصين والولايات المتحدة الأمركية(4)، ويمكن أن نجد تنافسًا بين الصين واليابان وبين الهند والصين وغيرها من الدول في تلك القارة وعليها. وهناك صعود للاعبين جدد بدأ يظهر تأثيرهم وحضورهم بشكل فاعل مقابل اللاعبين القدامى، ونخص هنا تركيا وإيران إذ تمتلك كل منهما ميزات تنافسية تميزها على القوى الكبرى. وعندما نتحدث عن إيران فإننا يمكن أن نشير إلى أن أهم منافسين لها في إفريقيا هم: السعودية وأميركا بالدرجة الأولى، ثم تركيا في المستوى الثاني.
(1) الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي: قادت الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية حملة دبلوماسية وفرضت عقوبات اقتصادية على إيران بعد نجاح ثورتها، لكنها لم تشهد تطورات إيجابية ملحوظة إلا بعد إبرام الاتفاق النووي عام 2015. وهو الاتفاق الذي شجع عددًا من قادة الدول الإفريقية على البحث عن فرص أفضل للتعامل مع إيران. وعززت طهران التواصل مع إفريقيا وسعت في الوقت نفسه إلى بناء “عمق إستراتيجي” عبر القارة لتعزيز النفوذ الإيراني. لكنها واجهت صعوبات مجددًا، في 2018، بعد أن انسحب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي وأعاد فرض نظام العقوبات على إيران(5)؛ وهو ما دفع القادة الأفارقة إلى التعامل بشكل انتقائي مع إيران مع تأمين علاقات أقوى مع القوى العالمية الأخرى التي تنافس إيران في القارة. كما جعل إيران تعيد ترتيب أولوياتها وفقًا لذلك. وتسعى إيران إلى تقديم دعم للدول الإفريقية التي تنتهج سياسة مناهضة للقوى الاستعمارية السابقة خاصة الدول التي كان لفرنسا فيها نفوذ عال ووقعت بها انقلابات عسكرية مؤخرًا مثل بوركينا فاسو(6).
(2) السعودية وبعض الدول العربية: بدأ التنافس بين السعودية وإيران يحتدم بعد ثورات الربيع العربي منذ 2011 ولم يتوقف عند الدول التي شهدت ثورات بل امتد إلى مناطق مختلفة في إفريقيا(7). تقدم كل من إيران والسعودية نفسيهما كزعيمتين في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وقد توسعت المنافسة بينهما لتشمل إفريقيا وظهر التنافس وانعكاسه على الدول الإفريقية بشكل واضح في عام 2016 على خلفية أزمة اقتحام السفارة السعودية في طهران بعد إعدام الشيخ النمر(8)، لتقطع كل من السودان وجيبوتي علاقتها بطهران(9)، وكان ذلك بتأثير وضغوطات مارستها السعودية كما فعل الصومال(10). ويعمل الصومال أيضًا على تقييد عمل المؤسسات الإيرانية الخيرية في الصومال بعد “مخاوف من نشر التشيع”(11).
إن تصاعد التنافس بين السعودية وإيران في القرن الإفريقي يتم توجيهه وتشكيله بشكل خاص من خلال ديناميكية السياسة الإقليمية في الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين. ومع ذلك، فإن الموقع الإستراتيجي للقرن الإفريقي وأهميته بالنسبة للطموحات الإقليمية لكلا البلدين جعل المنطقة جذابة بشكل جوهري خاصة تجاه السودان وإريتريا وجيبوتي والصومال متأثرة بالحرب في اليمن إلا أنه لا يُمكن الجزم بمن سيحافظ على علاقة أقوى مع هذه الدول على المدى الطويل. وفي ضوء ديناميكية التغيرات في السياقات السياسية والاقتصادية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، والتي يبدو أنها وضعت إيران لاعبًا فاعلًا في القرن الإفريقي حاليًّا، ومع ذلك لا يمكن وصفه بالمستدام(12) كما حدث مع السودان.
في 2018، قطع المغرب علاقته مع إيران بعد اتهامها مع حزب الله بتقديم دعم عسكري ومالي إلى جبهة البوليساريو(13) التي تدعو إلى استقلال الصحراء الغربية(14)، وهي المرة الثانية التي يقطع فيها المغرب علاقته مع إيران؛ حيث سبق وقطعها في 2009 على خلفية اتهامات بـ”تكثيف إيران نشر المذهب الشيعي في المغرب”، وأيضًا بسبب تصريح لمسؤول إيراني شكَّك في سيادة البحرين(15). في المقابل، تمتلك إيران علاقات قوية مع الجزائر تنامت بعد انتصار الثورة الإسلامية(16). ويبرز ذلك في الوساطة التي قادتها الجزائر في 1981 لإطلاق سراح الرهائن مقابل فك تجميد الأصول الإيرانية ورفع العقوبات(17).
أما العلاقات مع مصر فلم تشهد تطورًا إيجابيًّا منذ توقيع مصر معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل واستقبالها للشاه بعد هروبه من إيران، ليستمر الانقطاع نحو 40 عامًا. وشهدت العلاقات فترات متقطعة من التقارب لم تفض إلى تحسين العلاقات. ومؤخرًا شهدت العلاقات تطورات إيجابية غير مستقرة بين البلدين على خلفية معركة (طوفان الأقصى) وتحت غطاء التقارب السعودي-الإيراني الذي رعته الصين، في مارس/آذار 2023(18)، لينتج عن الوساطة تراجع للسياسات العدائية بين البلدين وحلفائهما في المنطقة(19).
(3) تركيا المنافس التاريخي والتقليدي لكن في ساحة جديدة، أعطت اتفاقية التعاون العسكري والاقتصادي بين تركيا والصومال “سلطة شاملة” لتركيا في حماية السواحل الصومالية. وهي بذلك تفتح المجال أمام تنافس تركي-إيراني في إقليم جغرافي آخر، وقد يتسبب انتشار القوات البحرية التركية في خليج عدن وبحر العرب في تقويض الحضور الإيراني الداعم لجماعة أنصار الحوثي في اليمن، خاصة إذا ما قامت تركيا -التي تعد امتدادًا لحلف الناتو- بالتنسيق مع عدد من أعضاء حلف الناتو، المنخرطين في عمليات ضد أنصار الحوثي بعد طوفان الأقصى(20).
عسكريًّا، تمتلك تركيا قاعدة عسكرية واحدة في الصومال، تُعرف باسم معسكر تركسوم (TURKSOM) وهو عبارة عن قاعدة عسكرية وكلية حربية يوجد بها برنامج تدريب وتأهيل لجنود الجيش الصومالي، وهي أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج تركيا. وتقع هذه القاعدة في العاصمة، مقديشو، وافتتحت عام 2017. وتخرج الكلية الحربية نحو 1500 جندي سنويًّا، ويصل عدد من تخرج منها نحو 10 آلاف جندي صومالي(21).
أما اقتصاديًّا، فتستثمر تركيا حوالي 3 مليارات دولار في مشاريع بنية تحتية إستراتيجية، أهمها (مشروع سكك حديد يابي مركزي) بطول 400 كيلومتر يربط شمال ووسط وشرق إثيوبيا بميناء جيبوتي، والتي تبلغ قيمتها بنحو 1.7 مليار دولار(22).
كما تمتلك تركيا استثمارات كبيرة في كينيا أهمها المجمع الصناعي الذي تقوم ببنائه بقيمة 760 مليون دولار(23). كما أن توقيع اتفاقية تنقيب عن النفط بين تركيا والصومال في سواحل الصومال التي تمتلك ما يقرب من 200 مليار قدم مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة(24) سيجعل لتركيا ثقلًا إقليميًّا في شرق إفريقيا ينافس الحضور الإيراني ويقيده.
الأولويات الإستراتيجية الإيرانية مع القارة الإفريقية
تتبنى إيران نهجين من العمل لتطبيق رؤيتها مع إفريقيا: نهجًا تعتمد فيه على الدولة ومؤسساتها الرسمية، ونهجًا آخر تعتمد فيه على الجماعات الشيعية والحركات شبه العسكرية، ويمكن تلخيص تحركات وأولويات مؤسسات الدولة الإيرانية وإستراتيجيتها في إفريقيا ضمن المحورين التاليين:
المحور الأول: تقوية الحضور الأمني والعسكري في شرق القارة مع التركيز على القرن الإفريقي (تعزيز محور المقاومة)
يعتبر الحضور العسكري الإيراني في إفريقيا حديثًا بالمقارنة مع القوى الدولية التي تتنافس على مواردها ومواقعها الإستراتيجية. وتعمل إيران على توسيع وجودها العسكري في إفريقيا من خلال التركيز الأمني والاستخباري بالمقام الأول، وذلك بدعم جماعة الحوثي في اليمن وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، وقد بدأ يظهر حضور الناقلات والسفن الإيرانية بما في ذلك السفن العسكرية في 2008، وذلك في موانئ مصوع وعصب الإريترية وفي بورتسودان من أجل تقديم شحنات عسكرية تساعدها في تلبية احتياجاتها العسكرية والأمنية الداخلية والإقليمية. وأيضًا لدعم حركات المقاومة الفلسطينية عسكريًّا بتهريب السلاح لها بخلاف تقديم الدعم لجماعة الحوثي باليمن. كما أن القاعدة العسكرية الإيرانية في إريتريا ونشاطها العسكري يوازي أيضًا القاعدة العسكرية الإسرائيلية في إريتريا(25).
وتواجه الولايات المتحدة تحديات في تقييم مدى فعالية ضرباتها ضد عمليات التهريب الموجهة من إيران إلى اليمن. وعلى الرغم من إجراء ما لا يقل عن 18 عملية اعتراض بحري منذ عام 2013، كشفت فيها عن شحنات أسلحة مدافع رشاشة وصواريخ مضادة للدبابات التي يُزعم أنها قادمة من إيران، فإن مدى مرور العتاد غير المكتشف عبرها لا يزال مجهولًا. وهذا الافتقار إلى المعلومات الاستخبارية يجعل من الصعب على واشنطن تقييم تأثير ضرباتها الأخيرة، خاصة في ضوء عمليات التهريب الإضافية التي تحدث عبر القرن الإفريقي(26).
ويأتي في المقام الثاني تقديم الدعم العسكري للدول الهشة أمنيًّا، خاصة الدول التي تواجه تمردات مسلحة. ومن الأمثلة البارزة على الدعم العسكري ما قدمته إيران لإثيوبيا خلال الصراع الدائر في منطقة تيغراي شمال إثيوبيا صيف 2021، وذلك بتزويد حكومة آبي أحمد بطائرات بدون طيار، وتحديدًا طائرات “مهاجر 6″(27). لم تكن إثيوبيا الدولة الإفريقية الوحيدة التي حصلت على طائرات بدون طيار، بل السودان أيضًا. فمع تراجع سيطرة الجيش السوداني ميدانيًّا في العديد من المدن السودانية لحساب الدعم السريع، عملت إيران على استثمار هذا التراجع بتلبية الاحتياجات العسكرية للجيش السوداني فزودته بشحنات من الأسلحة وطائرات بدون طيار من طراز “مهاجر 6″(28). ويأتي إعلان السودان استئناف العلاقات مع إيران بعد 7 أعوام من قطع العلاقات في أبريل/نيسان 2016 في عهد الرئيس السابق، عمر البشير.
إن تدفق المعدات العسكرية الإيرانية إلى السودان يمكن اعتباره مزاحمة للنفوذ الغربي؛ حيث إن عودة العلاقات جاء مع استمرار التطبيع مع إسرائيل الذي بدأ في 2020، وكذلك في ضوء تقارب سوداني-خليجي بعد عقود من الفتور. وهو ما يطرح العديد من التساؤلات والاحتمالات في ظل تنامي الصراع الإقليمي بين حلفاء إيران في المنطقة ضد إسرائيل والحضور الأميركي العسكري بالمنطقة في البحر الأحمر خاصة بعد استهداف جماعة أنصار الحوثي إسرائيل وسفن الشحن المتوجهة لها عبر مضيق باب المندب. إن عودة العلاقات تمثل أيضًا فرصة لإيران لاستعادة العلاقات مع دول الاتحاد الإفريقي بعد أن مارست السعودية ومصر والسودان والمغرب ونيجيريا ضغوطًا على دول الاتحاد الإفريقي لقطع العلاقات مع إيران(29).
ومع ذلك، لا يمكن وصف هذا الحضور بالدائم أو طويل الأجل فهو يعتبر ملء فراغ لقصور دعم إقليمي من السعودية ومصر وقد يتراجع في حال توافقت الدول على تقويض هذا الحضور؛ وهو ما ظهر في رفض السودان إنشاء قاعدة عسكرية بحرية حتى لا تثير غضب السعودية ومصر وإسرائيل وأميركا في ظل ما تواجهه من تحديات داخلية(30).
إن التموضع في منطقة القرن الإفريقي هدفه دعم محور المقاومة وحلفائها عسكريًّا وأمنيًّا، وتركز على تقديم الدعم وبناء شراكات أمنية وعسكرية بانتقائية، خاصة مع الدول التي لها مواقع جغرافية بحرية وإستراتيجية يمكن أن تساعدها على المستوى التكتيكي والاستخباري مقابل منافسيها الإقليميين وأعدائها.
أما جنوب إفريقيا فهي الدولة التي يمكن وصفها بالشريك الدفاعي المحتمل؛ حيث سعت طهران إلى الاستفادة من علاقتها الطويلة مع جنوب إفريقيا لتوسيع الحضور البحري الإيراني خارج الشرق الأوسط، كما وقَّعت إيران وجنوب إفريقيا اتفاقيات تعاون عسكري من شأنها أن تحقق شراكة إستراتيجية طويلة الأمد(31).
المحور الثاني: العلاقات الاقتصادية أولوية لليورانيوم وتوجه جديد لعلاج القصور في تجارتها
تعمل إيران حاليًّا بنشاط على توسيع علاقاتها التجارية مع الدول الإفريقية، وقد أحرزت تقدمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة. وصلت الصادرات الإيرانية إلى إفريقيا إلى 1.28 مليار دولار 2021، مقابل 579 مليون دولار في 2020. ويُلاحظ هذا النمو بشكل خاص في المجالات المستهدفة مثل الخدمات الفنية والهندسية. تهدف إيران إلى تحقيق زيادة بمقدار عشرة أضعاف لتصل إلى 12 مليار دولار، بدءًا من هدف أولي قدره 5 مليارات دولار في غضون عامين. وفي سبيل ذلك وقعت إيران على 21 اتفاقية في مختلف القطاعات مثل النفط والطاقة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والزراعة والطب خلال زيارة الرئيس رئيسي إلى كينيا وأوغندا وزيمبابوي(32).
كما نظمت إيران أول ملتقى اقتصادي من نوعه مع سفراء دول غرب إفريقيا في طهران، في مارس/آذار 2023، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي معها(33)، وقد اقترح نائب الرئيس الإيراني، محسن رضائي، إنشاء بنك مشترك مع الدول الإفريقية بهدف المساعدة في تطوير العلاقات الاقتصادية(34)؛ وهو ما يعد مؤشرًا على عزم إيران استثمار الفراغ الفرنسي وأخذ خطوات في المستقبل توثق بها علاقاتها مع دول غرب إفريقيا وتضع كذلك الأنظمة العسكرية المنقلبة مؤخرًا ضمن التي تقدم خطابًا وسياسات مناهضة لفرنسا والغرب مثل اتفاقيات التعاون التي وقعتها مؤخرًا مع النيجر، في يناير/كانون الثاني 2024(35).
إن حجم الصادرات الإيرانية مع القارة الإفريقية هو الأضعف بالمقارنة مع حجم صادراتها مع أوروبا وآسيا، فقد بلغ حجم الصادرات الكلي لإيران بين عامي 2000 و2021 مع إفريقيا نحو (33.9 مليار دولار = 2.66٪ من إجمالي صادرات إيران)، في مقابل (1004.8 مليارات دولار مع آسيا = 80.8٪ من إجمالي صادرات إيران)، بينما بلغ (200.73 مليار دولار مع أوروبا = 16.1٪ من إجمالي صادرات إيران)(36). وتعكس تلك الإحصائيات مؤشرًا مهمًّا على قوة الحصار الاقتصادي والعقوبات المفروضة عليها؛ حيث تتركز تجارتها مع دول الجوار القريبة من حدودها وفي نطاق إقليمها، كما تمثل تلك الأرقام ترجمة لأولويات وحجم اهتمام إيران بإفريقيا اقتصاديًّا بالمقارنة مع بقية القارات كما هو موضح في الشكل التالي:
1
شكل (1) نسبة الصادرات الإيرانية للقارات الأربع من إجمالي صادراتها من (2000 – 2021)
وقد شهدت الصادرات الإيرانية تراجعًا كبيرًا مع آسيا منذ 2018، التي بلغت حينها 68.1 مليار دولا لتصل إلى 10.7 مليارات دولار في 2020 ثم 13.6 مليار دولار في 2021، وقد بلغ حجم الصادرات للصين وتركيا معًا أكثر من الثلثين بنحو (68.75٪: تركيا [20.82٪] والصين [47.93٪] لعام 2021) من إجمالي الصادرات لآسيا. و57.63٪ من إجمالي صادراتها العالمية بما يعادل 9.32 مليارات دولار، وهو ما يعطي مؤشرًا على اعتمادية كبيرة لتجارة إيران عليهما. لذلك فإن عزم إيران على أن يصل إجمالي صادراتها إلى القارة الإفريقية إلى 5 مليارات دولار خلال سنتين و12 مليارًا كهدف متوسط المدى يؤكد رغبتها في فتح أسواق جديدة وكسر اعتماديتها على دول الجوار وسط تنامي الصراعات في الإقليم. ويوضح الشكل (2) قيمة الصادرات الإيرانية مع آسيا من 2010 – 2021(37).
2
شكل (2) قيمة الصادرات الإيرانية لآسيا (2010 – 2021)
بالإضافة لذلك تواجه إيران تحديات لوجستية في تجارتها مع إفريقيا لعدم وجود خطوط شحن بحرية مباشرة كافية(38)، بجانب قلة خطوط الطيران المباشر بين طهران والعواصم الإفريقية(39)؛ وهو ما يدفع التجار الإيرانيين إلى التصدير إلى إفريقيا من خلال عُمان أو تركيا.
وبالنظر إلى فائض الدخل من بيع النفط في إيران، والتضخم الناجم عن زيادة السيولة، ومشكلة البطالة والحاجة إلى المواد الخام وسوق استهلاك المنتجات، فقد اهتمت إيران بالسمات الفريدة للبلدان الإفريقية(40). بالرغم من الحضور الاقتصادي المباشر الضعيف إلا أن إيران تركز في كسر الحصار السياسي والاقتصادي المفروض على تجارتها مع إفريقيا من خلال:
(1) استخدام النفط سلاحًا ضد الحصار: مثلما استخدمت صادراتها النفطية مع بوروندي في توسيع علاقاتها مع دول أخرى في إفريقيا، بما في ذلك الكاميرون وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى، والتي دعت جميعها الاستثمارات الإيرانية لتطوير بنيتها التحتية(41).
(2) وضع الدول المنتجة لليورانيوم على رأس أولوياتها: تضع إيران الدول الإفريقية المنتجة لليورانيوم في مقدمة أولوياتها في الملف الاقتصادي، خاصة الدول التي تواجه عقوبات اقتصادية غربية وذلك مقابل البترول، مثل زيمبابوي، حيث يزعم تبادلهما اليورانيوم مقابل البترول منذ 2010، وهو ما ظهر في تصريحات متعددة بين مسؤولي البلدين(42). كما حاولت إيران الحصول على الفوسفات من كبار المنتجين الموجودين على طول ساحل شمال وغرب إفريقيا من توغو إلى مصر، وهي مادة تساعد في تخصيب اليورانيوم(43). وقد أعلنت إيران اكتشافها لكميات هائلة من اليورانيوم، في سبتمبر/أيلول 2015، بعد توقيع اتفاقية لوزان النووية بعدة أشهر(44)؛ مما قد يجعلها تعيد ترتيب أولوياتها واستثماراتها في مسارات أخرى من التعاون.
(3) دخول إفريقيا باستثمارات إستراتيجية: وذلك بتوسيع تعاونها الاقتصادي مع دول الساحل الإفريقي مثل تعهدها ببناء مصفاة نفط جديدة في بوركينا فاسو(45)؛ وهي تحاول بذلك أن تملأ فراغ تراجع فرنسا في المنطقة.
ويمكن تلخيص إستراتيجية إيران الاقتصادية مع القارة بأنها تصب في خدمة مصالحها التنموية المباشرة كإنتاج الطاقة النووية، ثم توسيع تجارتها مع الدول التي تواجه عقوبات اقتصادية كأولوية ثانية. وهي بذلك تعمل بمنهجية تهدف إلى كسر الحصار الاقتصادي الغربي بالشراكة مع دول إفريقية تواجه مصيرًا مشابهًا.
الأدوات غير التقليدية للنفوذ الإيراني في إفريقيا
أولًا: الجماعات الشيعية الإفريقية
كانت سياسة الرئيس السابق، أحمدي نجاد، في إفريقيا مبنية على تعزيز العلاقات الدينية مع المجتمعات الإسلامية الشيعية، والاستثمار في بناء علاقات مع بلدان الجنوب، وتوظيف المشاعر المشتركة المعادية للغرب. عملت إيران على تشجيع المسلمين في جميع أنحاء القارة على التشيع. خلال هذه الفترة عززت إيران علاقاتها مع دول غرب إفريقيا وفتحت مراكز ثقافية وتعليمية شيعية في دول مثل ساحل العاج، وليبيريا، والكاميرون. كما استثمرت في البنية التحتية ببناء المستشفيات وإنشاء الشركات وتقديم القروض كجزء من سياستها. كانت إستراتيجيات القوة الناعمة ناجحة المردود سياسيًّا؛ حيث دعمت جميع دول غرب إفريقيا إيران في تصويت الأمم المتحدة على وضع حقوق الإنسان في إيران في عام 2009(46). ………………
إن المنهجية التثويرية التي تبنتها إيران في إفريقيا مثَّلت عنصر جذب للشباب في مواجهة القوى الاستعمارية في إفريقيا، لكنها في الوقت نفسه قوبلت بامتعاض من قبل عدد من الدول والأنظمة السياسية الإفريقية(47). تعمل إيران على نشر التشيع في إفريقيا من خلال مؤسساتها الرسمية والمدنية، أحد الأمثلة على ذلك (منظمة الثقافة والاتصال الإسلامية) (بالفارسية: سازمان فرهنگ وارتباطات اسلامی) والتي لها دور كبير في نشر التشيع حول العالم وهي منظمة تابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران وتعمل في خمس دول إفريقية (نيجيريا، وغانا، وجنوب إفريقيا، وأوغندا، وكينيا)(48). وتشارك وزارات ومؤسسات وجامعات مختلفة في تنفيذ هذه السياسات، وهي جزء من إستراتيجية إيران الأوسع لزيادة نفوذها في إفريقيا من خلال الشبكات الثقافية والأكاديمية والدينية.
ولا يمكن معرفة التعداد الدقيق للشيعة في إفريقيا فلا توجد إحصائيات دقيقة يمكن الاعتماد عليها، ويقدر تعدادهم بنحو 12٪ من تعداد مسلمي نيجيريا، و20٪ من تعداد مسلمي تنزانيا، و9٪ من مسلمي ليبيريا، و7٪ من مسلمي أوغندا، و3٪ من مسلمي الكاميرون، وذلك بحسب استطلاع أجراه مركز بيرو الأميركي في عام 2012(49). وتعتبر نيجيريا أكثر الدول الإفريقية التي ينتشر فيها الإسلام الشيعي من حيث التعداد حيث يقدر تعدادهم بنحو 6.5 ملايين نسمة وهو ما يقدر بنحو 3٪ من إجمالي السكان(50).
الجماعات الشيعية في نيجيريا نموذج فاعل ومؤثر
أحد أهم النماذج الشيعية الفاعلة في إفريقيا هم شيعة نيجيريا، شهدت نيجيريا اضطرابات عنيفة مع صعود (مؤسسة الحركة الإسلامية الشيعية في نيجيريا (IMN)) التي يقودها مؤسسها، إبراهيم يعقوب الزكزكي. وقد جاهر الزكزكي بتشيعه لأول مرة في 1995(51). يصف البعض الحركة بأنها شبيهة بـ(حزب الله اللبناني)، وقد خصصت إيران الكثير من الأموال لإفريقيا في مجال بناء المساجد وإنشاء المدارس وتقديم المنح الدراسية للدراسة في إيران وهو ما فتح لها المجال في نشر التشيع بين المسلمين هناك حيث لم يكن هناك انتشار للشيعة في نيجيريا قبل الثورة الإيرانية 1979. استطاع الشيعة اجتذاب أعضاء جمعية الطلاب المسلمين في نيجيريا (MSSN) في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات قبل الثورة الإيرانية، وقد كانت القاعدة الفكرية لطلاب MSSN هي جماعة الإخوان المسلمين المصرية. وكان الطلاب المسلمون الذين يدرسون في نيجيريا، يميلون بصورة كبيرة إلى المنهجية الثورية لسيد قطب (الإخوان المسلمين) ومنهجية (الخميني)؛ وهو ما دفعهم إلى الالتفاف حول زكزكي لمحاكاة ما فعله الخميني في عام 1979 حيث كانت نيجيريا في قبضة الديكتاتورية والأنظمة العسكرية المتتالية: اللواء بوهاري (1983-1986)، والجنرال إبراهيم باداماسي بابانجيدا (1986-1993)، والجنرال ساني أباتشا 1993-1998)(52).
ظلت الحركة الشيعية بعيدة إلى حدٍّ كبير عن مرمى أجهزة الأمن النيجيرية لتفرغها لمواجهة تنظيم بوكو حرام والجماعات السُّنيَّة المناهضة لسياسات الحكومة الأمنية والاقتصادية، وفي 2015، وقعت مذبحة في زاريا، في ديسمبر/كانون الأول، قُتل فيها نحو 300 شخص. وقد تزامن وقوع المجزرة مع عدد من الأحداث الدولية أولها توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وتولي الرئيس النيجيري، محمد بخاري، السلطة والذي تربطه علاقات وثيقة بالسعودية؛ لينعكس التنافس الإيراني-السعودي في نيجيريا ليُلقَى بعدها القبض على الزكزاكي نتيجة لذلك. وقد اتهمت الحكومة النيجيرية التنظيم بمحاولة اغتيال رئيس أركان الجيش النيجيري، توكور يوسف بورتاي، ليدخل الجيش النيجيري في مواجهات دموية مع التنظيم الذي صُنِّف بعدها جماعة “إرهابية”(53).
وقبل تلك الأحداث كشفت أجهزة الأمن النيجيرية، عام 2010، سفينة أسلحة إيرانية في ميناء أبوجا. وكشفت التحقيقات اللاحقة أن أعضاء في الحرس الثوري الإيراني كانوا مسؤولين عن شحنة الأسلحة، التي كانت تهدف إلى تسليح الجماعات الجهادية في شمال نيجيريا والحركات الانفصالية المتمردة في جنوب السنغال بإقليم كازامانس وضد نظام يحيى جامع في غامبيا؛ مما دفع البلدين إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، عام 2011(54).
وتواجه الجماعات الشيعية في نيجيريا أزمة اعتراف عند عدد من الجماعات المسلمة السنيَّة ونخبها الموجودة في الشمال النيجيري؛ حيث لا يعتبرون الشيعة مسلمين بالأساس. وقد اتُّهم حزب الله أيضًا بتدريب الشيعة النيجيريين لتوسيع نفوذهم في غرب إفريقيا. أثارت هذه الجهود التشييعية والعسكرية المتزايدة التي يبذلها حزب الله تجاه المواطنين النيجيريين مخاوف بشأن احتمال نشوب صراع طائفي في المنطقة(55)، كما لعبت الجماعات الشيعية غير الإفريقية، بمن في ذلك اللبنانيون والعراقيون والهنود والباكستانيون، دورًا في دعم النفوذ الإيراني في إفريقيا. وسهَّلت المجتمعات الشيعية اتصالات إيران وأنشطتها في إفريقيا من خلال وسائل مختلفة، اشتملت على الروابط الدينية والتبادلات الثقافية وفتح المجال لبناء التحالفات السياسية مع الحكومات والنخب الحاكمة.
ثانيًا: الحركات شبه العسكرية: حزب الله نموذجًا
أنشأ حزب الله شبكات في إفريقيا، وخاصة في دول مثل نيجيريا وكينيا ومنطقة وسط إفريقيا، وتشكل هذه الشبكات جزءًا من مصفوفة جغرافية مكانية أوسع تتداخل مع النفوذ الإيراني في الفضاء الإفريقي. وتتمحور عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية حول القرن الإفريقي وغرب إفريقيا؛ مما يوسع من نفوذ حزب الله وأنشطته في إفريقيا. وبدأت تظهر بنية حزب الله التحتية في إفريقيا في مجتمعات الشتات اللبناني في غرب إفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ويعتمد الحزب على الجاليات اللبنانية التي قَدِمَت إلى غرب إفريقيا وقامت ببناء الشركات والمصانع والبنوك، وعلى وجه الخصوص الشيعة اللبنانيون(56)، وتتركز أنشطتهم التجارية في سيراليون وغامبيا والكونغو الديمقراطية والغابون وساحل العاج. على سبيل المثال، قاسم حجيج، زعيم الجالية اللبنانية في الغابون، الذي وضعته الخزانة الأميركية في لائحة العقوبات في 2015، هو مالك بنك الشرق الأوسط وإفريقيا (MEAB)، وهو أحد كبار داعمي مجموعة (إنماء) التابعة لحزب الله. كذلك عائلة تاج الدين امتياز منحتها حكومة الكونغو الديمقراطية في 2012 نحو 250 ألف هكتار لمدة خمس سنوات وهي أيضًا إحدى الشركات التي وضعتها أميركا في اللائحة، وتركز أنشطة رجال الأعمال على تجارة الألماس والتعاقدات الحكومية والتجارة مع أميركا الجنوبية(57). وتلعب هذه الشبكات دورًا مهمًّا في إدامة أنشطة حزب الله.
وهي بذلك تخلق نطاق جبهات جديدة لمواجهة النفوذ الغربي والإسرائيلي بعيدًا عن الشرق الأوسط ما يجعلها تكسب أوراقًا قادرة على تهديد المصالح الغربية في مناطق جغرافية صعبة في حال توسعت أميركا وإسرائيل في استهداف إيران أو حزب الله. وسبق أن كشفت وكالة الاستخبارات الإثيوبية خلية تضم 16 شخصًا قالت إنها كانت تراقب سفارة الإمارات في إثيوبيا وتخبئ الأسلحة والمتفجرات. واتهم مسؤولون أميركيون وإسرائيليون إيران بتكليف عناصر الخلية بجمع معلومات استخباراتية عن سفارتي أميركا وإسرائيل، في إطار حملة أوسع للبحث عن أهداف سهلة في دول إفريقية، لتكون ردًّا يتناسب مع ضربات تنفذها أميركا وإسرائيل ضد ضباط تابعين لها في سوريا والعراق(58).
وتوضح الخريطة التالية أكثر المواقع الجغرافية التي كُشفت فيها أنشطة حزب الله في إفريقيا من 1982 وحتى 2024، ويظهر باللون الأزرق منطقتا القرن الإفريقي وغرب إفريقيا كأكثر المناطق التي يمتلك الحزب فيها أنشطة(59).
3
شكل 3 خريطة توضح عددًا من الأنشطة التي كشفت بين 1982-2024
خاتمة: الأبعاد الجغرافية وتحركات إيران في القارة الإفريقية
لقد نجحت إيران في تحركاتها من خلال أدوات نفوذها غير التقليدية فيما واجهت قصورًا وتحديات في التعامل المباشر من خلال مؤسساتها الرسمية. وبتحليل سياسات إيران بنظرة شاملة لكل المجالات مع القارة الإفريقية نجد ثقلها ونفوذها العسكري والأمني قويًّا في شرق إفريقيا وتحديدًا في القرن الإفريقي لاعتبار الصراعات المنخرطة فيها بمنطقة الشرق الأوسط. وتستخدم سلاحها البحري وانتشارها الأمني والاستخباري في تكثير وتعزيز مواقعها لتستخدمها في مناورات أوسع تتناسب مع حجم التهديدات التي تواجهها من أميركا وإسرائيل ومنافسيها. كما يسهم هذا التموضع في تمكينها من تقديم الدعم العسكري والأمني والاستخباري لحلفائها على طول سواحل المحيط الهندي وبحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر؛ حيث توجد في تنزانيا والسودان وإريتريا وتنزانيا وكينيا بأشكال متعددة. وهذا الانتشار يجعل معادلة الصدام معها متعددة الجبهات ويخلق توازن رعب مع أعدائها.
تواجه إيران تحديات كبيرة في استدامة سياساتها مقابل المنافسين الإقليميين والدوليين لها، وعلى وجه الخصوص أميركا والسعودية وتركيا خاصة في منطقة القرن الإفريقي وخليج عدن، لكنها تعمل بشكل دؤوب على رصد واستغلال الفرص للعودة لكل موقع تخسره كما فعلت في السودان.
أما في غرب إفريقيا، استطاعت الاستفادة من امتدادات الجماعات والجاليات الشيعية التي بدأت أنشطتها التجارية والدعوية الشيعية خلال عقود سابقة. وعلى وجه الخصوص (نيجيريا، والسنغال وساحل العاج، والكاميرون، والغابون، وغانا). وهو ما صنع لها نفوذًا وتكتلات فاعلة في إقليمها. ويرجح أن تتطور العلاقات مع دول الساحل الإفريقي على خلفية انكماش الوجود العسكري الفرنسي. وقد تتبنى نهجًا مشابهًا للأسلوب الذي تتبعه روسيا في منطقة الساحل الإفريقي. لكن الفارق هنا أن إيران تعمل على صناعة عمق اجتماعي يضمن استمرار واستدامة نفوذها في حين تميل روسيا إلى الاعتماد على تقديم الدعم العسكري والخدمات الأمنية من خلال بيع المعدات العسكرية أو نشر مجموعات لفاغنر مقابل تعزيز نفوذها مقابل الغرب والحصول على الذهب والمواد الأولية كالاتفاق الذي وقَّعته روسيا مؤخرًا مع مالي(60). ويرجح أن تدخل روسيا وإيران في تنسيقات أمنية لتعظيم حضورهما مقابل منافسيهما.
أما في شمال إفريقيا، فنجد إيران تتبع سياسات مختلفة عن باقي الأقاليم، حيث تمتلك علاقات قوية مع الجزائر تعود إلى وقت انتصار ثورتها. ولعل متانة العلاقات مع الجزائر جعلتها تتبنى سياسات حذرة في شمال إفريقيا وتحديدًا مع الجزائر وتونس. بوجه عام، تمتلك إيران وجودًا قويًّا في ست دول رئيسية في مواقع جغرافية مختلفة: في الجنوب مع دولة جنوب إفريقيا، وفي الشمال مع الجزائر وفي الشرق مع السودان وكينيا وإريتريا، وفي الغرب مع نيجيريا والسنغال