أصدر جهاز الاستخبارات التركية ترامنا مع ذكرى تأسيسه 97 سنة وقبل الدخول في تفسير بعض مضامين الوثيقة التي تتعلق في رؤية الجهاز المستقبلية ،لابد أولًا من التأكيد على أمر بالغ الأهمية بأن هذه الوثيقة ما كانت لتصدر لو أن تركيا ” اليوم” هي تركيا السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الفائت التي كانت تدار من قبل حكومات إئتلافية ضعيفة في نظام سياسي تسيطر عليه المؤسسة العسكرية التركية، فالذي ساهم في اصدار هذه الوثيقة المكانة الإقليمية والدولية التي وصلت إليها تركيا مع مجيء حزب العدالة والتنمية في عام 2002م وحتى الآن، هذا الحزب نتيجة الانجازات التي حققها على مدار العقدين الماضيين نقل تركيا إلى مصاف الدولة الإقليمية صاحبة التأثير الإقليمي والعالمي من هذا السياق نستطيع أن نفهم لماذا صدرت هذه الوثيقة ولا يكفى مرور 97 عام على تشكيل جهاز المخابرات كي تصدربهذه المضامين.
ثانيا: تحدث إبراهيم كالين بأنه لا يوجد نظام عالمي أو دولي بعد الحرب الباردة، وهو محق في هذا الجانب، لكن كان هناك استفراد أمريكي في القرار الدولي وهيمنة على أجهزة الأمم المتحدة وخاصة في عقد التسعينيات من القرن الماضي، وهنا نذكر قول وزير خارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر حينما قال ” كان يكفينا ارسال فاكس” للأمم المتحدة لإبطال أي مشروع قرار أو إقراره!!”. واتخاذ الصين موقف الصامت من قصف الولايات المتحدة الأمريكية سفارتها في بلغراد في نيسان/ إبريل عام 1999م.
نعم ليس هناك نظام عالمي ولا دولي وليس بوسع جهاز دولي قانوني كمجلس الأمن أن يضبط أو يفرض ارادته على التفاعلات الدولية كالحروب كون ذلك الجهاز محكوم سياسيا بإرادة الدول دائمة العضوية فيه، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، فالحرب الروسية الاوكرانية مستمرة والحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني في غزة مستمرة أيضَا، على الرغم من صدور قرار من مجلس الأمن بوقف اطلاق النار. فالجماعة الدولية تعيش حالة من الفوضوية الدولية وهي حالة ليست جديدة في العلاقات الدولية.
ثالثا: تطرق كالين إلى موضوع السيادة وهو محق في جانب كبير منه ،،، حينما تحدث عن الأمن بمفهومه العام صعب على أي دولة تحقيقه بشكل كامل لكن عليها أن تجتهد في توفير أكبر قدر ممكن. فالقوة التركية اليوم متأتية من قوة اقتصادها المدني بالاضافة إلى انتاجها العسكري بشقيه الدفاعي والهجومي وهذا الأمر يحسب لحزب العدالة والتنمية الذي امتلك رؤية استراتيبجية مضى في تطبيقها
رابعًا: نلتمس في وثيقته الحديث عن النظرية المثالية في العلاقات الدولية القائمة على السلام والقانون والتعاون بين الدول، لكن هذه النظرية أكدت الممارسات الدولية على محدودية تأثيرها في العلاقات الدولية وأن النظرية الوحيدة لغاية الآن في تفسير العلاقات الدولية هي لغة القوة والمصالح.
خامسًا: تطرق كالين عن أهمية الذكاء الاصطناعي في العمل الاستخباراتي لكن هذا الذكاء إذا لم يخسن التعامل معه، وخرج عن السيطرة قد يكون وبالا على الدولة المستخدمة له.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية