الحقول النفطية المشتركة مع العراق تساهم بشكل كبير في التفاف إيران على العقوبات الأميركية التي نجحت بالتخلص من جزء كبير من تبعاتها السلبية خلال الأعوام القليلة الماضية.
بغداد – بقيت أسعار النفط منخفضة نسبيا رغم الحروب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا وإسرائيل وحماس لأسباب تشمل إنتاج إيران لنفط أكثر مما هو معروف على نطاق واسع بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة.
ويبقى هذا مدفوعا برغبة البيت الأبيض في تجنب ارتفاع أسعار الطاقة الذي يسبب ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة في الولايات المتحدة وحلفائها الرئيسيين إثر الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022، حيث يعدّ العديد منهم مهددا بالركود الاقتصادي. كما أنه ناتج عن الوعي السياسي بأن ارتفاع أسعار النفط يسبب ارتفاع أسعار البنزين أيضا، وهو ما يؤثر مباشرة على فرص إعادة انتخاب الرئيس الأميركي الحالي.
وتوجهت الكمية الإضافية الهائلة من النفط الإيراني إلى الصين بخصم نسبته 30 في المئة كحد أدنى على معايير النوعية المماثلة. وقلل هذا من طلب الصين على النفط في السوق المفتوحة، مما كبح أسعار النفط العالمية.
ولم تبرز هذه الصادرات في أي أرقام رسمية، حيث تعتمد الصين “التخزين الجمركي” لتدفقات النفط “غير الرسمية” الإيرانية. ولا يُسجّل “دفع ثمن” النفط المودع في المستودعات الجمركية، ولا يظهر في وثائق الإدارة العامة للجمارك الصينية.
النفط العراقي غير الخاضع للعقوبات يُنقب عنه عبر الحدود من نفس خزانات النفط على الجانب الإيراني الخاضع للعقوبات
ويقول الخبير الاقتصادي سايمون واتكينز في تقرير نشره موقع أويل برايس الأميركي إن الكثير من هذه التدفقات غير الرسمية انبثقت من الزيادات في حقول النفط المشتركة بين إيران والعراق ليصبح من المنطقي أن يعمل البلدان على رفع هذه الزيادات بشكل كبير.
وتتعدد الحقول المشتركة بين البلدين، ومن أبرزها آزاديجان (على الجانب الإيراني)/ مجنون (على الجانب العراقي)، وآزار (إيران)/ بدرة (العراق)، ويادآوران (إيران)/ السندباد (العراق)، ونفط شهر (إيران)/ نفط خانة (العراق)، ودهلران (إيران)/ أبوغراب (العراق)، وبيدر غرب (إيران)/ حقل الفكة (العراق)، وأروند (إيران)/ جنوب أبوغراب (العراق).
وستشمل مبادرة التنمية الجديدة بين إيران والعراق تكليف شركات محلية، ترتبط جلها بالحرس الثوري الإيراني أو وكلائه العراقيين. وتكمن مهمتها في زيادة عائد استخراج النفط من الحقول المشتركة الأصغر، فيما ستتولى الشركات الروسية والصينية زمام المبادرة في الحقول الأكبر.
وترجع فكرة قصر الشركات المحلية على الحقول الأصغر في السماح لها بتطوير تقنياتها لاستخراج النفط (بمساعدة من روسيا والصين) حتى تتمكن من ضمان متوسط معدلات الاسترداد البالغة 3.5 في المئة التي بلغتها في المواقع المخصصة لها.
ووضعت شركة نفط غربية معروفة خططا قبل إعادة فرض العقوبات على إيران في 2018. وهدفت إلى زيادة معدلات الاسترداد في مجموعة من هذه الحقول الأصغر إلى أكثر من 12.5 في المئة في غضون 12 شهرا من انطلاق العمل بها (من المتوسط آنذاك البالغ 2.5 في المئة)، و20 في المئة بعد مرور السنة، ثم إلى حوالي 50 في المئة في غضون ثلاث سنوات.
وأملت وزارة النفط الإيرانية في أن زيادة قدرات الشركات المحلية الفنية ستمكنها من المشاركة المتزايدة في تطوير الحقول الأكبر، مما يمكّن طهران من خفض الخصم على النفط المبيع إلى الصين كجزء من حزم تطوير الحقول الشاملة الموقعة مع شركاتها.
ويشمل هذا الأمر الحقول الأكبر أيضا، حيث تعدّ الإمكانات المالية المحققة هائلة حتى من الزيادات الصغيرة نسبيا في معدل استخراج النفط.
و تحتوي الحقول المشتركة الغنية بالنفط في منطقة غرب كارون التي تضم حقول شمال أزاديغان وجنوب أزاديغان وشمال ياران وجنوب ياران وجنوب يادافاران، على سبيل المثال، على ما لا يقل عن 67 مليار برميل من النفط وتتمتع بمتوسط معدل استرداد يبلغ حاليا 5 في المئة فقط.
ويقارن ذلك بمتوسط معدل الاسترداد في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية الذي لا يقل عن 50 في المئة.
من يدفع فاتورة الطاقة في العراق
وقال مصدر إيراني لموقع أويل برايس إن “رقم الاحتياطيات القابلة للاسترداد يزيد بمقدار 670 مليون برميل، أو حوالي 34 مليار دولار من الإيرادات مقابل كل زيادة بنسبة 1 في المئة في متوسط معدل الاسترداد عبر غرب كارون، حتى لو كنا سنبيع فقط بسعر 50 دولارا للبرميل. ومن المتوقع أن يحقق رفع معدل الاسترداد إلى 25 في المئة عبر غرب كارون خلال فترة عقد مدتها 20 عاما، بفضل التطوير المشترك السليم، إلى إضافة 838 مليار دولار من الإيرادات لإيران”.
وأكد أن متوسط إنتاج غرب كارون النفطي يبلغ اليوم حوالي 360 ألف برميل يوميا، ويصل أحيانا إلى 380 ألف برميل يوميا، بينما لم يتجاوز 120 ألف برميل يوميا خلال 2017.
وكان الجزء الرئيسي من “اتفاقية التعاون الشامل بين إيران والصين لمدة 25 عاما” يكمن في رفع الشركات الصينية للإنتاج الجماعي من حقول غرب كارون بما لا يقل عن 500 ألف برميل في اليوم.
ولا يصعب هذا، حيث يبقى متوسط تكلفة الرفع التي تتراوح بين دولار ودولارين لكل برميل من النفط الخام في إيران نفسها وفي السعودية والعراق. لكن الشركات الصينية لم تحقق حتى الآن أي زيادات مجدية، وهو ما قد يكون سببا آخر لرغبة إيران والعراق في زيادة قدراتهما على استغلال مواردهما النفطية الهائلة.
كما كانت الحقول المشتركة بين إيران والعراق ثمينة لجهود طهران الناجحة لتجنب العقوبات النفطية من الولايات المتحدة أو أوروبا لسنوات. وغالبا ما يُنقب على النفط على الجانب العراقي غير الخاضع للعقوبات عبر الحدود من نفس خزانات النفط الذي يتواصل التنقيب عنه على الجانب الإيراني الخاضع للعقوبات. ويحدث هذا أحيانا حتى من خلال الحفر الممتد.
وحتى لو وضع الأميركيون أو الأوروبيون أو أي من المعينين الأكثر ثقة أشخاصا في كل منصة عبر كل حقل مشترك في العراق، فلن يكونوا قادرين عن معرفة ما إذا كان النفط المستخرج هو من الجانب العراقي أو من الجانب الإيراني.
من المتوقع أن يحقق رفع معدل الاسترداد إلى 25 في المئة عبر غرب كارون خلال فترة عقد مدتها 20 عاما، بفضل التطوير المشترك السليم، إلى إضافة 838 مليار دولار من الإيرادات لإيران
ومكّن هذا من نسبة النفط الإيراني إلى العراق وشحنه إلى أي مكان مطلوب في العالم على امتداد عقود.
وأضيفت طبقات أخرى من التعقيد لزيادة التعتيم على الأصل الحقيقي للنفط المصدّر. وتشمل الطرق البسيطة والفعالة إيقاف تشغيل جهاز الإرسال والاستقبال الذي تعتمده أنظمة التعرف التلقائي في السفينة، مما يُصعّب تتبعها.
وتقتصر طريقة أخرى على الكذب بشأن الوجهة النهائية للسفينة في وثائق الشحن وفي خطة الرحلة.
واعترف وزير النفط السابق بيجن زنغنه علنا بهذا الإجراء القياسي لتجنب العقوبات الإيرانية في 2020.
وقال “ليس ما نصدره باسم إيران. تتغير الوثائق والمواصفات أكثر من مرة”. كما تعدّ عمليات النقل البحرية في المياه الإقليمية الماليزية والإندونيسية طريقة شائعة أخرى لنقل النفط الإيراني إلى الصين.
وصرّح وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، خلال فعاليات منتدى الدوحة في ديسمبر 2018، بأنه “إذا كان هناك فن تتقنه إيران ويمكن أن تعلّمه للآخرين بمقابل مادي، فسيكون فن التهرب من العقوبات”.
وبعد الاجتماع الأخير بين وزير النفط الإيراني جواد أوجي، ونظيره العراقي حيان عبدالغني، سيتسارع تطوير حقول النفط المشتركة، مع عقد المزيد من الاجتماعات المقررة خلال الشهر المقبل لتكليف الشركات المحلية الفردية بمنح جوائز جديدة للقيام بذلك.
وذكر المصدر الإيراني أن هذه المناقشات ستشمل وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل الطبيعية مثل مواصلة تطوير البنية التحتية المطلوبة، وطرق نقل الأموال المرتبطة بهذه التطويرات، وكيفية تسييل الغاز المنتج في حقول النفط.
العرب