نشر دانيال كورتزر، سفير الولايات المتحدة الأسبق لدى إسرائيل (بين الأعوام 2001 ـ 2005) مقالة في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بعنوان: «على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا… الآن» معتبرا موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الغاضب من تمرير واشنطن لقرار مجلس الأمن الأخير الذي يطالب بوقف إطلاق النار في غزة، تكثيفا لسلوك الحكومة الإسرائيلية «المربك» ضد «البيت الأبيض».
قدّمت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن دعما غير مسبوق لإسرائيل، فأمنت لآلتها العسكرية الأسلحة والذخائر بشكل لم يتوقف، كما قدّمت الدعم السياسي المستمر حتى في داخل المعارضة المتزايدة داخل الحزب الديمقراطي، وفي الجامعات، وضمن الرأي العام الأمريكي.
مقابل مد «خط الحياة» العسكري والسياسي لصالح إسرائيل، توقعت إدارة بايدن أن تتصرّف حكومة نتنياهو بشكل لا يضرّ بمصالح واشنطن وسمعتها الدولية، أو تؤثر في حظوظ إعادة انتخاب بايدن للرئاسة مجددا، وعليه فقد أطلق الرئيس الأمريكي تصريحات تنتقد تصرفات نتنياهو في غزة، وتعتبر أنها تضر بإسرائيل أكثر من مساعدتها، كما أطلقت الإدارة الأمريكية «مناشدات» تطالب تل أبيب بتخفيف عواقب هجماتها العسكرية على المدنيين، وضمان توفير المساعدات الإنسانية المطلوبة بشدة، كما قدّمت نصائح تحذّر تل أبيب من العزلة الدولية المتنامية الخ.
واجهت الحكومة ـ الإسرائيلية هذه المناشدات و«النصائح» بأشكال من الازدراء والاحتقار، وهو ما دفع كامالا هاريس، نائبة بايدن، لتحذير إسرائيل من «العواقب» في حال اجتاحت رفح، كما قام تشاك شومر، زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب، وأرفع شخصية يهودية فيه، للهجوم المباشر على نتنياهو معتبرا إياه «عقبة رئيسية أمام السلام» ومطالبا بإجراء انتخابات جديدة في إسرائيل، وهي سابقة هائلة في الكونغرس، الذي يتبدى، على مدى عقود، أن نفوذ إسرائيل فيه أكبر من نفوذ الرؤساء الأمريكيين أنفسهم، وهو ما أحرج «لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية» (أيباك) ذراع الضغط الهائل لإسرائيل في أمريكا، بحيث تعمدت عدم ذكر اسم شومر في الرد عليه، وبمجرد التشديد على سيادة إسرائيل وإلقاء اللوم على «حماس» في الصراع الحالي، أما نتنياهو فرد قائلا: نحن لسنا جمهورية موز!
رغم أن قرار مجلس الأمن الأخير، لم يختلف كثيرا في صياغته عن مشروع القرار الأمريكي الذي يطالب بوقف إطلاق نار لمدة محدودة، وبالإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن، ورغم أن الإدارة الأمريكية أعلنت أكثر من مرة أنها ليست ضد اجتياح إسرائيل لرفح، ولكنها تشترط «وجود خطة للمدنيين» فقد صعّد نتنياهو المواجهة مع بايدن وأعلن إلغاء زيارة الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن.
أكدت مصادر عديدة، أمس، أن الاجتماعات الأخيرة بين وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، وكبار المسؤولين في «البيت الأبيض» «لم تركز على منع» العملية العسكرية الإسرائيلية المزمعة في رفح، وهي بالتالي تعكس تغيرا في موقف واشنطن، ورغم الحديث الأمريكي المتواصل عن «حماية المدنيين الفلسطينيين» فإن الطرفين اتفقا على «ضرورة طرد حماس من رفح».
ما يعنيه هذا الكلام، حتى يثبت العكس، أن الإدارة الأمريكية هي التي انصاعت «الآن» وليس ما اقترحه سفير واشنطن الأسبق في إسرائيل.