أسقطت الدفاعات الجوية في قاعدة التحالف الدولي في منطقة رميلان بريف الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية طائرة مسيّرة، في ما قد يكون مؤشراً على انهيار تفاهم غير معلن بين الأميركيين والإيرانيين على وضع حد للتوتر والاستهداف المتبادل في شرقي سورية، والذي زادت وتيرته منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن المسيّرة اقتربت الأربعاء الماضي من القاعدة قبل أن تسقطها الدفاعات الجوية التابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، مشيراً إلى ان المسيّرة أطلقتها مليشيات إيرانية.
وجاءت محاولة استهداف القاعدة الأميركية بعد يوم واحد من أوسع هجوم على الوجود العسكري الإيراني في محافظة دير الزور شرقي سورية، حيث هاجمت طائرات، رجّحت العديد من المصادر، أنها إسرائيلية، مواقع عدة للمليشيات الإيرانية في مدن دير الزور والميادين والبوكمال، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من عناصر هذه المليشيات.
عبد السلام عبد الرزاق: الهجوم بمسيرة ربما هو محاولة رد من قبل الإيرانيين على استهداف وقتل قادة بالحرس الثوري
وأقرّ الحرس الثوري الإيراني بمقتل عنصر واحد من “فيلق القدس”، في هذه الضربات. وأضاف الحرس، في بيان نشرته وكالات أنباء إيرانية، أن العسكري الإيراني القتيل هو الضابط بهروز واحدي من سكان مدينة كرج في محافظة ألبرز غربي طهران.
من جهتها، أكدت وزارة الدفاع في حكومة النظام، في بيان، مقتل 7 عسكريين ومدني في الهجوم الذي حمّلت القوات الأميركية المسؤولية عنه. وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه أسفر عن مقتل واصابة نحو 30 شخصاً، من بينهم 8 من الحرس الثوري الإيراني.سورية ميدان تبادل للرسائل
وكانت المليشيات الإيرانية أوقفت استهداف قواعد التحالف الدولي في شرق وشمال شرقي سورية منذ فبراير/شباط الماضي، في هدنة غير معلنة كما يبدو بين واشنطن وطهران، اللتين لطالما اتخذتا من الشرق السوري ميدان تبادل للرسائل من خلال القصف المتبادل.وكان توتر وتصعيد بدأ بين الإيرانيين والأميركيين في شرقي سورية بعد بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث نشطت ما تسمى بـ”المقاومة الإسلامية” في العراق، في شن هجمات بطائرات مسيّرة على قواعد تابعة للتحالف في شرقي سورية في ريفي دير الزور والحسكة.
كما استهدفت أكثر من مرة قاعدة “التنف” الواقعة في المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي. ويوم 28 يناير/كانون الثاني الماضي تبنّت هجوماً استهدف “قاعدة البرج 22” التي تؤوي قوات أميركية شمال شرقي الأردن، ما أدى إلى مقتل 3 جنود أميركيين. ورداً على الهجوم استهدف الأميركيون بعد أيام عشرات الأهداف والمواقع الإيرانية في كل من العراق وسورية.
وتعليقاً على استهداف قاعدة رميلان الأربعاء الماضي من قبل مسيّرة يُعتقد أنها تابعة لمليشيات موالية للحرس الثوري الإيراني، رأى المحلل العسكري النقيب عبد السلام عبد الرزاق، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الهجوم “ربما هو محاولة رد من قبل الإيرانيين على استهداف وقتل القادة في الحرس الثوري منذ يومين في الضربات التي حدثت في محافظة دير الزور شرقي سورية”.
تحركات المليشيات مضبوطة
وبرأيه فإن “إيران تريد من كل ذلك الضغط بورقة المليشيات لتحقيق مكاسب سياسية، لكن هذه التحركات مضبوطة ولا تشكل أي تهديد عسكري”.
وفي السياق نفسه، رأى المحلل العسكري في مركز “جسور” للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “التحركات الإيرانية سواء العسكرية أم السياسية -سواء اتفقنا أو اختلفنا معها- تتميز بالقدرة على امتصاص الصدمات للمحافظة على الدرجة التي وصلت إليها في تحقيق مشروعها في البلدان العربية”.
واعتبر أن طهران “تستفيد من برودة الرد الأميركي على تجاوزاتها، وعدم تناسبه مع نفوذها واعتداءاتها. وما جرى بعد استهداف البرج 22 في الأردن في يناير الماضي دليل واضح على ذلك”.
وبرأيه فإن “استهداف قاعدة رميلان في ريف الحسكة التي تضم مهبطاً للطيران هو تأكيد عملي لما تم كشفه أخيراً من قبل وسائل إعلام غربية من أن النظام الإيراني أمر مليشياته في المنطقة بخفض هجماتها على أهداف أميركية من أجل تجنب اندلاع حرب مفتوحة مع واشنطن”.
رشيد حوراني: طهران تستفيد من برودة الرد الأميركي على تجاوزاتها
وكانت وسائل إعلام أميركية أكدت، في مارس/آذار الماضي، إجراء محادثات بين الأميركيين والإيرانيين بشكل غير مباشر في العاصمة العمانية مسقط، في سياق مساع لمنع صراع واسع النطاق في الشرق الأوسط. ويبدو أن تفاهمات جرت بين الجانبين لإنهاء التصعيد المتبادل في سورية والعراق.
ولكن الهجوم الواسع الذي جرى منتصف ليل الاثنين الثلاثاء على مقرات المليشيات الإيرانية في دير الزور ربما فتح الباب أمام تصعيد جديد في الشرق السوري، حيث يتمركز الأميركيون حول آبار وحقول النفط والغاز في ريفي دير الزور والحسكة، ويفصلهم نهر الفرات عن المليشيات المدعومة من إيران، والتي تسيطر على ريف دير الزور جنوب نهر الفرات ما بين الميادين والبوكمال.
كما تسيطر المليشيات الإيرانية على عدة قرى شمال نهر الفرات، تتخذ منها منصات لإطلاق الصواريخ على قاعدتي العمر وكونيكو في ريف دير الزور كلما اشتد التوتر بين طهران وواشنطن حول العديد من الملفات.
لكن التوتر بين الطرفين في الشرق السوري لم ينزلق إلى صراع عسكري مفتوح، حيث يبدو أنهما حريصان على ضبطه ضمن حدود يمكن السيطرة عليها. وتشير المعطيات الميدانية إلى أن الجانب الأميركي لا يريد القضاء على الوجود الإيراني في الشرق السوري بقدر ما يريد إبقاءه ضمن الحدود المسموح بها، فالإيرانيون يعززون حضورهم العسكري والثقافي والديني في محافظة دير الزور غير مكترثين بالتهديد الأميركي لهم.