عندما اندلعت عملية “طوفان الأقصى” سارعت إيران إلى التبرؤ منها، إلا أنه نظراً إلى اعتياد طهران توظيف الأوضاع الإقليمية لخدمة مصالحها الاستراتيجية سعت مع تطور الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى تحقيق ثلاثة أهداف إقليمية تزامناً معاً، أولها الحفاظ على قوة الردع ضد أي هجوم أميركي – إسرائيلي مباشر محتمل. وثانيها زيادة كلفة الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة على الولايات المتحدة وإسرائيل مع تجنب صراع إقليمي تنجر إليه إيران، وثالثها الحفاظ على تماسك محور المقاومة في مواجهة الضربات الأميركية والإسرائيلية.
لذا سعت إيران إلى رفع كلفة الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة على كل من الولايات المتحدة وإسرائيل عبر تصعيد الجبهات المرتبطة بالحوثيين في البحر الأحمر للضغط على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وكذلك عبر الجبهة اللبنانية عبر “حزب الله”.
وفى وقت انخرطت فيه دول عربية في جهود دبلوماسية مكوكية لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية، فضلاً عن جهود الوساطة بين “حماس” وإسرائيل، تمركز الدور الإيراني حول تصعيد بؤر المواجهات الإقليمية، على أن تتدخل في التوقيت الذي يضفى صبغة إيرانية وكأنها لعبت دوراً في حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
لا شك أن الطرف الفلسطيني الذي ارتبط بدور إيران الإقليمي هو ما منح طهران تلك الفرصة، يتجلى ذلك من خلال زيارة إسماعيل هنية لطهران بعد أن سمحت الولايات المتحدة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتمرير قرار لوقف إطلاق النار في غزة.
وقامت إيران بدورها بتأكيد دعمها لـ”حماس” وعقدت الاجتماعات في طهران في وقت احتفل فيه المسؤولون الإيرانيون بلحظة انتصار الحركة، واستقبل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان رئيس مكتبها السياسي في الدوحة إسماعيل هنية.
وأعلن المرشد علي خامنئي خلال الاجتماع مع إسماعيل هنية، أن إيران لن تتردد في دعم الفلسطينيين، وأشاد بما يسمى “محور المقاومة”.
وعقد اجتماع طهران بعد يوم واحد من تصويت مجلس الأمن على الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، ولم يتم إقرار القرار إلا بعد أن غيرت الولايات المتحدة مسارها السابق وقررت عدم استخدام حق النقض لمنع هذه الخطوة.
واحتفت إيران بالقرار معتبرة أنه انتصار دبلوماسي، وقالت وزارة خارجيتها إن “غضب إسرائيل من القرار يدل على الهزيمة التي لا يمكن إصلاحها التي منيت بها في ساحة المعركة وعلى الساحة الدولية والسياسية”.
ودعم إسماعيل هنية الدور الدعائي الإيراني، قائلاً إن طهران تقف على خط المواجهة للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وذلك خلال كلمته في مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الإيراني.
علاقة الراعي والعملاء هي أدق ما يصف الموقف الإيراني في حرب غزة الجارية وكثير من المواجهات الإقليمية الأكثر تعقيداً في الشرق الأوسط، ولن تتخلى إيران عن دعم الوكلاء الإقليميين التي تعد ركيزة في استراتيجيتها الإقليمية، وستظل تلك الجماعات تتعامل مع الحاضنة الإيرانية المسماة بمحور المقاومة.