هل تقتضي «الحضارة الغربية» إبادة الفلسطينيين؟

هل تقتضي «الحضارة الغربية» إبادة الفلسطينيين؟

في مقال له في صحيفة «تابلويد» إنكليزية، اعتبر بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق أن حظر الأسلحة لإسرائيل يساوي «موت الحضارة الغربية».
مقال جونسون جاء في سياق الرد على الضغط المتزايد على حكومة ريشي سوناك بعد أن قدّم محامو وزارة الخارجية استشارة قانونية تؤكد (كما يبدو من امتناع الحكومة عن نشرها) أن ممارسات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة تخترق القانون الدولي.
ترافق ذلك مع ما سمّاه جونسون بانتشار «مرض» تأييد الدعوة لحظر بريطاني على تصدير الأسلحة لتل أبيب ضمن أعضاء مجلس النواب، والرئيس السابق لجهاز الأمن الخارجي MI6، وبعض قضاة المحكمة العليا السابقين، وحوالى 800 محام الذين طالبوا الحكومة بحظر السلاح إلى إسرائيل.
استشعر اللوبي الإسرائيلي ـ البريطاني خطورة هذا الاتجاه وردّ عليه بإعلان توقيع 1000 محام على عريضة تدعو لاستمرار بريطانيا في تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وهو الرقم نفسه الذي جمعه اللوبي الأمريكي ـ الإسرائيلي ضمن أوساط العاملين في هوليوود في محاولة للرد على الهزة التي أحدثتها تصريحات المخرج البريطاني جوناثان غليزر الرافضة لما تفعله إسرائيل في غزة خلال خطاب فوزه بجائزة الأوسكار عن فيلم يدور حول «الهولوكوست» بالقول: «نقف أمامكم كرجال يهود يرفضون اختطاف يهوديتهم والمحرقة من قبل احتلال، مما أدى إلى صراع (طال) الكثير من الأبرياء».
يعيد سعي اللوبيات الإسرائيلية المحموم لإطلاق عرائض داعمة لإسرائيل تنتظم تحت الرقم 1000 مجددا إلى الطريقة اللاهوتية في التفكير، وهو لا يختلف بالأساس عن هذيان جونسون وبجاحته في الحديث عن «جنون» الحكومة البريطانية لأنها تأثرت بمقتل أكثر من 33 ألف شخص في حرب الإبادة الجارية في غزة، أو في مقاربته البائسة للجمع بين وقف التطهير العرقي للفلسطينيين و«موت الحضارة الغربية».
يتجاهل جونسون عمدا، مفارقة وجود إسرائيل، التي هي ممثلة «الحضارة الغربية» حسب رأيه، في جغرافيا خارج أوروبا.
يمكن طبعا ملاحقة «أوروبية» إسرائيل بأكثر من طريقة، يؤدي جميعها إلى نتائج لا يمكن قبولها بقياسات الحضارة والأخلاق والسياسة والتاريخ. اهم عناصر أوروبية إسرائيل طبعا هي «المحرقة» النازية لليهود، وهو أمر يفسّر «عقدة الذنب» الألمانية المستمرة تجاه اليهود، لكنّه لا يفسّر لماذا لم تتبرّع المانيا، أو بريطانيا، أو الولايات المتحدة بأراضيها لاحتضان «الغربيين» لليهود الغربيين المضطهدين؟ ولماذا كان على الفلسطينيين، والعرب، أن يدفعوا ثمن كارثة كان الغرب مسؤولا عنها؟
يناقش أحد أساتذة التاريخ الأمريكيين المحترمين، روي كاساغراندا، هذه الخيارات الآنفة بالقول إنه عندما يُطرح حل المسألة اليهودية في أوروبا بهذا الشكل تصبح غير مرغوبة لدى الغربيين، رغم أن أغلب يهود إسرائيل هم من أمريكا أو المانيا، مشيرا أن اللغة اليديشية هي لغة ألمانية مع بعض الكلمات العبرية، وأن الفلسطينيين هم، من الناحية الجينية، هم الأحفاد لمن سكنوا في هذه المنطقة، بغض النظر عن دياناتهم اللاحقة، وهو ما لا ينطبق على من هجروا أوروبا، بفعل الدعوة الصهيونية، وتمكنوا من تأسيس الدولة العبرية بالقوة.
يستلهم جونسون في بجاحاته المستجدة عن «الحضارة الغربية» إرث ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية (وقبلها وزير المستعمرات) الذي قال تعليقا على أسئلة حول حقوق العرب الفلسطينيين بأنه لا يقر «بأن الكلب في المذود يمتلك الحق الختامي في المذود» ما دام يمكن استبداله بـ«عرق أرفع درجة». «الحضارة الغربية» ضمن هذا التفكير، هي «حضارة» العرق المتفوق الأبيض الذي يحق له استعمار أي موقع على الأرض وإبادة سكانه الأصليين.