يتوقع الكثير من المراقبين أن يشكل مشروع خط أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا محطة مهمة في مسار التنمية بالقارة الأفريقية، وأن يساهم في تحقيق مكاسب اقتصادية هامة وتسهيل الاندماج القاري.
الرباط – يواصل المغرب جهوده لدفع مشروع أنابيب خط الغاز مع نيجيريا نحو التنفيذ على أرض الواقع، مُعتمدا في ذلك على مقاربة اقتصادية تركز على تحسين الأوضاع الاقتصادية للدول الأفريقية ذات الدخول المتوسطة التي سيمر بها المشروع، وذلك في إطار تعظيم المكاسب الاقتصادية لهذه الدول وفق مبدأ “الكل رابح”؛ إذ ستكون له آثار إيجابية على اقتصادات الدول المشاركة فيه، ورغم ذلك لا يمكن التقليل من أثر التحديات والصعوبات المختلفة التي قد تعرقل عملية تنفيذه، أو على أقل تقدير تأخير تنفيذه.
وصرّح رئيس شركة البترول الوطنية النيجيرية المحدودة (NNPC LTD) ميلي كياري، خلال مشاركته في مؤتمر (CERAWeek) بمدينة هيوستن الأميركية، في 20 مارس 2024، بأنه سيتم الحصول على تمويل التنمية في المشروع العملاق “خط أنابيب الغاز المغرب – نيجيريا” في شهر ديسمبر 2024، وأن المشروع قد أحرز تقدماً كبيراً مُتجاوزاً مرحلة التخطيط.
وجاءت هذه التصريحات عقب إعلان المكتب الوطني المغاربي للمحروقات والمناجم، عن تأسيس شركة للإشراف على تمويل وبناء هذا المشروع الذي ستبلغ سعته حوالي 30 مليار متر مكعب، كما ستبلغ تكلفته حوالي 25 مليار دولار، بطول يصل إلى حوالي 6 آلاف كم؛ إذ سيمر بين 13 دولة (نيجيريا – بنين – توغو – غانا – ساحل العاج – ليبيريا – سيراليون – غينيا – غينيا بيساو – غامبيا – السنغال – موريتانيا – المغرب) وتأكيده أيضاً أن القرار النهائي للاستثمار في هذا المشروع سيكون في نفس التوقيت أو مع بداية عام 2025، وعند اكتماله سيكون أطول خط أنابيب بحري في العالم.
وجاء في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن المفاوضات والاجتماعات المُكثّفة التي يعقدها المسؤولون المغاربة والنيجيريون، تعكس اهتماماً غير مسبوق من كلتا الدولتين بتنفيذ المشروع الجديد، إذ كان الهدف من هذه المفاوضات والاجتماعات المكثفة هو تسريع عملية التوصل إلى قرار نهائي بشأن الاستثمار في خط أنابيب الغاز الجديد، وهو ما يتماشى مع ما إعلان العاهل المغربي الملك محمد السادس، أن هذا المشروع على رأس الأولويات بالنسبة لبلاده، والتي سيتم تنفيذها خلال الفترة المقبلة؛ إذ أكّد أنه سيؤتي ثماره من خلال توريد الغاز للدول الأوروبية في ظل نقص إمدادات الغاز الروسية لها.
ويقود المغرب مُبادرة لإنشاء إطار مؤسسي يجمع الدول الأفريقية الأطلسية بقيادة مغربية؛ بشكل يساعد على تنفيذ هذا المشروع؛ إذ أعلن المغرب أنه سيمثل رافعة إستراتيجية للاندماج الإقليمي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب أفريقيا، وهو ما دفع دولاً أفريقية للانضمام لهذا المشروع كان آخرها: ليبيريا وبنين وساحل العاج وغينيا في يونيو 2023، وقبل ذلك أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيداو” توقيع مُذكرة تفاهم مع المغرب ونيجيريا؛ لتأكيد الالتزام المشترك بتنفيذ المشروع، وقبلها انضمت كل من موريتانيا والسنغال، وتهدف المغرب من هذه المبادرة لتعزيز دورها في سوق الطاقة؛ من خلال فتح أسواق جديدة للغاز في غرب أفريقيا، والتحول لمركز إقليمي لنقل الغاز الأفريقي إلى أوروبا؛ ومن ثم تعزيز مكاسبها الاقتصادية.
وأعلنت نيجيريا التي تمتلك فائضاً كبيراً من الغاز الطبيعي، أهمية توفير إمدادات الطاقة من الغاز الطبيعي لمعظم الدول الأفريقية جنوب الصحراء التي لا يحصل 70 في المئة من سكانها على وقود الطهي النظيف؛ إذ وصل إنتاج الغاز الطبيعي في نيجيريا مؤخراً إلى حوالي 1.7 مليون برميل يومياً بدلاً من أقل من مليون برميل يومياً عام 2022، كما أن نيجيريا تعمل على بناء عدد من الخطوط الرئيسية والبنية التحتية الأخرى للغاز الطبيعي داخل أراضيها؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي منه في الأسواق المحلية؛ ثم تصدير الفائض ليصل إلى تلك الدول الأفريقية التي تعاني نقصاً في إمدادات الطاقة وخاصة الدول التي سيعبر منها المشروع الجديد، كما سيضمن المشروع إمداد 3 دول ساحلية تنتمي لمجموعة دول غرب أفريقيا الاقتصادية “سيداو” وهي: مالي والنيجر وبوركينا فاسو بالغاز الطبيعي، وبالتالي هناك دافع كبير لدى الدول الإفريقية لتنفيذ هذا المشروع لتعظيم مكاسبها الاقتصادية في المقام الأول من خلال سد الفجوة الكبيرة في التحول الراهن في مجال الطاقة، وفي هذا الاطار أكد إكبيريكبي إيكبو، وزير الدولة النيجيري للموارد النفطية ضمان بلاده استمرار تدفق الإمدادات لمشروع الغاز الجديد بمجرد تشغيله؛ إذ تملك نيجيريا احتياطياً من الغاز الطبيعي يبلغ حوالي 209 تريليونات قدم مكعب.
◙ المغرب يقود مُبادرة لإنشاء إطار مؤسسي يجمع الدول الأفريقية الأطلسية بقيادة مغربية بشكل يساعد على تنفيذ هذا المشروع
ورغم الحديث عن أهمية مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب ومنها للدول الأوروبية، والفرص المتاحة لتنفيذ هذا المشروع، إلا أن هناك عدداً من التحديات المختلفة التي قد تقف حائلاً دون إتمامه على أرض الواقع، أو على أقل تقدير تأخير موعد تنفيذه وفقاً للخطط الموضوعة .
وتعاني دول هذه المنطقة من تفاقم الأوضاع الأمنية، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى عدم استقرار الأنظمة السياسية الانتقالية التي أصبحت على رأس السلطة في دول الانقلابات، وخاصة في مالي وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر، وعدم قدرتها على تحقيق الاستقرار السياسي المنشود، هذا إلى جانب ضعف القدرات الأمنية والعسكرية المطلوبة لوضع حد للأنشطة الإرهابية التي تواجه بلدانها وتهدد أمنها القومي.
وتمثل العقبات الأمنية المرتبطة بالتهديدات والمخاطر الأمنية المترتبة على تصاعد أنشطة بعض التنظيمات الإرهابية مثل: داعش والقاعدة في منطقة الساحل والصحراء وتحديداً في منطقة دلتا النيجر، وتنظيم بوكو حرام في نيجيريا، تحدياً أمنياً كبيراً أمام تنفيذ هذا المشروع، فمن المُحتمل أن تصبح بنيته التحتية هدفاً مثالياً لهذه التنظيمات التي قد تستهدف الأمن القومي لبعض الدول التي تنشط فيها وخاصة في دول منطقة الساحل والصحراء.
وهناك مخاوف بشأن التداعيات المترتبة على اشتراك 13 دولة في هذا المشروع، وما قد يترتب على ذلك من مشكلات تجارية واقتصادية، نظراً لكثرة عدد الدول؛ إذ يرى خبراء الاقتصاد أنه كلما قل عدد الدول كلما قلت المشكلات التجارية المحتملة بينها، والتي تنشأ نتيجة عدم قدرة بعض الدول على سداد التزاماتها المالية في هذا المشروع فيما يخص إنشاء البنية التحتية والحصول على الغاز الطبيعي.
ويُشير بعض الخبراء إلى أن هذا المشروع قد يترتب عليه عدد من المشكلات البيئية بسبب عبور خط أنابيب الغاز من خلال شواطئ المحيط الأطلسي، وهو ما قد تترتب عليه مشكلات بيئية خطرة؛ الأمر الذي سيثير موقف نشطاء البيئة والمنظمات الإقليمية والدولية العاملة في مجال الحفاظ على البيئة البحرية، خاصة وأن هناك اتفاقيات دولية خاصة بحماية الموارد البيئية والأحياء المائية.
العرب