الهجرة تدفع أوروبا للانخراط السياسي في الحرب السودانية

الهجرة تدفع أوروبا للانخراط السياسي في الحرب السودانية

الخرطوم – تخلى الاتحاد الأوروبي عن مواقفه المتباعدة من الحرب في السودان وقرر توسيع نطاق الانخراط السياسي للضغط على الأطراف المتصارعة لإنهاء القتال وتحسين الأوضاع الإنسانية التي تشكل تهديداً لبعض الدول الأوروبية كأحد أوجه تفاقم مشكلة الهجرة غير الشرعية، وسط مخاوف من امتداد الصراع لدول أخرى تعاني من هشاشة وتشكل أهمية جيوستراتيجية للغرب.

وتستضيف باريس، الاثنين، اجتماعاً يتناول الأوضاع في السودان على الصعيدين السياسي والإنساني، تنظمه فرنسا وألمانيا بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بالتزامن مع حلول الذكرى السنوية الأولى للصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل من العام الماضي.

وينطوي المؤتمر على التزام بتمويل الاستجابة الدولية للحاجات الإنسانية للسودان، وإحراز تقدم في ضمان وصول المساعدات بلا عوائق، والنقاش حول ضرورة ألا يطغى عدم الاستقرار في النظام الدولي على أزمات مؤثرة، مثل السودان.

ويشكل المؤتمر الذي ينعقد في غياب طرفي الصراع (الجيش وقوات الدعم السريع) مقدمة لخطوات أكثر حسمًا في التعامل مع أسباب استمرار الحرب بعد أن ترجمت دوائر سودانية حياد الاتحاد الأوروبي وتراجع اهتمامه بالصراع على أنه نوع من “قلة الحيلة” في التعامل معه، في حين أنه يملك أدوات ضغط مهمة.

وتتمتع بعض دول الاتحاد الأوروبي بعلاقات قوية مع قوات الدعم السريع التي لعبت في السابق دورا مهما في الحد من الهجرة غير الشرعية، ولهذه الدول أيضا مصالح مع الجيش تجبرها على التفاهم معه لتضييق الخناق على تمدد روسيا.

واعترضت الخارجية السودانية على انعقاد المؤتمر من دون التشاور معها، ورأت أن هناك مسارات جديدة للضغط على الجيش من البوابة الأوروبية، ورغم أن غياب التنسيق قد يقوض القدرة على وصول المساعدات إلى الملايين من المدنيين، إلا أنه يمنح إشارة قوية على أن وقف الحرب ليس ترفًا بالنسبة إلى دول أوروبية ترى أن أمنها يتعرض لتهديد مباشر عقب دخول الحرب عامها الثاني.

وانتقدت وزارة الخارجية السودانية الحكومة الفرنسية لاستضافتها المؤتمر قائلة “إن سلوكها يمثل استخفافا بالغا بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وبمبدأ سيادة الدول”. ويضيّق انخراط الاتحاد الأوروبي في الأزمة السودانية الخناق على استمرار الحرب، وحال كانت هناك عقوبات رادعة أو ضغوط قوية على الجيش الذي يستقوي بالأسلحة الإيرانية ويعول عليها في حسم الحرب لصالحه، ومن شأن ذلك الدفع نحو منح فرصة للحل السياسي لاحقا.

كما أن قوات الدعم السريع تبدو أكثر تجاوبًا مع المبادرات والضغوط الأوروبية، بما يمهد للمزيد من آليات التنسيق والتعامل لأجل التعامل مع ملف الهجرة غير الشرعية. وتعهد الاتحاد الأوروبي، الجمعة، بمحاسبة جميع الجهات المسؤولة عن ارتكاب انتهاكات في السودان، مشدداً على استعداده لمواصلة استخدام كل ما لديه لإنهاء الصراع، وعدم عرقلة وصول المساعدات إلى أهدافها، ووقف الإفلات من العقاب.

وقال الاتحاد الأوروبي إنه “سيبذل قصارى جهده بالتعاون مع الجهات الدولية لتحديد جميع الجهات المسؤولة ومحاسبتها على الفظائع التي ارتكبتها وما زالت ترتكبها”، وجدد نداءه لكل الأطراف بوقف فوري ودائم لإطلاق النار وإنشاء آليات للمراقبة. وحذر عضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي أحمد خليل من المخاطر التي تسببها هشاشة الأوضاع في المنطقة الجغرافية التي يتواجد فيها السودان في شرق أفريقيا وجنوب الصحراء، ونشاط عمليات تجارة البشر عقب اندلاع الحرب.

وذكر لـ”العرب” أن الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وقوات الدعم السريع بإشراف الحكومة السودانية لوقف عمليات الهجرة لم يعد قادراً على الصمود بعد أربع سنوات استطاع فيها الحد من عمليات تهريب البشر، وهو أحد أبرز الدوافع التي دفعت الدول الأوروبية للتحرك، حيث لم تكن لها تدخلات قوية لوقف الحرب سابقا.

وأوضح أن بعض الدول الغربية تخشى من تسلل المهاجرين غير الشرعيين إليها، وتضع في حسبانها احتمال وصول عناصر متطرفة ممن قبعت في السجون وتحفظت عليها الحكومة السودانية، وبات الكثيرون منهم طلقاء بعد اندلاع الحرب وانتشار الفوضى، ولذلك فخطر الإرهاب من المحفزات المهمة لفهم التحرك الحالي.

◙ مواقف الاتحاد الأوروبي الضاغطة تخدم تكوين رأي عام عالمي يسعى لإنهاء الحرب العبثية في السودان

وأشار أحمد خليل إلى أن التهديد بتوقيع المزيد من العقوبات على الطرفين خطوة إيجابية، تصب في صالح الضغط باتجاه تحقيق السلام، وأن السودانيين ينتظرون مزيداً من التصرفات التي يمكن لدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة القيام بها.

وقال فيليبو غراندي مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين قبل أيام إن اللاجئين السودانيين قد يتوجهون إلى أوروبا حال عدم توفير مساعدات كافية للسكان، لافتا إلى أن الأزمة الإنسانية ربما تدفع يائسين للفرار إلى ما هو أبعد من الدول المجاورة للسودان التي لجأ إليها فعلا نحو مليوني شخص. وأظهرت إحصاءات نشرتها المفوضية تزايد انتقال أعداد من اللاجئين السودانيين إلى دول أوروبا، حيث وصل حوالي ستة آلاف إلى إيطاليا قادمين من تونس وليبيا.

وأشار القيادي بقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي المعز حضرة إلى أن مخاوف الاتحاد الأوروبي من الهجرة غير الشرعية تأتي ضمن مجموعة عوامل أخرى تبرر تحركه الآن، بينها الموقف الأخلاقي للدول الغربية كصمام أمان للدفاع عن القضايا الإنسانية من دون أن يكون ذلك مرتبطا بمصالح مباشرة لها، ويتذكر السودانيون أن دول الاتحاد أول من أيدت الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير، وقدمت دعمًا مهمًا لحكومة الثورة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مواقف الاتحاد الأوروبي الضاغطة تخدم تكوين رأي عام عالمي يسعى لإنهاء الحرب العبثية، وأن تحريك آليات المنظمات الدولية المهتمة بأوضاع حقوق الإنسان واتخاذ المزيد من الإجراءات تحت مظلة مجلس حقوق الإنسان العالمي هي خطوات تدعم الضغوط الرامية لوقف الحرب.

وفرض الاتحاد الأوروبي في يناير الماضي عقوبات على ست شركات ساعدت في تمويل الجيش وقوات الدعم السريع، وتعمل منظمات تابعة للاتحاد على تقديم الدعم الإنساني والسياسي لجهات سودانية تقوم بتقديم المساعدات وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية المتفاقمة، وتنسق مع غرف الطوارئ في بعض الولايات لدعم الأبرياء فيها.

العرب