رغم توصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق تاريخي بين أعضائه لإدخال إصلاحات واسعة على نظام الهجرة واللجوء، لا يزال الاتفاق يواجه معارضة. ويعول اليمين المتطرف على انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو القادم لإلغاء الإصلاحات وهو سيناريو يقول مراقبون إنه ممكن.
بروكسل – بعد قرابة عقد من المفاوضات، وافق البرلمان الأوروبي في نهاية المطاف على إدخال إصلاحات واسعة لقوانين الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي، والتي تشمل ضوابط حدودية أكثر صرامة، والمزيد من مشاركة الأعباء بين الدول الأعضاء. ورغم ذلك، لا يزال الاتفاق يواجه معارضة من تياري اليمين واليسار، خاصة في وسط وشرق أوروبا.
وتبنى البرلمان الأوروبي الأربعاء الماضي إصلاحات واسعة لقوانين الهجرة واللجوء الخاصة بالتكتل، من أجل تعزيز الإجراءات على الحدود وتعزيز مشاركة الأعباء بين الدول الأعضاء السبع والعشرين في التكتل.
ويضم “اتفاق الهجرة واللجوء” الجديد عشرة قوانين تمت صياغتها بعد مفاوضات استمرت سنوات، وهو يهدف إلى دفع دول الاتحاد الأوروبي التي تختلف أولوياتها الوطنية، إلى التحرك معا في قضايا الهجرة، استنادا إلى قواعد مشتركة. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين إن الإصلاحات سوف“تكفل أمن الحدود الأوروبية”، وفي الوقت نفسه “تضمن حماية الحقوق الأساسية” للمهاجرين.
بحسب النظام الجديد، ستحتجز المراكز الحدودية المهاجرين، بينما يتم فحص طلباتهم مع تسريع وتيرة الترحيل
وجرى تمرير عشرة نصوص قانونية الأربعاء الماضي، جاءت الموافقة على العديد منها بهامش ضئيل، وسط معارضة للإصلاحات من اليمينيين واليساريين. وعلى سبيل المثال، تم اعتماد آلية أزمات مواجهة أي تدفق غير متوقع للمهاجرين، وذلك بأغلبية 301 صوتا، مقابل 272 صوتا، وامتنع 46 عضوا عن التصويت.
وكانت مفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي يلفا جوهانسون قالت للصحفيين قبل التصويت بيوم إنها “فخورة” بالوصول لمرحلة التصويت، مضيفة “كان سباق ماراثون”.
والنصوص القانونية التي وافق عليها البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي هي نتاج اتفاق توسطت فيه الحكومة الإسبانية، والتي تولت التفاوض نيابة عن الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي، وبين الدول بعضها البعض.
وحدثت الانفراجة في شهر ديسمبر الماضي، عندما استطاعت مدريد كسب دعم أغلبية كافية من الدول الأعضاء للتوصل إلى تسوية مع مفاوضي البرلمان الأوروبي، وتغلبت على المعارضة من قبل المجر وبولندا. ووصف المستشار الألماني أولاف شولتس ووزير الهجرة اليوناني ديميتريس كايريديس إصلاحات الهجرة واللجوء بأنها “تاريخية”.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن أوروبا تتحرك “بشكل فعال وإنساني.” ووصف وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتدوسي (تيار اليمين) الاتفاق بأنه “أفضل حل وسط ممكن” مضيفا ” فالاتفاق يضع احتياجاتنا في الحسبان”. ولكن كانت هناك معارضة أيضا. ووصف رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان الإصلاحات بأنها “مسمار آخر في نعش الاتحاد الأوروبي”.
وغرد أوربان عبر منصة إكس (تويتر سابقا) “انتهت الوحدة، ولم تعد هناك حدود آمنة. لن تستسلم المجر أبدا لنوبة الهجرة الجماعية! نحن بحاجة إلى تغيير في بروكسل من أجل وقف الهجرة”.
وقال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك إن حكومته “سوف تحمي بولندا ضد آلية إعادة التوطين.” وعلى الرغم من أن توسك مؤيد قوي للاتحاد الأوروبي، واصل ائتلاف الوسط معارضته للإصلاحات التي وضعتها الحكومة السابقة في البلاد، والتي كانت تنتمي للجناح اليميني .
نشطاء اللجوء واليساريون
انتقدت الجماعات التي تطالب بتطبيق سياسات أكثر ليبرالية بشأن الهجرة واللجوء، الاتفاق الأوروبي الأخير، والذي يتضمن إقامة مراكز حدودية لاحتجاز طالبي اللجوء وإرسال بعض منهم إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي تعتبر آمنة.
وذكرت منظمة العفو الدولية أن الاتحاد الأوروبي يؤيد “بشكل مخز” اتفاقا“يدرك أنه سوف يؤدي إلى مزيد من المعاناة الإنسانية”. ودعا الصليب الأحمر الدول الأعضاء في التكتل إلى “ضمان توافر الظروف الإنسانية لطالبي اللجوء والمهاجرين.”
وتعطلت عملية التصويت في بدايتها الأسبوع الماضي، بسبب هتافات العشرات الذين احتشدوا أمام مبنى البرلمان في بروكسل، مرددين “الاتفاق قاتل… صوتوا بـ /لا./”
وقال النائب الفرنسي الأوروبي عن حزب الخضر، داميان كاريم، إنه”اتفاق مع الشيطان،” ووصفت المجموعة اليسارية المتطرفة بالبرلمان، والتي تؤكد أن الإصلاحات لا تتوافق مع التزام أوروبا بدعم حقوق الإنسان، يوم التصويت بأنه “يوم مظلم”.
تخفيف الضغط عن جنوبي أوروبا
بمقتضى قواعد الاتحاد الأوروبي الحالية، تتحمل دولة الوصول الأولى مسؤولية استضافة طالبي اللجوء، وفحصهم، مع إعادة الذين لا يسمح لهم بالدخول. وقد وضع هذا النظام الدول الأعضاء بجنوب القارة تحت ضغط، وأدى إلى تغذية المعارضة اليمينية المتطرفة.
وبحسب النظام الجديد، ستحتجز المراكز الحدودية المهاجرين غير الشرعيين، بينما تخضع طلبات اللجوء الخاصة بهم للفحص، مع تسريع وتيرة ترحيل غير المؤهلين للجوء.
ويتطلب إصلاح نظام الهجرة واللجوء أن تستقبل الدول الأخرى أعضاء التكتل الآلاف من طالبي اللجوء من دول الوصول الأولى مثل إيطاليا واليونان.
وهناك بديل متاح أمام هذه الدول الأخرى، وهو تقديم أموال أو موارد أخرى للدول التي تقع تحت ضغط. ويتوقع أن يخضع ما لا يقل عن 30 ألف طالب لجوء سنويا لنظام “إعادة التوطين”.
وسوف يجرى تحديد تعويض مالي سنوي بقيمة600 مليون يورو (650 مليون دولار) للدول التي تفضل دفع المال عوضا عن استقبال مهاجرين.
وطمأنت رئيسة المفوضية فون دير لاين دول الوصول الأولى، مثل إيطاليا، أنها من الآن فصاعدا “لن تظل وحيدة”.
وتحدد الإصلاحات استجابة طارئة حال حدوث زيادة غير متوقعة في معدلات الهجرة، وخلال الفترة 2016-2015، وصل إلى الاتحاد ما يربو عن مليوني طالب لجوء، الكثير منهم من سوريا وأفغانستان، اللتين مزقتهما الحروب ووصل عدد طلبات اللجوء إلى 1.14 مليون في عام 2023، وهو أعلى مستوى منذ عام 2016.
وبالتوازي مع إصلاح نظام الهجرة واللجوء، أبرم الاتحاد الأوروبي صفقات مع دول أخرى بهدف وقف تدفق المهاجرين، على غرار الاتفاق مع تركيا في عام 2016 وقد توصل الاتحاد بالفعل إلى اتفاق مع تونس، ومؤخرا مع مصر.
ضوء أخضر للهجرة غير الشرعية
شكت النائبة عن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في فرنسا مارين لوبان، من أن الإصلاحات سوف تمنح المنظمات غير الحكومية “المتواطئة مع المهربين… الإفلات بشكل قانوني” من العقاب.
وقالت لوبان وزعيم الحزب، جوردان بارديلا، وهو عضو في البرلمان الأوروبي، إنهما سوف يسعيان إلى إلغاء الإصلاحات بعد الانتخابات الأوروبية المقررة في يونيو المقبل.
ويتوقع على نطاق واسع أن تسفر الانتخابات عن زيادة في عدد نواب اليمين المتطرف بالبرلمان، الذي يمثل المجلس التشريعي للاتحاد الأوروبي.
وقال وزير خارجية المجر بيتر سيارتو قبل تصويت الأربعاء الماضي “من الناحية العملية، يعطي الاتفاق الجديد الضوء الأخضر للهجرة غير الشرعية لأوروبا”، مضيفا أن بودابست “لن تسمح للمهاجرين غير الشرعيين بأن تطأ أقدامهم المجر”.
كما رفضت الحكومة في سلوفكيا، والتي يقودها الديمقراطيون الاشتراكيون، على نحو قاطع الاتفاق الجديد. وقال وزير الخارجية السلوفاكي يوراج بلانار إن بلاده لم توافق على إعادة توزيع المهاجرين غير الشرعيين بشكل إجباري.
ولا تزال تتعين الموافقة على الاتفاق الجديد من قبل أغلبية كافية من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كي يصبح ملزما للجميع. وعلى افتراض أن ذلك أمر وشيك، من المقرر أن تدخل الإجراءات حيز التنفيذ في عام 2026، حيث وضعت المفوضية الأوروبية خطط التنفيذ الخاصة بها.
العرب