رغم إطلاق تونس منذ ثلاث سنوات لبوابة جديدة لحماية الأطفال من الانتهاكات والاستغلال عبر الإنترنت، إلا أن جرائم الابتزاز الإلكتروني في تصاعد، ما جعل الخبراء يدعون إلى إدراج الطريقة الآمنة للإبحار على الإنترنت صلب المناهج التعليمية، معتبرين أن الدور الرقابي للأولياء منقوص على الرغم من أن الإنترنت أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للأسر التونسية.
تونس – تزايدت في الآونة الأخيرة جرائم استدراج الأطفال القصّر عبر شبكة الإنترنت في تونس، والتغرير بهم وإغوائهم وابتزازهم وتهديدهم، ما أعاد الجدل بشأن الطرق الآمنة لاستخدام الإنترنت.
ودعا رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل معز الشريف إلى ضرورة إدراج طريقة الإبحار بصفة آمنة في الفضاء الافتراضي والتوقّي من مخاطر الإنترنت على الناشئة صلب المناهج التعليمية.
وشدد الشريف في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء على أن “حماية الأطفال هي مسؤولية مجتمعية حيث يتوجب على السلط المعنية مزيد العمل على ضمان سلامة هذه الفئة خاصة في ظل التطور التكنولوجي والرقمي”، معتبرا أن “الدور الرقابي للأولياء منقوص في هذا المجال على الرغم من أن الإنترنت أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للأسر التونسية”.
وطالب الوكالة الوطنية للسلامة السيبرانية “بمزيد بذل الجهود للتحسيس والتوعية عبر مختلف وسائل الإعلام حول طرق استعمال تطبيقات الحماية المتوفرة على مختلف الأجهزة الإلكترونية والتعريف بمحركات البحث الملائمة للأطفال، فضلا على تعزيز معارف الأولياء في مجال مراقبة أنشطة أطفالهم على الإنترنت”.
وأشار رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل إلى أن المشاركين في أشغال القمة 18 للفرنكوفونية التي انعقدت بجربة يومي 19 و20 نوفمبر الماضي، قد أكدوا في بيانهم الختامي التزامهم بالنهوض بالرقمنة كوسيلة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مشددين على ضرورة حماية المعطيات الشخصية وحقوق الطفل في الفضاء الرقمي .
وتسعى السلطات التونسية المختصة إلى تطويق ظاهرة الابتزاز الإلكتروني للأطفال، وحمايتهم بشتى الطرق.
مسألة نشر الصور والفيديوهات على الإنترنت التي تتضمن عنفا جنسيا ضد الأطفال أصبحت ظاهرة عالمية
وفي جوان 2021، أعلنت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن ومؤسسة مراقبة الإنترنت عن إطلاق بوابة جديدة لحماية الأطفال في تونس من الانتهاكات والاستغلال عبر الإنترنت، وذلك بالتعاون مع الشراكة العالمية “إنهاء العنف ضد الأطفال “ومجلس أوروبا، في إطار البرنامج المشترك مع الاتحاد الأوروبي (برنامج الجنوب الرابع) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).
وبذلك تعتبر تونس البلد رقم 47 على الصعيد العالمي الذي ينشئ مثل هذا النوع من البوابات على الإنترنت، ورقم 23 على المستوى الأفريقي، ومن الدول الأولى في شمال أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.
وقال خبراء تونسيون إن مسألة نشر الصور والفيديوهات على الإنترنت التي تتضمن عنفا جنسيا ضد الأطفال أصبحت ظاهرة عالمية، تستوجب أن تتحمل كل دولة مسؤوليتها، وأن تعزز التعاون الدولي المشترك للقضاء على هذه الظاهرة.
وأشاروا إلى أن هذه البوابة الجديدة لتلقي الإشعارات تتنزل في إطار المساهمة في المسار الوطني للوقاية وحماية الأطفال من العنف الجنسي السيبراني (الإلكتروني) وستمكن المواطنين التونسيين من الإبلاغ بصفة سرية ودون الكشف عن هوياتهم، عن الصور والفيديوهات المنشورة على الإنترنت والتي تحتوي على انتهاكات أو عنف جنسي تجاه الأطفال، بهدف حذفها.
بالإضافة إلى ذلك، يأتي إطلاق هذه البوابة كتكملة للجهود الوطنية التي انطلقت منذ مدة في تونس لتعزيز إجراءات حماية الأطفال، وخاصة في مجال مراجعة الإطار القانوني المتعلق بحقوق الأطفال، بما في ذلك مجلة حماية الطفل، وأيضا وضع خطة عمل انطلقت منذ 2019 – 2020 لمكافحة الجريمة الإلكترونية والمخاطر السيبرانية ضد الأطفال.
السلطات التونسية المختصة تسعى إلى تطويق ظاهرة الابتزاز الإلكتروني للأطفال، وحمايتهم بشتى الطرق
وتعتبر تونس الدولة رقم 45 المنخرطة في اتفاقية مجلس أوروبا حول حماية الأطفال من الاستغلال والانتهاكات الجنسية المعروفة بـ”اتفاقية لنزروت”، التي تجرم كل أنواع الجرائم ذات الصبغة الجنسية المرتكبة ضد الأطفال. كما تجرم المادة رقم 23 من الاتفاقية المذكورة كل استخدام للأطفال لأغراض جنسية عبر تكنولوجيات المعلومات والاتصال.
وخلال الأيام الماضية أثار ناشطون وصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضجة واسعة في الشارع التونسي بشأن تعرض عدد من الأطفال للاستغلال الجنسي وللابتزاز عبر الإنترنت.
وتوصلت المصالح المختصة لوزارة المرأة والأسرة والطفولة إلى تحديد هويّة طفلين يبلغان من العمر12 عاما من بين الضحايا المغرّر بهم بإحدى محافظات الجمهوريّة وباشرت التواصل مع عائلتيهما لتأمين التعهّد اللازم، وتم تكليف مندوب حماية الطفولة المختص ترابيّا بالتدخّل العاجل.
كما عقدت خليّة الأزمة المحدثة إثر شبهة استدراج أطفال عبر الإنترنت اجتماعا قرّرت خلاله الوزيرة آمال بلحاج موسى الشروع في إجراءات رفع شكاية جزائيّة لدى النيابة العموميّة بتونس بواسطة المكلّف العام بنزاعات الدولة ضدّ كلّ من سيكشف عنه البحث.
الدور الرقابي للأولياء منقوص على الرغم من أن الإنترنت أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للأسر التونسية
وأكد الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائيّة بتونس محمد زيتونة بأنّ النيابة العمومية بالمحكمة تولّت فتح بحث عدلي تبعا للمنشور المتداول عبر عديد التطبيقات المتخصصة في التواصل الاجتماعي حول إقدام طرف على استدراج أطفال قصّر والتغرير بهم وتهديدهم .
وأضاف في تصريح لوكالة تونس أفريقيا بأنّ النيابة العمومية تولت أيضا تكليف الإدارة الفرعية للوقاية الاجتماعية التابعة لإدارة الشرطة العدلية بالبحث في الموضوع ومحاولة التعريف بجميع المتضرّرين قصد الوقوف على حقيقة الموضوع وملابساته.
وقامت إحدى الصفحات الشهيرة على إنستغرام تحت اسم “المدام” بنشر شهادات عدد من الأسر التي تعرض أطفالها إلى الاستغلال الجنسي والتهديد من قبل شخص مجهول.
كما نشرت الصفحة صورة للمشتبه به حصلت عليها شقيقة أحد الضحايا من الأطفال.
وأكد الناشط الحقوقي في إيطاليا مجدي الكرباعي عبر إذاعة خاصة أنه بالتعاون مع عدد من الجمعيات المتخصصة والناشطين في المجتمع الدولي سيتم رفع قضية في إيطاليا حيث يقيم المشتبه به، وأنه يتم حاليا العمل على تحديد هويته بشكل دقيق.
وأشار إلى أن هذه القضية قد تساعد على كشف شبكة من المنحرفين جنسيا سواء في تونس أو في إيطاليا أو دول أوروبية أخرى.
وقال أنيس عون الله مندوب حماية الطفولة في تونس في تصريح لنفس الإذاعة الخاصة إنه إلى حد الآن لم تتقدم أيّ من العائلات بالإبلاغ لمندوبي الطفولة عن حوادث الابتزاز الجنسي المتداولة عبر صفحات الإنترنت. وأوضح أن التحقيقات الآن في مرحلة التعرف على الضحايا، ولذلك طالب الأسر بالإبلاغ للمساعدة على تقدم التحقيقات وحماية الأطفال.
من جهتها ذكّرت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن بأهمية “الإحاطة بالأطفال وضمان سلامتهم النفسية والجسدية وتكريس ثقافة الحوار داخل الأسرة وفي المجتمع بما يساعد على بناء علاقة ثقة وتحصين الناشئة من كافة المخاطر وأشكال التهديد الممكنة، وتأطير استعمالهم الرشيد لشبكة الإنترنت ووقايتهم من المخاطر والتهديدات الممكنة في الفضاءات الرقمية والسيبرانية”.
وشدد بيان الوزارة على أن تونس توفر منظومة قانونية واجتماعية ومؤسساتية ضامنة لحقوق الطفل، ورادعة لكل مصدر تهديد لمصلحته العليا.
العرب