ينظر المحللون باهتمام إلى مدى قدرة مصر على الالتزام باتفاقها مع صندوق النقد الدولي بعد تدفق الدولارات مؤخرا، وخاصة في ما يتعلق بتقليص استنزاف الاحتياطي النقدي بعد إمعانها في الاقتراض المباشر من البنك المركزي لمواجهة الأزمة الاقتصادية.
القاهرة – دخلت الحكومة المصرية في اختبار حقيقي لإثبات جدوى إصلاحاتها المالية بعدما كشفت وثيقة صادرة عن صندوق النقد الدولي الأربعاء أنها تعهدت بالكف عن تجاوز وزارة المالية واقتراض مليارات الدولارات مباشرة من البنك المركزي.
ويقول خبراء إن مثل هذا الاقتراض يهدد بتقويض الاقتصاد المحلي من خلال زيادة المعروض النقدي والتضخم والتسبب في ضعف سعر الصرف مقابل العملات الأجنبية.
وجاءت الموافقة التي أوردها تقرير لخبراء صندوق النقد قبل اجتماع مجلس إدارة المؤسسة الدولية المانحة الشهر الماضي، عقب صفقة الاستثمار التاريخية التي أبرمتها مصر مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار، والتي خففت من نقص العملات الأجنبية.
وبعد أسابيع على صفقة رأس الحكمة، سمحت القاهرة لعملتها بالانخفاض بشكل حاد ووقّعت على برنامج مع صندوق النقد.
وقبل السماح بانخفاضه الشهر الماضي، أبقى المركزي على الجنيه ثابتا عند 30.85 مقابل الدولار منذ مارس 2023. ويجري تداوله الآن عند نحو 48 للدولار.
وتضررت مصر بشكل كبير من الحرب الإسرائيلية على غزة والتي تسببت في انخفاض إيرادات قناة السويس بأكثر من النصف بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وتباطؤ نمو السياحة، وهما من المصادر الرئيسية للعملات الأجنبية.
وأظهر تقرير صندوق النقد أن المركزي المصري أقرض نحو 15.9 مليار دولار لمؤسسات حكومية باستثناء وزارة المالية حتى شهر فبراير 2023، وذلك بالمخالفة لقانون البنك لعام 2020.
ولم يوضح التقرير، الذي نشرت مقتطفات منه رويترز، متى بدأت تلك الممارسات. ولم يحدد المركزي بعد المؤسسات المقترضة، لكن جرى سداد نحو 3.34 مليار دولار، وأن تلك المؤسسات تسدد فائدة على القروض القائمة بالسعر العادي.
ووافق صندوق النقد في اجتماع أواخر مارس الماضي على توسيع برنامج القرض الحالي لمصر إلى 8 مليارات دولار، مشيرا إلى الأضرار التي لحقت بالاقتصاد على خلفية الأزمة في غزة.
وأورد التقرير أن “السلطات ملتزمة بمنع الإقراض التنموي الجديد للمؤسسات العامة باستثناء وزارة المالية”.
وبموجب التعهد ستطلب الحكومة من المؤسسات العامة تقديم تقارير عن الإنفاق الاستثماري إلى لجنة على مستوى مجلس الوزراء، للسيطرة على إنفاق القطاع العام داخل وخارج الموازنة.
ويشمل ذلك الشركات التي تسيطر عليها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة والشركة المشرفة على بناء العاصمة الإدارية الجديدة، والتي يجري تشييدها في الصحراء شرق القاهرة بتكلفة قُدّرت في عام 2019 بنحو 58 مليار دولار.
ومن المتوقع أن يبلغ إجمالي الإنفاق الاستثماري العام، بما في ذلك الإنفاق الوارد في الموازنة، 11.23 مليار دولار في النصف الأول من 2024، ونحو 33 مليار دولار في العام المالي المقبل الذي يبدأ في يوليو المقبل، ما يمثل انخفاضا كبيرا مقارنة بالسنوات السابقة.
الدولار الأميركي ينعش الاقتصاد المصري
وأشار تقرير صندوق النقد إلى أن القاهرة أرجأت على المدى القريب أي مشروعات جديدة تمولها الموازنة العامة.
ويشمل برنامج الإصلاح بنودا أخرى مثل إضفاء قدر أكبر من الشفافية والرقابة على الأنشطة خارج الموازنة، وبرنامج مُعدّل وموسع بيع الأصول، وإجراءات عاجلة لتحسين بيئة الأعمال وتقليص مشاركة الدولة في الاقتصاد.
وتطرق تقرير الصندوق إلى تباطؤ بيع الأصول المملوكة للدولة منذ بداية العام المالي الحالي، لكنه توقع تسارعه مع تراجع قيمة العملة وتلقي استشارات من مؤسسة التمويل الدولية.
وتخطط القاهرة لاتباع نهج يعتمد على التركيز على قطاع تلو الآخر مع إيلاء الأولوية لصفقات كبيرة تجتذب المستثمرين الأجانب.
ولكن في الوقت نفسه ستواصل العمل على إتمام الصفقات التي وصلت إلى مراحل متقدمة، ومنها مزارع رياح ومحطة للطاقة ومحطات لتحلية المياه.
وأصدرت الحكومة في فبراير الماضي قرارات تلغي المعاملة الضريبية التفضيلية والإعفاءات للشركات الحكومية، بما في ذلك الشركات المملوكة للجيش.
وما يدعم مصر هو تعهد دول عربية بعدم سحب 19 مليار دولار مودعة لدى بنكها المركزي لشراء أسهم أو ديون حتى نهاية برنامج صندوق النقد في سبتمبر 2026.
وتوقع خبراء أن ينمو الاقتصاد المصري هذا العام بشكل أبطأ مما كان متوقعا في السابق بعد اتفاقها مع صندوق النقد، لكن النمو سيتسارع العام المقبل.
وكان متوسط توقعات مسح أجرته رويترز شمل 14 اقتصادا، نمو الناتج المحلي الإجمالي 3 في المئة السنة المالية الحالية، انخفاضا من التوقعات السابقة لنفس العام البالغة 3.5 في المئة في يناير و4.2 في المئة في يوليو.
15.9 مليار دولار الأموال التي اقترضتها مؤسسات الدولة من المركزي حتى فبراير 2023
وتوقع المحللون أن يرتفع النمو في العام المالي المقبل إلى 4.35 في المئة، وهو أعلى من توقع 4.15 في المئة قبل ثلاثة أشهر فقط.
وتوقع وزير المالية المصري محمد معيط الأسبوع الماضي نموا بواقع 2.8 في المئة في السنة المالية الحالية و4.2 في المئة في العام المقبل. ويتوقع صندوق النقد نموا بثلاثة في المئة في 2024.
وقال إيفان بورغارا من معهد التمويل الدولي إن “العامل الأكبر سيكون الاستهلاك الشخصي وما إذا كان سيشهد تعافيا في الفترة من مارس إلى يونيو أم لا على خلفية تخفيف القيود على رأس المال وتعويم الجنيه”.
وأضاف “سيحدد ذلك ما إن كنا سنشهد تعافيا في الصناعات التحويلية والخدمات مما سيعزز النمو أو يعوقه بشكل أكبر”.
وجاء متوسط توقعات من شملهم المسح أن ينخفض الجنيه المصري إلى 48.65 مقابل الدولار بنهاية يونيو المقبل وأن يبلغ 48.25 في نهاية يونيو 2025.
وانخفض معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين إلى 33.3 في المئة في مارس من مستوى قياسي بلغ 38 في المئة في سبتمبر.
وتوقعت لجنة السياسة النقدية بالمركزي خلال اجتماعها في مارس الماضي أن يظل التضخم أعلى بكثير من هدفه الذي يتراوح بين 5 و9 في المئة في الربع الرابع من عام 2024.
العرب