هل أحيت أزمة اللاجئين والإرهاب الدولي آمال تركيا لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي؟ أم أن القضية أعمق من ذلك بكثير على الرغم من الحاجة إلى التعاطي مع المستجدات والتطورات الأخيرة، سواء من جانب الاتحاد الأوروبي أو من جانب تركيا؟
سؤال العضوية المثير يكاد يتردّد يومياً على لسان عدد من المسؤولين الأتراك والأوروبيين، وكانت فيدريكا موغيريني مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي قد قالت في مؤتمر صحفي، إن «أزمة اللاجئين والإرهاب تظهر لنا أننا في القارة نفسها ونواجه التحدّيات ذاتها، وأننا كلّما طوّرنا سياسات مشتركة أصبحنا جميعاً في وضع أفضل».
وإذا كانت موجة تدفق اللاجئين قد ارتفعت في يوليو (تموز) العام 2014، من دول أوروبا الشرقية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلى دول أوروبا الغربية بحثاً عن فرص عمل أفضل، فإن جان كلود يونكر رئيس الاتحاد الأوروبي كان قد ذكر قبل الأزمة الأخيرة «عدم إجراء أي توسّع جديد في السنوات الخمس المقبلة» في عضوية الاتحاد، الذي يحتاج إلى وقفة في سياساته المتعلقة بقبول أعضاء جدد، حسبما جاء على لسانه.
لقد وقعت أزمة اللاجئين والإرهاب الدولي والحروب والنزاعات الأهلية والتطرّف الإسلامي في مناطق مجاورة لدول الاتحاد الأوروبي ولم يكن بإمكانه تجاهلها، لأن تأثيراتها ستكون خطرة فيه، الأمر الذي أعاد مسألة إحياء عضوية تركيا، خصوصاً أن الأزمة المركبة والمزدوجة، أهمية إشراكها، على الرغم من المخاوف التاريخية بشأن انضمامها.
التطورات التي حصلت لا تسمح اليوم بتقديم استنتاج حاسم على الرغم من بعض التغيير الذي شهده موقف الاتحاد الأوروبي، لاسيّما بوعد تركيا بالمساعدة في وقف تدفّق اللاجئين من أراضيها إلى أوروبا، مقابل دعم مالي وتسهيلات في تأشيرات الدخول، وإعادة إحياء المفاوضات لانضمامها للاتحاد الأوروبي، التي كانت أنقرة قد بدأتها على نحو مكثف منذ العام 2005، وخصوصاً بوصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في انتخابات العام 2002.
وكان الفصل الأول للتقريب بخصوص العضوية، وبعيداً عن الجدل السياسي أو العقائدي هو انعقاد قمة تركية أوروبية العام 2013، لكن ذلك لا يعني انتهاء العقبات بشأن عضوية تركيا، وهي بلد مسلم وكبير ويربو عدد سكانه على 80 مليوناً، الأمر الذي يثير قلق ومخاوف العديد من البلدان الأوروبية التي تعارض انضمامه إلى الاتحاد. ومن العقبات التي لا تزال مستمرة مسألة سجل تركيا في ميدان حقوق الإنسان على الرغم من تحسّنه في السنوات العشر الماضية، إذْ يشترط على الدول المترشحة أن تتمتع بمؤسسات مستقلة تضمن الديمقراطية وحكم القانون واحترام حقوق الإنسان وحقوق المجموعات الثقافية (الأقلّيات)، ويتطلّب كذلك وجود نظام اقتصادي فعّال يعتمد على اقتصاد السوق، وقادر على التعامل مع المنافسة الموجودة ضمن الاتحاد، ويستوجب من الدولة المرشحة تعديل تشريعاتها وقوانينها بما يتناسب مع التشريعات والقوانين الأوروبية، التي تعمل بموجبها الدول الأعضاء. وتلك هي شروط اتفاق كوبنهاغن الذي أقرّه مجلس الاتحاد الأوروبي في العام 1993.
إن عضوية تركيا على الرغم من التقدّم في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والتي شملت حقولاً كثيرة لا تزال تواجه معارضة شديدة، وخصوصاً من جانب فرنسا وألمانيا، وكذلك من قبرص التي يرتبط شمالها بعلاقات خاصة مع تركيا. وكانت المفوضية الأوروبية في أحدث تقرير لها قد عبّرت عن قلقها من تنامي نفوذ الرئيس التركي الطيب أردوغان الذي يتهمّه كثيرون بالتسلّط.
لقد بدأت المفاوضات التركية بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي العام 2005، وتضم شروط العضوية نحو 35 فصلاً، وجرى فتح نحو 15 منها وأغلق فصل واحد بشكل مؤقت، ومن المقرر فتح فصل «السياسات الاقتصادية والمالية» (الرقم 17) الذي يستهدف بناء بنية اقتصادية قوية وتعزيز التنسيق الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي.
الفصول المفتوحة هي: حرية تنقّل رؤوس الأموال (الرقم 4) وقانون الشركات (الرقم 6) وقانون الملكية الفكرية (الرقم 7) والإعلام والمجتمع المعلوماتي (الرقم 10) والأمن الغذائي والبيطرة والصحة النباتية (الرقم 12) والضرائب (الرقم 16) والإحصاء (الرقم 18) والسياسات الصناعية والتشغيلية (الرقم 20) والشبكات الأوروبية (الرقم 21) والعلوم والأبحاث (الرقم 25) والبيئة (الرقم 27) وحماية الصحة والمستهلك (الرقم 28) والتدقيق المالي (الرقم 32).
أما الفصول التي يعارض بعض الأعضاء التوقيع على تقارير المسح هي: حرية تنقّل العمالة (الرقم 2) وصيد الأسماك (الرقم 13) وسياسات النقل (الرقم 14) والطاقة (الرقم 15) والحقوق الأساسية والقضاء (الرقم 23) والأمن والحريات والعدالة (الرقم 24) والعلاقات الخارجية (الرقم 30)، والأمن الخارجي والدفاع (الرقم 31) والأحكام المالية والميزانية (الرقم 33).
وكانت تركيا قد وقّعت بروتوكولاً إضافياً خاصاً بالاتحاد الجمركي العام 2005، ولكن ذلك كلّه لم يساهم في حلحلة موضوع العضوية، حتى جاءت أزمة اللاجئين والإرهاب فأحيت من جديد المباحثات حولها.
جدير بالذكر إن جريدة «ناشونال انتريست» الأمريكية كانت قد حذّرت من تبعات احتمال انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، علماً بأن موقف واشنطن بشكل عام كان محبّذاً دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وكانت دول أوروبا الشرقية الاشتراكية سابقاً قد عبّرت عن مخاوفها بشأن إشراك تركيا، وهي دولة ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي في بحث شؤونه، وهذه الدول هي هنغاريا وسلوفاكيا وتشيكيا وبولونيا وغيرها، ووجهت انتقادات لتركيا لتجاوزاتها على حقوق الإنسان، واضطرار الاتحاد الأوروبي للانحناء إلى مطالبها المالية، واعتبر البعض ذلك بمثابة «صفقة قذرة»، خصوصاً بسبب الموقف الملتبس من العلاقة بالإرهابيين.
وباستعادة العلاقة التركية – الأوروبية، يمكن قراءة الدلالات تاريخياً، فتركيا تقدّمت بطلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد في 14 إبريل (نيسان) العام 1987، وتم ترشيحها رسمياً للعضوية في العام 1999، وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً منذ ذلك التاريخ بدأ ولم ينقطع، بل إنه يتجدد عند كل منعطف أو أزمة داخلية أو خارجية، بسبب تحفّظ الكثير من أعضاء الاتحاد على انضمامها، خصوصاً بما تمثله من ثقل تاريخي وجغرافي واقتصادي واستراتيجي وديني، فلو انضمت تركيا ستكون ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان، وربما ستكون الأولى خلال السنوات الثلاث القادمة بسبب ارتفاع النمو السكاني وعدم وجود عوائق ديموغرافية.
ومما يقلق بعض دول أوروبا من الانضمام التركي، هو احتمال اندفاع مئات الآلاف وربما الملايين للهجرة إلى دول مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها، وذلك للبحث عن فرص عمل ولتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
ولهذه الأسباب تعارض الكثير من البلدان انضمامها، بعضها لأسباب تاريخية وعداء تقليدي مثل: اليونان وقبرص، وبعضها لأسباب سياسية وأيديولوجية مثل فرنسا التي تعتبر تركيا دولة من دول آسيا الصغرى، وباستثناء عهد الرئيس شيراك فإن الرؤساء الفرنسيين كانوا بالضد من ذلك، خصوصاً أنها لا تعترف بارتكاب مجازر بحق الأرمن في العقد الثاني من القرن الماضي، ولم تعتذر عنها، وبعضها الآخر لأسباب اقتصادية مثل ألمانيا وبريطانيا وغيرهما.
وكان الاتحاد بصيغته الحالية التي تم التوقيع عليها في معاهدة ماسترخت العام 1992 قد أصبح أهم سوق اقتصادي عالمي، له علم موحد ودستور موحد وعملة موحدة (اليورو).
ويتكوّن الاتحاد من منظمات وأجهزة متعدّدة، أهمها مجلس الاتحاد الأوروبي، وهو جهاز إداري يتكوّن من وزراء حكومات الدول الأعضاء ويجتمع حسب الحاجة في بروكسل ولوكسمبورغ. أما المفوضية الأوروبية فمقرّها بروكسل وصلاحياتها تنصبّ في تقديم مقترحات للقوانين والإشراف على تنفيذها، في حين أن البرلمان يمتلك بعض الصلاحيات التشريعية والرقابية والاستشارية للاتحاد، ومقرّه في ستراسبورغ (ويتألّف من 785عضواً) حسب معاهدة نيس. أما المجلس الأوروبي وهو يختلف بطبيعة الحال عن مجلس الاتحاد الأوروبي، فيتألف من رؤساء حكومات الدول الأعضاء ويجتمع 2-3 مرات كل عام.
إن عضوية تركيا أصبحت عقدة معتّقة، فهل سيتم حلّها تحت ضغط الحاجة في إطار مراجعة بعض دول أوروبا مواقفها إزاء تركيا، أو مراجعة تركيا لمواقفها لكي تتواءم مع الاتحاد الأوروبي؟ أم أن آمالها ستخيب مرّة أخرى بسبب تعقيدات شروط العضوية والتحفّظات المسبقة؟
د.عبدالحسين شعبان
صحيفة الخليج