تقول الولايات المتحدة إن إيران تسير في اتجاه تطبيق الاتفاق النووي بخطى أسرع من المتوقع، مما يزيد من احتمال رفع العقوبات في شهر كانون الثاني (يناير) المقبل. لكن خطاب الخط المتشدد في كلا الجانبين ما يزال باقياً.
* * *
مع مرور خمسة أشهر وحسب منذ وقعت إيران والقوى العالمية الست على اتفاق نووي تاريخي، والذي وصف بأنه اختيار تاريخي للدبلوماسية على الحرب، ما يزال الخطاب القاسي والموقف المتردد اللذان وسما سنوات طويلة ومرة من المفاوضات، سائدين.
ما تزال عناوين الأخبار الرئيسية مليئة بالادعاءات والادعاءات المضادة المتصلة بالاتفاق -الذي يحد من البرنامج النووي لإيران في مقابل التراجع عن العقوبات الاقتصادية المعيقة– حول قضايا متنوعة مثل تجارب الصواريخ الإيرانية، والتنازلات الأميركية الخاصة بالتأشيرات.
وفي الأثناء، لم تتوقف المعركة بين المؤيدين والمعارضين: ويبدو أولئك الذين توصلوا إلى الاتفاق في كلا الجانبين مصممين على الوفاء بالتزاماتها، حتى بينما يحاول المعارضون من الخط المتشدد تبطيئها أو وقفها جملة وتفصيلاً.
يقول المسؤولون الأميركيون إن إيران تسير بخطى أسرع من المتوقع في تفكيك العناصر الرئيسية لبرنامجها النووي، كما أن وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، كتب للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي يوم الأربعاء الماضي، أن إيران تتخذ خطوات بطريقة “قابلة للتحقق منها”، ولذلك، فإن “تعليق العقوبات… مناسب”.
وقد يعني ذلك أولاً تخفيف العقوبات في كانون الثاني (يناير)؛ أي في وقت أبكر بكثير من التنبؤات الأولية بتخفيفها في وقت بين منتصف وأواخر الربيع.
وفي طهران، يقول الرئيس الإيراني حسن روحاني إن إيران تفي بكل التزاماتها المتعلقة بالاتفاق. وقال للإيرانيين إن العقوبات سوف ترفع خلال شهر وحسب. ودعا الإيرانيين في الخارج والشركات الأجنبية إلى القدوم “والاستفادة من هذه الفرصة”. وأضاف: “سوف يفتح الطريق أمام تعاون أكبر مع العالم”.
وكان رئيس وكالة الطاقة النووية الدولية، يوكيا أمانو، قد قال لوكالة “رويترز” يوم الأربعاء قبل الماضي “إذا سارت الأمور على ما يرام، فإن ذلك لن يكون مستحيلاً”، وأن يوم تنفيذ الصفقة -عندما يتم تحقق الوكالة الدولية للطاقة النووية ورفع العقوبات بالتزامن- يمكن أن يأتي مع حلول نهاية شهر كانون الثاني (يناير) المقبل.
ما هو حجم التقدم الذي تم إحرازه منذ التوقيع على الاتفاق، وما هي النقاط التي ربما تتبقى؟ إليكم بعض الأسئلة والإجابات.
سؤال: ما هي أحدث مؤشرات التقدم؟
يقول المسؤولون الأميركيون إن إيران فككت فعلاً نحو 5000 من أصل أجهزة الطرد المركزي لديها، والتي يصل عددها إلى 19.000 ونيف، والمستخدمة لتخصيب اليورانيوم. وهم يتوقعون أن يتم تخزين الأجهزة المتبقية، وعددها 8000 أو نحو ذلك التي ما تزال بانتظار الحفظ، في غضون الأسابيع القليلة المقبلة.
ويقول المسؤولون الإيرانيون إنهم سيكملون أيضاً في الأسابيع المقبلة إعادة قولبة مفاعل المياه الثقيلة في “أراك”، وصب الإسمنت في محوره وضمان أن المفاعل المعدّل لن ينتج البلوتونيوم بدرجة الأسلحة -وهو طريقة ممكنة منفصلة لصناعة قنبلة نووية.
كما أن من المتوقع أن تشحن إيران نحو 25.000 باوند من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى خارج البلد مع حلول نهاية كانون الأول (ديسمبر). ومن شأن تلك الخطوة “وحدها أن تطيل بشكل دراماتيكي أمد وقت اجتياز إيران العتبة النووية” في حال أرادت بناء قنبلة، وفق ما قاله ستيفن مول، المسؤول الأميركي الرفيع عن تنفيذ الصفقة، يوم الخميس قبل الماضي.
وقال السيد مول أمام المجلس الأطلسي في واشنطن بعد قليل من إدلائه بشهادته أمام مجلس الشيوخ الأميركي: “بخصوص حقيقة أنهم يقومون بذلك بوتيرة أسرع مما توقعه الكثيرون، تضعنا كما أعتقد أمام تحدي ضمان أن تخضع كل خطوة للتحقق منها بشكل كامل”. وأضاف: “هناك الكثير من القطع المتحركة التي يترتب علينا الوقوف فوقها في الأسابيع المقبلة”.
– ماذا عن المزاعم الخاصة بالعمل الإيراني السابق على إنتاج الأسلحة النووية؟
كانت وكالة الطاقة النووية الدولية قد أنهت يوم الثلاثاء قبل الماضي بشكل رسمي تحقيقاتها التي استمرت ثلاثة عشر عاماً في الأبعاد العسكرية المحتملة لعمل إيران النووي، وصادقت على “تقييم نهائي” من شأنه تمهيد الطريق أمام مضي الصفقة النووية التي تعرف بخطة العمل الشاملة المشتركة قدماً.
واستنتجت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران كانت قد أجرت “طائفة من النشاطات ذات الصلة بجهاز التفجير النووي” بطريقة منظمة حتى العام 2013، وبطريقة مؤقتة وصولاً إلى العام 2009. وقالت الوكالة إن تلك النشاطات “لم تتقدم إلى ما هو أبعد من دراسات الجدوى والدراسات العلمية”.
ويعرف منتقدو ومؤيدو الصفقة على حد سواء أن تلك النتيجة لا تعدو كونها تلاعباً جزئياً: حيث لم تجب إيران -التي كانت تنفي دائماً أي جهد لإنتاج أسلحة نووية- عن بعض الأسئلة التي أثارتها الوكالة الدولية للطاقة النووية. ومع ذلك، فإن صفقة تموز (يوليو) تتطلب إقفال القضية حول نشاطات إيران السابقة، كما كان حالها الآن.
– هل تؤثر تجارب الصواريخ الإيرانية على الصفقة؟
قامت إيران بإجراء تجربة على إطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى يوم 10 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهو ما أشعل فتيل الغضب في الكونغرس الأميركي، وأثار دعوات إلى المزيد من فرض العقوبات عليها. وكانت التجربة قد انتهكت قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة في العام 2010، والذي نص على حظر كل تجارب الصواريخ الإيرانية.
وثمة قرار جديد مرر في تموز (يوليو) يصادق على الاتفاق -والذي سيدخل حيز التنفيذ عندما يشهد لإيران بأنها استكملت خطواتها فقط- وهو أقل صرامة حيث “وجهت الدعوة لإيران” لعدم العمل على تصنيع صواريخ مصممة لتكون قادرة على حمل أسلحة نووية” لمدة ثمانية أعوام.
من جهتها، تقول إيران إن صواريخها ليست مصممة لحمل رؤوس حربية نووية، وإنها لن تحد من برنامجها للصواريخ. وذكر أنها أجرت تجربة صاروخية أخرى في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
وكان 36 من أصل 54 من الشيوخ الجمهوريين قد كتبوا إلى الرئيس أوباما يوم الأربعاء قبل الماضي، وقالوا إن تجربة تشرين الأول (أكتوبر) “أظهرت تجاهلاً فاضحاً (من جانب إيران) لالتزاماتها الدولية”، وطالبوا بعدم رفع القيود عنها، كما ذكرت وكالة “رويترز” للأنباء. وثمة إجراءات أخرى منفصلة ما تزال قيد الدراسة، مثل اعتبار الحرس الثوري الإيراني تنظيماً إرهابياً أو منع رفع العقوبات إلى أن تفي إيران بالأحكام التي كانت قد صدرت ضدها.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الزعيم الديني الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، كان قد أعلن أن فرض أي عقوبات جديدة تحت “أي ذريعة” سوف يدفع إيران إلى الانسحاب من الصفقة النووية.
– ما علاقة التنازل عن التأشيرة الأميركية بالأمر؟
في أعقاب الهجمات الإرهابية الأخيرة في باريس وسان برناندينو، تهدف مشاريع القوانين في مجلسي النواب والشيوخ على حد سواء إلى تشديد برنامج التنازل عن التأشيرة، والذي أفاد على نحو ضخم سكان أوروبا. لكن الإجراءات تتطلب من الأجانب التقدم بطلب للحصول على التأشيرة -بمن فيهم رجال الأعمال والطلبة- الذين كانوا في الأعوام الأخيرة قد زاروا سورية أو العراق، بالإضافة إلى إيران.
يقول مناصرو الصفقة النووية إن أي قانون من هذا القبيل والذي يتضمن إيران قد ينتهك خطة العمل الشامل المشترك التي تطلب من الأطراف كافة عدم تقويض أحكام الاتفاق -في هذه الحالة عرض مثبطات لرجال الأعمال، والتي يكون من شأنها الإضرار بفرص إيران الاقتصادية في حقبة ما بعد العقوبات.
ويقول المناصرون إنه قد تم إقحام إيران عمداً في مشاريع القوانين المعادية للإرهاب من أجل تقويض الصفقة؛ ويرد المسؤولون الأميركيون بتردد بأن لغة خطة العمل محددة فيما يتعلق بالقصد من التشريع، وهو حماية الحدود الأميركية وليس استهداف إيران. وقد تتضمن العبارات الآن تشديداً أمنياً واسعاً في مسائل تخص الأمن القومي، والذي يمكن أن يسري، نظرياً، على إيران.
ترجمة: عبدالرحمن الحسيني
صحيفة الغد الأردنية