قياس نتائج الحرب الإسرائيلية على غزة، بالنظر إلى أعداد الضحايا من الشهداء والجرحى، لا يُمكن أن يؤدي إلى أية نتائج صحيحة، إذ أن هذه الطريقة في استنتاج من هو المنتصر ومن هو المهزوم تصلح لمباريات كرة القدم، وليس للحروب والصراعات البشرية، التي تنتج عنها تحولات سياسية واستراتيجية كبرى.
بعض المتابعين للشأن الفلسطيني، أو أولئك الغارقين في التشاؤم خلصوا منذ أسابيع إلى أن الفلسطينيين انكسروا وانهزموا في هذه المعركة، بسبب أن الاحتلال قام ويقوم بسحق قطاع غزة وتنفيذ عملية إبادة جماعية شاملة، ويستخدم سياسة الأرض المحروقة في القطاع، وهو ما يعني أنه لا يوجد فلسطيني في غزة إلا وتكبد خسائر فادحة، كما أنه يكاد لا يوجد عائلة هناك إلا وفيها شهيد أو جريح أو أكثر من ذلك.
واقع الحال أن هذا النوع من التحليل ليس صحيحاً ولا يُمكن أن ينتهي إلى أية نتائج منطقية، فالحساب الذي ينطلق من قاعدة أن حماس قتلت 1200 إسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بينما إسرائيل قتلت 35 ألفاً في الحرب التالية، وعليه فإن الفلسطينيين خسروا أكثر، وإسرائيل هي التي انتصرت وانتقمت.. هذا الحساب برمته لا يُمكن أن يكون صحيحا ولا يُمكن لنتيجته أن تكون ذات معنى، ذلك أنه يصلح لحساب الفائز والخاسر في مباريات كرة القدم وليس في الحروب الكبرى.
ثمة قاعدة مهمة في الحروب والصراعات وهي، أن الطرف الأقدر على الصمود وتحمل الخسائر هو الأقرب للانتصار، والذي لديه استعداد أكثر لسداد ثمن النصر، هو الذي يحظى به في نهاية المطاف
في الحروب والصراعات الكبرى ليس شرطاً أن يكون الطرف الذي تكبد الخسائر الأكبر هو الذي مني بالهزيمة، بل في أغلب الحالات – إن لم يكن جميعها- فإن الطرف الأقدر على تكبد الخسائر هو الذي يحظى بالنصر، ففي الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال، كان إجمالي الخسائر البشرية لدول المحور 12 مليون قتيل، بينما خسرت دول الحلفاء أكثر من 61 مليون شخص، وهو ما يعني أن الخسائر البشرية للمنتصرين كانت خمسة أضعاف خسائر المهزومين.
ثمة قاعدة مهمة في هذه الحروب والصراعات وهي، أن الطرف الأقدر على الصمود وتحمل الخسائر هو الأقرب للانتصار، كما أن الطرف الذي لديه استعداد أكثر لسداد ثمن النصر، هو الذي يحظى به في نهاية المطاف، كما أن القاعدة الأخرى والأهم هي أن الحكم على نتائج الحروب، لا يتم عبر إحصاء الخسائر والبشرية والمادية ومقارنتها بين الطرفين، إذ هذه الطريقة يُمكن فيها احتساب الفائز والخاسر في مباريات كرة القدم، وليس في الحروب والصراعات الكبرى مثل الحرب في غزة.
تقييم الحروب يتم بنتائجها وأهدافها، وهنا ستكون إسرائيل قد انتصرت في حال حققت الأهداف المعلنة والمحددة سلفاً لهذه الحرب، وهي الأهداف الثلاثة التي أعلن عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر من مرة، وتوافق عليها أعضاء حكومته ومجلس الحرب، وهي: القضاء الكامل على حركة حماس، واستعادة الأسرى (أو الرهائن) المحتجزين في غزة، والقضاء على أي تهديد أمني يأتي من جهة القطاع. وواقع الأمر بطبيعة الحال هو أنه على الرغم من عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وملايين النازحين والمنكوبين، وآلاف المنازل المهدومة والمدمرة، فإن الجيش الإسرائيلي لم يحقق شيئاً من أهدافه، كما أن مسار الشهور السبعة الماضية يدل على أن الاحتلال يقوم بحرب انتقامية للثأر مما حدث في السابع من أكتوبر، من دون أن يتمكن حتى الآن من تحقيق أية أهداف استراتيجية.
والخلاصة هنا هو أن الحروب تُقاس بالمآلات وليس المسارات، إذ كل الحروب في العالم تؤدي إلى خسائر مأساوية، وتؤدي إلى كوارث إنسانية بشعة كتلك التي نشهدها اليوم في قطاع غزة، لكنَّ هذه الكوارث والمآسي ليست هي التي تشير إلى من هو المنتصر ومن هو المهزوم.. لأن المنتصر هو الذي يُحقق أهدافه التي شنَّ من أجلها الحرب.