يرى الكاتب بروس ياندل أن زيارة وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يِلين، للعاصمة الصينية بكين في الشهر الماضي قد حققت نجاحات على العديد من الجبهات. فقد أجرت محادثات مع كبار المسؤولين الصينيين بشأن قضايا حساسة تتعلق بالسياسة الاقتصادية للبلدين، بما في ذلك التجارة والسيارات الكهربائية والرقائق، وبالتالي تعزيز روابط الاتصالات المهمة، ما يخلق تفاؤلاً في تخفيف حدة المشاعر العدائية.
وقال ياندل، الزميل البارز في مركز «ميركاتوس» في جامعة جورج ميسون و العميد الفخري لكلية كلمسن الجامعية لإدارة الأعمال والعلوم السلوكية في الولايات المتحدة، إن يِلين التي ربما تكون العضو الأكثر خبرة عالمياً في إدارة الرئيس بايدن والتي تتمتع بشخصة جذابة، تعرف كيف تعمل على المستويات العالية ويبدو أنها تحتفظ بمكانتها.
وأضاف ياندل، الذي كان مدير مفوضية التجارة الاتحادية في عهد الرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريغان، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال انتِريست» الأمريكية، أن الزيارة مهمة لعدة أسباب ولكن في المقام الأول لأنه لا تزال الولايات المتحدة والصين تحتاج كل منهما للأخرى، رغم خلافاتهما التي أظهرها بقوة إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخير عن فر ض رسوم جمركية جديدة على السيارات الكهربائية الصينية.
ويرى الباحث أن هناك مكاسب كبيرة ومحتملة لاحقاً من إقامة تعاون أفضل، ولكن للحصول على هذه المكاسب يتعين تقسيم الاختلافات بين الدولتين إلى الاختلافات السياسية والانتقالية في المقام الأول، والاختلافات التي تعكس اختلافات طويلة الأمد وأكثر جوهرية- اقتصادية وأخرى .
ويقول إنه من غير المرجح أن تتلاشى المخاوف إزاء الخطوة المقبلة للصين، فيما يتعلق بتايوان وتعاملها مع حقوق المستثمرين الأجانب المتعلقة بالملكية الفكرية وحقوق الملكية الأخرى، لبعض الوقت .
وفي رأيه أن هناك ثلاث فرص على الأقل لتحقيق مكاسب مهمة من التعاون الجيد بين الولايات المتحدة والصين. والفرصة الأولى هى أنه منذ الربع الأول من عام 2023، ورغم حالات العجز في الميزانية الفِدرالية الأخذة في الاتساع وانخفاض معدل المدخرات الخاصة، يستهلك الأمريكيون أكثر مما ينتجون، فيما ينتج الصينيون أكثر كثيراً مما يستهلكون كل عام، ويحتاجون بالتالي لبيع إنتاجهم الفائض إلى آخرين.
ونظرا لأن أمريكا لديها شهية كبيرة لمزيد من البضائع الاستهلاكية، تبدو شواطئها هى الوجهة المنطقية. وعموماً، هناك شئ يمكن الاتفاق عليه وهو أن الصين مصدر يعتمد عليه للحصول على البضائع الاستهلاكية بكميات كبيرة منذ عقود. والصينيون يعرفون كيفية إنتاج ما يرغب فيه الأمريكيون.
ويقول ياندل إنه «يتعين على اولئك، الذين يعتقدون أننا نستطيع القضاء على العجز التجاري لدينا بشكل كامل من خلال فرض رسوم جمركية أعلى يدفعها المستهلكون الأمريكيون على البضائع الصينية، أن يتنبهوا لعدم صحة هذا الافتراض».
و تتمثل الفرصة الثانية في أنه في ظل حالات عجز الميزان التجاري، تعتبر الملكية الأجنبية لدَين الحكومة الأمريكية الآن في أعلى مستوى لها على الأطلاق .
وفي الشهر الأخير من العام الماضي كان لدى الصين، ثاني أكبر مشترٍ لسندات الخزانة الأمريكية بعد اليابان وقبل بريطانيا، ما قيمته 816 مليار دولار. وهذا يعني عملياً أن أمريكا تقترض من الصين لنشترى بضائعها. وبالتالي فإنه إذا ما توقفت الصين عن الإقراض (أي شراء السندات الأمريكية)، سيتعين علي أمريكا أن تقترض أكثر من مقرض أعلى تكلفة، أو أن يغير الأمريكيون بعض عاداتهم الاستهلاكية.
و يضيف ياندل «في الحقيقة، كنا سنصبح في هذه الحالة أفقر قليلاً. وفي ظل هذه الظروف، يكون التعاون وليس المواجهة التي تؤثر على كل شيء أمراً منطقياً.
وتتمثل الفرصة الثالثة في أن الولايات المتحدة والصين قد تبنتا توجهات مماثلة تتعلق بالسياسة الصناعية. فكلتا الدولتين تستثمران أموال شعبيهما في دعم إنتاج السيارات الكهربائية والرقائق والخلايا الشمسية والآلات عالية التقنية.وبالتالي يبدو أن تهدئة التوترات وإجراء محادثات أكثر هدوءاً يمكن أن تدفع الدولتين إلى خفض إجراءات المحاباة التنافسية.
ذلك لأن الصين تمتلك تفوقاً متأصلاً في قطاع السيارات الكهربائية، بينما الولايات المتحدة لديها أفضلية تكنولوجية في هندسة الرقائق وإنتاجها. وإذا كان الأمر ذلك، فإن التعاون يمكن أن يؤدي إلى إنتاج سيارات كهربائية منخفضة التكلفة وانبعاثات أقل بالنسبة للدولتين.
وتابع ياندل أن من السهل نسيان أن الصين تواجه مستقبلاً فيه تحديات أكثر مما تواجهه الولايات المتحدة، فهي تكافح مع اقتصاد يتعثر ويعاني من ارتفاع البطالة وانخفاض مستمر في معدل المواليد وسكان يتقلص عددهم بشكل حاد.
ومن المتوقع أن يخسر الصينيون 20% من قوتهم العاملة بسبب الشيخوخة مع حلول عام 2050. وبالإضافة إلى ذلك ، فإنه بسبب أخطاء سابقة في اختيار الأهداف الاقتصادية، تتعامل البلاد مع حالات إفلاس خطيرة في قطاع العقارات. وعلى سبيل المقارنة، يبدو الاقتصاد الأمريكي بالمعنى النسبي مثل الطريق الاسطوري الممهد بالذهب.
ويقول ياندل إنه مع ذلك «يتحدث قادتنا الوطنيون الحاليون والطامحون على نحو مستمر عن ضرورة فرض رسوم جمركية أعلى على البضائع الصينية والأجنبية الأخرى، وهذه تكاليف يتحملها في نهاية المطاف شعبنا وشركاتنا».
ويقول الباحث أنه بسبب قرار الولايات المتحدة بضرورة العمل على الوصول إلى مستقبل يعتمد على السيارات الكهربائية لاعتبارات بيئية، يرتعد الزعماء الأمريكيون فيما يبدو من احتمال الأعداد الهائلة من السيارات الكهربائية صينية الصنع رخيصة والمنتجات الأخرى التي تصل لإشباع عادات الشراء لدى الأمريكيين .
ويقول ياندل أن يِلين ناشدت القيادة الصينية اتخاذ إجراءات لرفع مستوى انفاق المستهلكين المحليين والابتعاد عن إغراق السوق العالمية بالصادرات من السيارات الكهربائية والسلع ذات التكنولوجيا المتقدمة. وبدا أن مضيفيها قد أصغوا إليها، ولكنهم ردوا عليها أيضاً، حيث أشاروا إلى أن الصين تستجيب ببساطة لقوى السوق بينما الولايات المتحدة نفسها قد اختارت أن تقيد هذه القوى بالرسوم الجمركية وباموال الدعم.
واختتم ياندل تقريره بالقول إن هذا هو الوقت لتنقية الأجواء وتحديد ما هو حقيقي وكيفية التكيف مع حقائق المكاسب من خلال التعاون، فالخلافات مستمرة ، ولكن «دعونا نأمل في استمرار المحادثات الثنائية».