مع انتهاء ولاية فولوديمير زيلينسكي الرئاسية في أوكرانيا اليوم 20 مايو/أيار الحالي، بعد خمس سنوات قضى قرابة نصفها في ظل الحرب مع روسيا، وعلى الرغم من تراجع السجالات في كييف والعواصم الغربية حول ضرورة تنظيم انتخابات رئاسية تكرس التجربة الديمقراطية الأوكرانية، والتسليم بمواصلة الرئيس الحالي مقاليد الحكم حتى تضع الحرب أوزارها، يبدو أن موسكو مصرّة على فتح معركة جديدة عبر مواصلة التشكيك بشرعية زيلينسكي بعد انتهاء فترة حكمه، لأهداف تتراوح بين إثارة المشكلات والقلاقل الداخلية، وإغلاق باب التفاوض مع زيلينسكي “غير الشرعي”.
وكان من المقرر تنظيم الانتخابات البرلمانية الأوكرانية نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والرئاسية في 31 مارس/آذار الماضي، لكن الانتخابات البرلمانية أُجِّلت بعد تمديد حالة التعبئة والحرب في أغسطس/آب الماضي، ولاحقاً، أُجِّلت الانتخابات الرئاسية مع تمديد حالة الطوارئ مرتين، في 13 فبراير/شباط الماضي و10 مايو الحالي، كل منهما مدة 90 يوماً.
وحسب رجال القانون الأوكرانيين، فإن الانتخابات تحتاج إلى وقف العمل بحالة التعبئة والحرب مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، حتى يستطيع المرشحون تقديم برامجهم ضمن الحملة الانتخابية، ومراعاة الدستور الذي ينص على أن الفترة بين إعلان الانتخابات ويوم الاقتراع يجب ألا تقل عن شهرين.
أحجم فريق زيلينسكي عن توجيه طلب للحصول على استشارة المحكمة الدستورية الأوكرانية للبت في قانونية تأجيل الانتخابات
وقبل انتهاء ولاية فولوديمير زيلينسكي واجهت السلطات الأوكرانية، منذ ربيع العام الماضي، ضغوطاً خارجية. ودعا رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا تايني كوكس، في مايو من العام الماضي، الأوكرانيين إلى تنظيم الانتخابات البرلمانية في وقتها المقرر في أكتوبر 2023، ولاحقاً الرئاسية. وقال كوكس، وقتها، إنه “يجب على أوكرانيا أن تنظم انتخابات حرة ونزيهة، لأن هذا هو التزامكم (الأوكرانيين) بموجب ميثاق مجلس أوروبا. وبالطبع ستفعلون ذلك، لأنه من دون انتخابات تكون الديمقراطية مستحيلة. إذا لم تفعلوا ذلك، فسيبرز سؤال: ما الذي ندافع عنه في حربنا مع روسيا؟ – فكروا”. ولاحقاً، عدل كوكس تصريحاته، وأقر بأنه لا يمكن قبل انتهاء ولاية فولوديمير زيلينسكي تنظيم انتخابات في حالة فرض حالة الطوارئ العسكرية في أوكرانيا، التي من غير المرجح أن تُرفع قبل انتهاء الحرب، لكنه أشار إلى أنه “في وقت معين ستُنظم الانتخابات، ونصيحتي هي بدء التحضير لها في أقرب وقت ممكن”.
وشدد عدد من المسؤولين الأوروبيين والأميركيين، أكثر من مرة، على أن الالتزام بمواعيد الانتخابات سيسمح لأوكرانيا بالحفاظ على صورة الدولة الديمقراطية، وفي هذه الحالة، سيكون من الأسهل على السياسيين الغربيين الاتفاق على حُزم مساعدات جديدة. وتحدث السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، في أغسطس الماضي، علناً، عن رغبات المؤسسة الأميركية أثناء زيارته كييف، مشدداً على أنه “حان الوقت لأوكرانيا لاتخاذ الخطوة التالية في إرساء الديمقراطية وإجراء الانتخابات في العام 2024”.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست، في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن حضّ زيلينسكي، أثناء زيارته كييف في سبتمبر الماضي، على التشاور على نطاق واسع مع المجتمع المدني والمعارضة الأوكرانية بشأن موعد الانتخابات المقبلة، لكن مسؤولاً أميركياً كبيراً قال للصحيفة نفسها إن إدارة الرئيس جو بايدن تتفهم العديد من العقبات التنظيمية لتنظيم الانتخابات أثناء الحرب. وعلى الرغم من الضغوط الغربية، أعلن زيلينسكي، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن الوقت غير مناسب للانتخابات، موضحاً، في رسالة فيديو في قناته على “تليغرام”، أنه “في زمن الحرب، عندما تكون هناك العديد من التحديات، فمن غير المسؤول على الإطلاق أن نطرح موضوع الانتخابات على المجتمع بطريقة تافهة أو هزلية”. وخلص إلى أن “الانتخابات الآن في غير وقتها”، وحضّ الأوكرانيين على التركيز على قضايا الدفاع ومواصلة العمل بوحدة، والابتعاد عن الانقسام.
موقف المعارضة
وتباينت آراء المعارضة الأوكرانية من موضوع الانتخابات قبل انتهاء ولاية فولوديمير زيلينسكي الرئاسية. ففي سبتمبر الماضي، حذرت رئيسة وزراء أوكرانيا السابقة يوليا تيموشينكو من أن تنظيم الانتخابات أثناء الحرب “سيؤدي إلى خسارة أوكرانيا”. وعلى الرغم من إشارتها إلى خلافات بين حزبها الوطن وزيلينسكي، إلا أن تيموشينكو ذكرت، وقتها، في مقابلة مع “واشنطن بوست”، أن “ثمن إجراء الانتخابات في وقت الحرب سيكون الهزيمة. الوحدة هي مورد لا غنى عنه لانتصارنا”. وأضافت أن “أولئك الذين يضحون بحياتهم على الجبهة لن يتمكن معظمهم من التصويت. وهناك سبعة ملايين أوكراني هم الآن لاجئون، وكثيرون منهم يعيشون خارج البلاد، معظمهم أيضاً لن يتمكن من التصويت”.
الرئاسة الأوكرانية (العربي الجديد)
أخبار
الرئاسة الأوكرانية تُعد طلب تأجيل الانتخابات وتتردد بتقديمه للمحكمة
في المقابل، بدأ أنصار الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو الترويج لفكرة عدم شرعية الرئيس بعد انتهاء ولاية فولوديمير زيلينسكي في 20 مايو الحالي، في حال عدم إجراء الانتخابات، لكنهم تراجعوا شيئاً فشيئاً مع خفوت الأصوات الغربية المطالبة بتنظيم الانتخابات. وبدا أن اعتراضات بوروشينكو تهدف إلى زيادة شعبيته، وتثبيت ذاته المعارضَ الأساسيَّ لزيلينسكي، كما لا يمكن استبعاد أن بورشينكو يرغب في الدخول في حكومة ائتلافية حتى لا يبقى مع حزبه خارج الضوء.
غموض الدستور
الدستور الأوكراني لا يحظر بوضوح إجراء انتخابات رئاسية في ظل الأحكام العرفية، لكنه ينص في المادة 108 منه على أن الرئيس يجب أن يستمر في منصبه حتى انتخاب خلف له، وأن تستمر الولاية الرئاسية مدة خمس سنوات (المادة 103). ويشير خبراء القانون الأوكرانيين إلى أن غياب آلية لتمديد ولاية الرئيس هو إغفال متعمد، هدفه الحدّ من مخاطر إساءة استخدام السلطة، وفي الوقت ذاته، يحظر قانون الانتخابات الأوكراني تنظيم الانتخابات أثناء الأحكام العرفية.
وفي محاولة لإنهاء الجدل حول شرعية زيلينسكي من عدمها، أصدرت اللجنة الانتخابية المركزية في أوكرانيا قراراً في 22 فبراير الماضي، أكدت فيه أن زيلينسكي يحظى بالشرعية بعد 20 مايو 2024. وأشارت إلى أن قرارها ينطلق من أنه “وفقاً للدستور، يواصل الرئيس واجباته حتى أداء رئيس جديد القسم، ولا يمكنه أن ينقل صلاحياته إلى شخص آخر في هذه الفترة، باستثناء حالات محددة وهي: الاستقالة، أو الموت، أو الوضع الصحي، أو العزل”. وقالت اللجنة إن على مجلس الرادا العليا (البرلمان) الأوكراني أن يحدد موعداً للانتخابات بعد نهاية الحرب مباشرة.
وأوضحت اللجنة الانتخابية أن زيلينسكي سيتحول، رسمياً، إلى قائم بمهام الرئيس. ولكن معارضين يصرون على أن رئيس البرلمان هو المخول استلام السلطة مؤقتاً حتى موعد الانتخابات المقبلة، ويستشهدون بما حصل في ربيع 2014 بعد فرار الرئيس الأسبق فيكتور يونوكوفيتش إلى روسيا إثر إطاحته، وحينها شغل رئيس البرلمان أولكسندر تورتشينوف منصب الرئيس بالنيابة، ثم سلم السلطة إلى بوروشينكو، الفائز في الانتخابات الرئاسية اللاحقة.
في 10 مايو الحالي، وقّع الرئيس الأوكراني قانون تمديد التعبئة العامة وحالة الحرب في بلاده تسعين يوماً اعتباراً من الـ14 من الشهر الحالي، بعدما أيد مجلس الرادا العليا الأوكراني التمديد في وقت سابق. وبمقتضى القانون الجديد، تستمر حالة الحرب التي بدأت منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا حتى 12 أغسطس/آب المقبل، مع امكانية تمديدها لاحقاً.
اعتبر لافروف أن المناقشات المحيطة بالانتخابات الرئاسية في أوكرانيا تعكس رغبة زيلينسكي التشبث بالسلطة قدر الإمكان
اللافت أن فريق زيلينسكي أحجم عن توجيه طلب للحصول على استشارة المحكمة الدستورية الأوكرانية للبت في قانونية تأجيل الانتخابات، وشرعية الرئيس بعد انتهاء ولاية فولوديمير زيلينسكي التي استمرت خمس سنوات. واستغل الإعلام الروسي والمعارضون الأوكرانيون المقيمون في روسيا القضية لطرح أسئلة حول شرعية زيلينسكي، وذهب بعضهم إلى أن رفض عرض الخلاف على المحكمة الدستورية دليل على وجود شكوك حتى بين فريق زيلينسكي حول شرعيته. في المقابل، خاض الرئيس الأوكراني صراعاً طويلاً مع قضاة المحكمة الدستورية لمقاومتهم تشريعات مكافحة الفساد. ومن المؤكد أن أي قرار يقلل من شرعية زيلينسكي سيفتح الباب على شقاق وخلافات في مجتمع أنهكته الحرب الروسية المتواصلة منذ نحو 27 شهراً.
مواقف روسيا من انتهاء ولاية فولوديمير زيلينسكي
على الرغم من أن المسؤولين الروس، ومن ضمنهم الرئيس فلاديمير بوتين، شككوا أكثر من مرة في شرعية كل القيادات التي صعدت بعد أحداث ميدان 2014 التي أطاحت حليفها يونوكوفيتش، فقد أطلقت موسكو حملة للتشكيك بشرعية زيلينسكي بعد رفض القوى السياسية في أوكرانيا الذهاب بعيداً في تحدي شرعية زيلينسكي والعمل على تقويضها لأسباب مختلفة، أهمها الخشية من انقسام المجتمع وتأثيرات ذلك على مسار الحرب. ومع اقتراب استحقاق الفراغ الرئاسي حسب الدستور، تبدلت مواقف موسكو.
وفي تعليقه على إلغاء الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في الأول من إبريل/نيسان الماضي، إنه لا داعي لاستباق الأحداث في الوضع مع قرب انتهاء ولاية فولوديمير زيلينسكي ودعا إلى الانتظار حتى تنتهي صلاحياته. وقال: “في مايو، ستأتي اللحظة التي تنتهي فيها صلاحيات الرئيس الحالي، وسنتحرك وفقاً لذلك ونحلل الوضع من أجل إعلان موقفنا”. بيسكوف نفسه ذهب، في 28 إبريل الماضي، إلى أن “مستقبل زيلينسكي محسوم… وقريباً جداً سيشكك كثيرون، بما في ذلك في أوكرانيا، في شرعيته، وسيحدث ذلك من الناحية القانونية في أي حال”.
وأطلقت روسيا حملة التشكيك في شرعية الرئيس الأوكراني قبل انتهاء ولاية فولوديمير زيلينسكي على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف في 18 يناير/كانون الثاني الماضي. حينها أشار إلى أن المناقشات المحيطة بالانتخابات الرئاسية في أوكرانيا تعكس رغبة زيلينسكي في التشبث بالسلطة قدر الإمكان. وفي مؤتمر صحافي في موسكو، وعلى الرغم من تأكيده أن بلاده ليست قلقة بشأن الحياة السياسية في أوكرانيا، إلا أن لافروف قال: “سمعنا أن الغرب يوصي بشدة بأن ينظم زيلينسكي مثل هذه الانتخابات، على أمل، على ما يبدو، أن الحملة الانتخابية والتصويت نفسه سيجعلان زيلينسكي يتماشى مع مصالح الغرب”. وانتهز القصة للتذكير برواية موسكو المنطلقة من أن “كييف مُنعت سابقاً من التوقيع على معاهدة سلام بشأن التسوية مع الاتحاد الروسي بأمر من (بوريس) جونسون وغيره من الأنكلوسكسونيين”.
التوضيح الأهم لموقف موسكو صاغه مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، حين قال أمام مجلس الأمن الدولي، في 22 مارس/آذار الماضي، إن “القرار الأحادي الذي اتخذه ديكتاتور كييف بعدم إجراء انتخابات رئاسية خوفاً من خسارتها على ما يبدو، والذي اتخذ في انتهاك للدستور الأوكراني، يجعله غير شرعي اعتباراً من 21 مايو (الحالي). مع أخذ هذا في الاعتبار، فضلاً عن انهيار معدلات الدعم لزعيم العصابة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: من يمثل الآن؟ ومع من يجب أن نتفاوض ومتى إذا لزم الأمر؟”. ولم يفوت نيبينزيا الفرصة للتأكيد أن “نظام كييف غير قادر من حيث المبدأ على التفاوض، ويحظر في البلاد إجراء أي مفاوضات مع الاتحاد الروسي”.
وتكشف تصريحات لافروف ونيبينزيا أن روسيا، التي أعلنت أنها جاهزة للتفاوض شرط مراعاة التغيرات على الأرض، تنطلق من أن زيلينسكي لا يملك الشرعية للتفاوض، ما يعطل أي جولات جديدة، وعليه، فإنها تفضل التفاوض مباشرة مع “رعاته الغربيين” حسب التعبير الدارج على لسان المسؤولين الروس، ومن غير المستبعد أنها قد تعترض مستقبلاً على أي اتفاقات يوقعها زيلينسكي “غير الشرعي” مع الغرب.
وكانت مديرية المخابرات الرئيسية في وزارة الدفاع الأوكرانية قد حذرت، في بيان نشرته على موقعها في 27 فبراير الماضي، من أن حملة التشكيك في شرعية زيلينسكي ستبلغ ذروتها ما بين مارس الماضي ومايو الحالي. وذكرت المديرية أن الهدف الرئيس من حملة التشكيك هو إثارة الصراع في أوكرانيا، عبر بثّ الذعر ودق إسفين بين الجيش والمدنيين وتعطيل التعبئة. ودعا البيان المواطنين والشركاء الغربيين إلى تعزيز التدابير الأمنية الشاملة.
ومن دون التقليل من هذه التحذيرات، فالأرجح ألا تحدث تغيرات كبيرة في أوكرانيا بعد انتهاء ولاية فولوديمير زيلينسكي الرئاسية الحالية. فحتى بوروشينكو وتيموشينكو وعمدة كييف فيتالي كليتشكو وآخرون التزموا الصمت خوفاً من أن تنظيم الانتخابات قد يؤدي إلى تفجير البلاد. ومن المستبعد أن تندلع أحداث شغب واحتجاج في المستقبل القريب، إلا في حال حصول نكسة عسكرية كبرى أو تصاعد الخلافات مع جنرالات الجيش.