ضمن سباق محموم لاستثمار الغاز العراقي المهدور منذ سنوات، أطلقت حكومة بغداد جولات تراخيص جديدة لاستثمار الغاز والنفط من قبل الشركات العالمية، في محاولة لإيقاف حرق الغاز في العراق وسط عراقيل وصعوبات محلية وخارجية تعترض هذا الحراك.
وقبل أيام رعى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، حفل إعلان تراخيص الجولة الخامسة والسادسة، التي تتضمن بمجملها 29 مشروعاً للحقول والرقع الاستكشافية النفطية والغازية، تتوزع بين 12 محافظة، مؤكداً أن «هذه المشاريع الاستراتيجية ستسهم بزيادة الاستثمارات في تلك المحافظات، بما يساعد على تحسين واقعها الاقتصادي والخدمي» فيما أعلن وزير النفط العراقي حيان عبد الغني، أن هاتين الجولتين ستضيفان أكثر من 3 مليون قدم مكعب قياسي إلى إنتاج العراق من الغاز، بالإضافة إلى 1.5 مليون برميل من النفط الخام.
وأضاف عبد الغني «أن اختيار الشركات جاء استجابة للمعايير التي وضعتها الوزارة، حيث تم عرض الفرص أمام 22 شركة أبدت رغبتها بالحصول على تلك الفرص ومنها شركات كبيرة وعالمية معروفة بقدرتها على الاستثمار في مجال النفط والغاز» حسب قوله.
وانسجاما مع ذلك الحراك، أعلنت وزارة النفط العراقية توقيع سلسلة من العقود مع شركات أجنبية بهذا الخصوص، ومنها التوقيع على عقد بين شركة نفط الوسط وائتلاف شركتي «جيرا» الصينية و«بتروعراق» لتطوير حقل المنصورية الغازي للوصول إلى إنتاج حجمه 100 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم في غضون 18 شهرا. كما أكدت أن الاتفاق يهدف أيضا إلى تحقيق إنتاج الذروة البالغ 300 مليون قدم مكعب قياسي يوميا في غضون أربع إلى خمس سنوات.
وكان وزير النفط العراقي أعلن في كانون الثاني/يناير سنة 2022 أن مخزون الغاز في حقل المنصورية في محافظة ديالى، يبلغ 4.5 تريليون قدم مكعبة قياسية، وأن الاستثمار اليومي ستكون طاقته 300 مليون قدم مكعبة يوميا.
ومن جانب آخر وقعت وزارة النفط عقدا لتطوير حقل عكاز الغازي في الأنبار غربي العراق، مع شركة «يوكرزم ريسورس» الأوكرانية.
وأشرف وزير النفط، حيان عبد الغني على حفل توقيع العقد بين الوزارة وبين شركة يوكرزم ريسورس الأوكرانية، وكذلك رعايته لعقد تنازل شركة كوكاز الكورية لصالح الشركة الأوكرانية. وبين عبد الغني أن «الجهد الوطني في شركة نفط الوسط قد تمكن في وقت سابق من تشغيل الحقل ضمن الخطة المعالجة لتزويد محطة عكاز الغازية بمعدل 60 مقمق». وأضاف أن «الوزارة تهدف من خلال العقد مع الشركة الأوكرانية الوصول إلى معدل 100 مقمق للمرحلة الأولى من 1-2 سنة، و400 مقمق خلال 4 سنوات» لتزويد محطات توليد الطاقة الكهربائية بكميات جديدة من الغاز الطبيعي.
استثمار غاز حقل الفيحاء بالبصرة
ضمن الحراك الحكومي لاستثمار حقول الغاز في الجنوب، أعلنت وزارة النفط العراقية عن تخطيطها لزيادة استثمار غاز حقل الفيحاء بالبصرة. وأكد وكيل الوزارة لشؤون الغاز عزت صابر في بيان «أهمية الإسراع بتنفيذ وتشغيل مشاريع استثمار الغاز المصاحب للعمليات النفطية، بهدف دعم قطاع الطاقة في العراق». وعبر صابر عن «أمله في استثمار كمية 130مقمق نهاية العام من الحقل وتجهيز محطات الطاقة الكهربائية بكمية 100 مقمق من الغاز الجاف باليوم إلى جانب إنتاج 1100طن من الغاز السائل».
فيما وقعت وزارة النفط مذكرتي تفاهم إحداهما مع شركة روسية لاستثمار حقل الناصرية بطاقة تزيد على 300 ألف برميل يوميا، كما تتضمن إنتاج النفط واستثمار الغاز لتشغيل محطات الكهرباء وإنشاء مصفى يتناسب مع حجم الإنتاج النفطي، فضلا عن إنشاء مصنع للبتروكيمياويات في ذات الحقل. كما أن هناك مشروعا آخر هو مشروع جنوب البصرة المتكامل الذي يستثمر حقل الطوبة النفطي بطاقة إنتاج 200 ألف برميل يوميا.
وفي السياق ذاته وقّعت شركة «ربان السفينة» العراقية 9 مذكرات تفاهم مع 7شركات أمريكية في إطار مشروع تطوير حقل بن عمر للغاز بمحافظة البصرة، حسبما أعلنه احمد المحسن، مدير تطوير الأعمال لمشاريع النفط والطاقة.
وحقل بن عمر هو حقل نفط وغاز عملاق يقع في البصرة، قرب شط العرب، ويبلغ احتياطي الحقل من النفط مليار برميل، ونحو 780 مليار متر مكعب من الغاز.
اعتراضات على توقيع العقود
وبالتزامن مع توقيع سلسلة عقود جولات الترخيص لاستثمار حقول الغاز والنفط في العراق، برزت اعتراضات وتحفظات من خبراء الاقتصاد، على العقود المبرمة مع بعض الشركات الأجنبية منها هيمنة الشركات الصينية على عقود الاستثمار.
فقد أكد الخبير الاقتصادي الدكتور نبيل المرسومي «باتت الهيمنة الصينية» واضحة على حقول النفط العراقية، حيث أصبحت هي المشغل الرئيس في 13 حقلا نفطيا وغازيا في البلاد. وأشار المرسومي في منشور على «فيسبوك» في 11 آيار/مايو الجاري «فازت شركات صينية بخمسة حقول ضمن جولتي التراخيص الخامسة والسادسة. إذ فازت مجموعة تشونغمان بتطوير حقل شرقي بغداد – الامتدادات الشمالية إلى جانب حقل الفرات الأوسط الذي يمتد بين محافظتي النجف وكربلاء». وأضاف «وفازت مجموعة (يونايتد إنرجي) الصينية باستثمار حقل الفاو في البصرة، بينما فازت شركة (تشنهوا) الصينية بتطوير حقل القرنين على الحدود بين العراق والسعودية. كما فازت شركة (جيو- جيد) الصينية بتطوير حقل زرباطية في محافظة واسط». وأكد «وبذلك أصبحت الصين هي المهيمن والمشغل الرئيسي في 13 حقلا نفطيا وغازيا في العراق».
وينبه خبراء آخرون إلى أن الشركات الصينية التي حصلت على عقود جولات التراخيص، أغلبها ليست شركات متطورة في مجال تكنولوجيا النفط، كالشركات الغربية. وكان من الأفضل لجوء الحكومة إلى التنوع في الشركات، والاستعانة بشركات غربية أيضا.
ولم تكن الشركات الصينية وحدها التي قوبلت باعتراضات، فقد أكد رئيس غرفة التجارة الدولية الأوكرانية في العراق، عماد بالك، أن الشركة الأوكرانية التي تعاقدت معها وزارة النفط العراقية الشهر الماضي لتطوير حقل عكاز الغازي بمحافظة الأنبار «وهمية ولا تستطيع التعامل مع حقل ضخم بهذا الحجم».
وقال عماد بالك، في تصريح، إن «الشركة الأوكرانية التي تعاقدت معها وزارة النفط صغيرة، وليست قادرة على إنجاز هذا الاستثمار الكبير». وأضاف أنهم «ينوون بعد الحصول على عقد الاستثمار العمل على تحشيد شركات أخرى للعمل في الحقل، فهي ليست أهلا للتعامل مع حقل ضخم بهذا الحجم».
ضغوط داخلية
وفي صورة للضغوط الداخلية التي تتعرض لها حكومة بغداد، ربط الخبير الاقتصادي الدكتور نبيل المرسومي، بين حادثتي اغتيال البلوغر «أم فهد» بقلب العاصمة بغداد، وبين تعرض حقل كورمور للغاز في السليمانية، إلى استهداف بطائرة مسيرة مؤخرا، مشيراً إلى أن توقيت العمليتين حملتا رسالة واحدة. وكتب المرسومي في صفحته على فيسبوك بتاريخ 26/4/2024: «قصف حقل خورمور الغازي في كردستان، واغتيال أم فهد في قلب بغداد، قوضت الجهود التي بذلتها الحكومة لتحسين البيئة الاستثمارية في العراق». وأشار أن الهدف من الحادثتين «إيصال رسائل سلبية بأن الاستثمار في العراق عالي المخاطر». ولم تكن الضغوط الأمنية من بعض الفصائل المسلحة على الحكومة بعيدة عن هذا المشهد، حيث تعرض حقل كورمور الغازي في السليمانية إلى القصف 8 مرات بمسيرات تسببت بحرائق ومقتل بعض الأجانب العاملين فيه، من دون الكشف عن الفاعلين.
شركة دانة غاز الإماراتية، التي تدير حقل كورمور، أعلنت انها اتخذت خطوات لاستئناف الإنتاج في حقل خورمور للغاز في إقليم كردستان العراق، بعد أيام من تعرضه للقصف. وأوضحت دانة غاز أن قرار استئناف الإنتاج جاء «بناء على الإجراءات الملموسة التي اتخذتها حكومة العراق وحكومة إقليم كردستان لتعزيز الدفاعات بشكل كبير في موقع خور مور». ويرى مراقبون بان قصف حقل خورمور المتكرر تقوم به فصائل موالية لإيران من أجل استمرار استيراد العراق للغاز الإيراني.
ويؤكد الخبراء انه طيلة السنوات الماضية لم تكن هناك إرادة سياسية لدى حكومة بغداد لاستثمار الغاز، وإيقاف حرقه وإنهاء استيراد الغاز الإيراني الضروري لتشغيل محطات الكهرباء، حيث أعلن العراق تخصيص مبلغ 4 مليارات دولار سنويا لاستيراد الغاز من ايران، وذلك بالرغم من ان تقديرات وزارة النفط تشير إلى أن العراق يمتلك احتياطيات تقدر بنحو 132 تريليون قدم مكعب من الغاز، وأن الغاز المصاحب يمثل نسبة 70 في المئة منها.
وإذا كان الهدف من توسيع استثمار الغاز العراقي مؤخرا يعود بالدرجة الأولى إلى سعي حكومة بغداد لتوفير موارد مالية تسد جزءا من العجز الكبير في ميزانيتها، إضافة إلى إقامة مشاريع تنموية في مجال البتروكيميائيات، وتحقيق الاكتفاء الذاتي منها، فلا شك أن الضغوط الدولية وخاصة الأمريكية على حكومة بغداد، ساهمت في التحرك الحكومي العراقي لاستثمار الغاز المصاحب لاستخراج النفط ولايقاف استيراده من إيران الخاضعة لعقوبات دولية.