منذ أن أعلنت الجمهورية الإسلامية رسميًا عن مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان في حادثة سقوط طائرة الهليكوبتر، التي كان يستقلها الرئيس والوفد المرافق له بعد افتتاح إحدى المشاريع الكبرى، التي تربط بلاده بجارتها أذربيجان، وما زالت تفاعلات الحدث إقليميًا ودوليًا مثار نقاشٍ حول ماهية السياسة الخارجية الإيرانية ما بعد الرئيس ووزير خارجيته. يسعى المقال إلى الإجابة بشيءٍ من التحليل على سؤالٍ بالغٍ الأهمّية هو: هل ثمّة تأثيرٌ (إيجابيٌ أو سلبيٌ) على السياسة الخارجية الإيرانية تجاه المقاومة الفلسطينية، والحرب على قطاع غزّة؟
تتطلّب الإجابة عن ذلك رصدّ محددات السياسة الإيرانية، وتأثير الرئيس، ووزير خارجيته عليها، ثم يستشرف المقال طبيعة التغير، وانعكاسه على ملف الحرب على قطاع غزّة، انطلاقًا من مكانة إيران، كدولةٍ قائدةٍ لمحورٍ يقود مواجهةً في مناطق عدّةٍ غير فلسطين (اليمن، لبنان، العراق، سوريا).
لكن الاتجاه السائد أن ما بعد رئيسي لن يكون تغييرًا لافتًا في سياسة إيران الخارجية تجاه فلسطين ومقاومتها
أوّلاً: محددات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه منطقة الشرق الأوسط
لا أحد يجادل على أهمّية شخص الرئيس في بناء السياسة الخارجية لدولته، رغم التعقيد الذي يكتنف النظام السياسي الإيراني، وخصوصية مكانة المرشد الأعلى، وتأثيره على مفاصل صنع القرار. وفي الحالة الراهنة فإن التطرق لشخص إبراهيم رئيسي مهمٌ جدًا، حسب معلومات الكاتب الشخصية من علاقاته الوثيقة مع جميع المكونات الفلسطينية، وعلى رأسها تيار المقاومة الفلسطينية، إذ أشادت فصائل المقاومة كثيرًا بالرئيس إبراهيم رئيسي، ووصفه بعضهم بأنه من أكثر داعمي المقاومة سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا وماليًا ولوجستيًا، ما ساهم في تطور أداء المقاومة، ليس في قطاع غزّة فقط، بل في الضفّة الغربية أيضًا، عبر الإيعاز للجهات المختصة في بلده بالعمل على تسليح المقاتلين الفلسطينيين في الضفّة المحتلة.
رغم ما سبق؛ ثمّة محدداتٌ ثابتةٌ تنتهجها الجمهورية الإسلامية عند رسم سياستها الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط، في القلب منها فلسطين، تقوم على مجموعةٍ من الركائز، هي:
1. المحدد الأيديولوجي، وفي القلب منه معاداة الولايات المتّحدة وإسرائيل.
2. المحدد البراغماتي، ينطلق من فهمٍ عميقٍ للمصالح القومية الإيرانية على كافّة الصعد (السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والعسكرية).
3. المحدد التاريخي، يرتكز على استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية.
4. المحدد الخارجي، يستند إلى توظيف البيئة الاستراتيجية إقليميًا ودوليًا بما يخدم التوجهات والمصالح الإيرانية.
ثانياً: انعكاسات مقتل رئيسي ووزير خارجيته على مجريات الأحداث في قطاع غزّة
مثّلت وفاة إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته صدمةً لكل مناصري المقاومة، لكن الاتجاه السائد أن ما بعد رئيسي لن يكون تغييرًا لافتًا في سياسة إيران الخارجية تجاه فلسطين ومقاومتها، لكنه سيلقي بأثرٍ في اتجاهاتٍ عدّةٍ:
• انشغال القيادة الإيرانية في الترتيب لمعركة الانتخابات، في ظلّ التحديات الداخلية والخارجية، وإدارة شؤون البلاد في هذه المرحلة الحساسة والمعقدة، لا سيّما خارجيًا.
• حجم الضغط المحتمل، والمقايضات التي قد تتعرض لها القيادة الحالية، في ما يتعلق بتبريد ملفاتٍ هامّةٍ، لا سيّما ملف البحر الأحمر ولبنان والعراق.
أشادت فصائل المقاومة كثيرًا بالرئيس إبراهيم رئيسي، ووصفه بعضهم بأنه من أكثر داعمي المقاومة سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا وماليًا ولوجستيًا
رغم أهمّية ما سبق؛ إلّا أنّ وجود مؤسسةٍ عميقةٍ قويةٍ تضبط إدارة الدولة، يرجح إمكانية ضبط محددات السياسية الخارجية، كما كانت في عهد رئيسي من دون تغييرٍ يذكر. فالحرس الثوري هو من يتابع شأن المقاومة واحتياجاتها، وعليه على المدى القريب (ما قبل الانتخابات في يوليو/حزيران القادم) لن يحدث أيّ تغييرٍ ملحوظٍ، وما بعد الانتخابات فيتوقف على طبيعة المتنافسين، والبرامج الانتخابية، وأولويّات الرئيس القادم. لكن؛ تؤكد التجارب السابقة ثبات السياسة الإيرانية حتّى مع برامج الإصلاحيين، إن تمكنوا من الوصول لسدة الحكم.
الخلاصة: لقد خسرت إيران ومحور المقاومة إبراهيم رئيسي، وخسرت الدبلوماسية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، وهو الدبلوماسي الماهر الذي ترك انطباعاتٍ إيجابيةٍ لدى عواصم العالم في إدارته للملفات، وهنا تأتي شخصية علي باقري القائم بأعمال وزير الخارجية، وهو المفاوض في البرنامج النووي، والداعم والمساند لتوجهات إيران في دعم فلسطين. خلاصة القول بأن لا تغيير سلبيًا تجاه دعم إيران للقضية الفلسطينية، والمقاومة، انطلاقًا من أن دعم إيران للمقاومة الفلسطينية ثابتٌ سياسيٌ، ومرتكزٌ عقائديٌ يصب في الصالح القومي الإيراني.