الجيش السوداني يفخخ مبادرة القاهرة بعد إدارة الظهر لمنبر جدة

الجيش السوداني يفخخ مبادرة القاهرة بعد إدارة الظهر لمنبر جدة

يشكك الكثيرون في إمكانية نجاح المبادرة المصرية في تحقيق اختراق في جدار الأزمة السودانية في ظل مناورات قيادة الجيش وعملياتها الالتفافية على أيّ مسارات قد تقود إلى تسوية سياسية، ومن ذلك موقفها الأخير الصادم من العودة إلى منبر جدة.

القاهرة – تحذر أوساط سياسية سودانية من محاولة قيادة الجيش السوداني تفخيخ المبادرة المصرية، بعد أن أوصدت الباب كليا أمام جهود استئناف المفاوضات عبر منبر جدة. ورفض الجيش السوداني الأربعاء دعوة للعودة إلى محادثات السلام في جدة مع قوات الدعم السريع وذلك عقب محادثة بين الفريق أول عبدالفتاح البرهان ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.

وتقول الأوساط السودانية إن شعور قيادة الجيش بأن العودة إلى منبر جدة قد تضيّق عليها الخناق، وتدفعها لتقديم تنازلات ترفضها هو ما دفعها إلى اتخاذ هكذا موقف متشدد، مع أنها كانت لوقت قريب تتخذ من هذا المنبر ورقة لرفض أيّ مبادرات سلام بديلة أو مسارات موازية.

وتلفت الأوساط ذاتها إلى أنه من المنتظر أن يعمد الجيش إلى ذات الأسلوب والنهج في التعاطي مع المؤتمر الذي دعت إليه القاهرة، وقد بدأ بالفعل في تفخيخ المبادرة المصرية، من خلال وضع شروط على المشاركين فيها.

وتعكس المبادرة التي طرحتها مصر لعقد اجتماع للقوى السياسية المدنية السودانية على أراضيها، تزايد مخاوف القاهرة من خروج الصراع بين قوات الجيش والدعم السريع عن السيطرة، بعد أكثر من عام على اندلاع الحرب بينهما، وغموض الرؤية العامة حول إمكانية إيجاد حل سياسي يؤدي إلى وقف لإطلاق النار.

وركزت الخطوة المصرية على القوى المدنية لتجاوز إشكالية مع من وضد من تقف القاهرة، حيث بدت رؤيتها منحازة عقب اندلاع الحرب إلى الجيش، لكنها أجرت تعديلات سياسية في مواقفها بما جعلها منفتحة على جميع القوى السودانية. وبينما لم تعلق قوات الدعم السريع على المبادرة المصرية، حتى الخميس، عبّر الجيش عن ترحيبه باستضافة القاهرة مؤتمرا لجميع القوى السياسية المدنية السودانية.

وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن مؤتمر القاهرة يعبر عن خوف من نتائج عدم عودة الطرفين المتصارعين إلى طاولة المفاوضات من خلال منبر جدة، وفي ظل احتدام المعارك في مدينة الفاشر، بولاية شمال دارفور، وما أدت إليه من عراقيل في عملية دخول المساعدات الإنسانية، وتزايد وقوع ضحايا في صفوف المدنيين لاحقا، وتحميل الطرفين مسؤولية ذلك.

واتصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن هاتفيا بقائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الثلاثاء، وحثه على ضرورة إنهاء النزاع بشكل عاجل، وتسهيل وصول المساعدات بلا عوائق، وحماية المدنيين والتخفيف من حدة الأعمال العدائية في الفاشر، واستئناف المفاوضات في إطار منبر جدة، وهو ما رد عليه مالك عقار نائب البرهان لاحقا بالقول “لن نذهب إلى جدة ومن يرد ذلك فعليه أن يقتلنا في بلدنا ويحمل رفاتنا إلى جدة”.

وجاء الاتصال بعد غياب أكثر من عام عن آخر تواصل بين الخارجية الأميركية والجيش، وعقب ظهور مؤشرات لتطور علاقات البرهان مع روسيا وإيران. وقالت المصادر لـ”العرب” إن دعوة القاهرة للمؤتمر تفيد بالتخلي عن حذرها في التعامل مع الأزمة، بعد أن تلقت ردود أفعال إيجابية من قوى مدنية عديدة حثتها على التدخل، والسعي لتحاشي تداعيات التدهور المتزايد في السودان على أمنها القومي.

وأعلنت القاهرة عن استضافة مؤتمر يجمع كل القوى السياسية المدنية السودانية في نهاية يونيو المقبل، بحضور جهات إقليمية ودولية معنية بالأزمة الراهنة، اتساقا مع قناعة مصر بأهمية الحوار لإيجاد حل جذري للأزمة.

وذكرت الخارجية المصرية في بيان لها، الثلاثاء، أن الهدف من المؤتمر التوصل إلى توافق بين مختلف القوى السياسية المدنية حول سبل بناء السلام الشامل والدائم، وتجاوز الأزمة ومعالجة تداعياتها الخطيرة على الشعب وأمن واستقرار المنطقة عبر حوار يتأسس على رؤية وطنية خالصة.

ويأتي المؤتمر المنتظر استكمالاً لمساعي مصر لوقف الحرب، وفي إطار من التعاون والتكامل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، خاصة دول جوار السودان، وأطراف مفاوضات جدة، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، ومنظمة إيغاد.

لكن البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية السودانية، الأربعاء، أكد على التمسك بعدم مشاركة الاتحاد الأفريقي وإيغاد “ما لم يسبق ذلك بدء خطوات فعلية لرفع تجميد نشاط السودان بالمنظمة القارية، وتصحيح إيغاد لموقفها الذي ينتهك سيادة السودان لتكون محل ثقة الشعب السوداني، بما يمكنها من حضور مؤتمر كهذا”، ما يعني أن الجيش وضع عثرات أمام القاهرة التي نوّهت إلى أهمية مشاركة العديد من القوى الإقليمية والدولية، وقد تؤدي شروط الخارجية السودانية إلى انهيار المبادرة المصرية.

وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة إن توقيت عقد المؤتمر ملائم للغاية مع تطورات الحرب في السودان، وعدم قدرة أيّ من المبادرات السابقة تحقيق نتائج ملموسة على الأرض. وذكر حليمة في تصريحات لـ”العرب” أن أهمية المبادرة تكمن في شمولية القوى والأحزاب والتكتلات ومنظمات المجتمع المدني المنتظر مشاركتها، ودعوة دول وجهات إقليمية ودولية ومنظمات متعددة للمشاركة كمراقبة أو متابعة لما يدور في الحوار السوداني.

وأوضح أن المؤتمر سوف يركز على المبادئ الرئيسية التي تؤمن بها القاهرة، وتتمثل في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والمحافظة على وحدة السودان وسلامته، والحرص على تماسك مؤسسات الدولة الوطنية.

وأشار السفير صلاح حليمة لـ”العرب” إلى أن المؤتمر يناقش كافة القضايا المرتبطة بالتطورات الأمنية والعسكرية والسياسية والإنسانية وجهود الإعمار خلال فترة ما بعد وقف الحرب، وأن تبنّي الدولة المصرية للمبادرة الجديدة “يأتي بعد طرح أخرى أخذت مساراً شعبيًا أكثر وقادها المجلس المصري للشؤون الخارجية”.

ولفت إلى أن الطابع الرسمي يمنح زخمًا مهمًا للمبادرة، وأن عدم الإشارة إلى الجيش وقوات الدعم السريع “لا يعني استبعادهما من الحوار، كما أن الإشارة إلى منبر جدة تبرهن على أن القاهرة تدعم المسارات الأخرى التي تسير في إطار وقف الحرب”.

واستضافت القاهرة قمة دول جوار السودان في يوليو من العام الماضي، وتم خلالها الاتفاق على تشكيل آلية على مستوى وزراء الخارجية، وعقدت اجتماعها الأول في تشاد لوضع خطة عمل تنفيذية تتضمن حلولا عملية لوقف الاقتتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة.

وذكر عضو اللجنة التنفيذية لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) محمد الهادي محمود أن التنسيقية ترحب بالمبادرة المصرية، لأن القاهرة هي الأقرب إلى الشعب السوداني في هذه المحنة، وهناك تثمين لجهود مصر في استقبال أعداد كبيرة من السودانيين الفارين من ويلات الحرب.

وأكد محمود في تصريحات لـ”العرب” أن مؤتمر دول جوار السودان الذي نظمته مصر العام الماضي توافرت فيه سبل النجاح، لكن تعنت الجيش والقوى الإسلامية المتحالفة معه أحبط أهدافه، ونحن كقوى مدنية نرحب بأيّ مبادرات للحوار السوداني – السوداني.

وشدد على أهمية أن تأخذ المبادرة المصرية في حسبانها وجود قوى ثورية ومدنية تسعى بشكل حقيقي لإحداث التحول الديمقراطي، مشيرا إلى أن الإعلان مبكراً عن المؤتمر يمنح فرصة للتواصل بين “تقدم” باعتبارها تضم التيار الأكبر من القوى السياسية ومصر للتوافق على طبيعة القوى المشاركة فيه وكيفية إدارة المؤتمر.

وعقدت قوى سودانية عديدة اجتماعات في القاهرة بعد اندلاع الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع، آخرها في أبريل الماضي عندما عقدت مجموعة من القوى السياسية والحركات المسلحة، التي تردد أن عددا كبيرا منها قريب من الجيش، اجتماعا أصدرت على إثره “الميثاق الوطني” وتضمن رؤيتها للتعامل مع الأزمة الراهنة.

العرب