تعتبر حظوظ حزب العمال وافرة بقوة للفوز بالانتخابات التشريعية في بريطانيا خلال شهر يوليو المقبل. ويعمل الحزب على استثمار إخفاقات المحافظين خاصة في المجال الاقتصادي والاجتماعي لإنهاء 14 عاما من حكمهم في المملكة المتحدة.
لندن – يبدو أن حزب العمال البريطاني سيتجه نحو الفوز في الانتخابات العامة المقررة في يوليو المقبل، ليشكل بذلك تحولا كبيرا في المشهد السياسي للبلاد.
ويقول المحلل السياسي البريطاني بيتر كيلنر، الباحث في مركز كارنيغي أوروبا التابع لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، “إنه باستثناء حدوث شيء غير عادي، ستنتهي أربعة عشر عاما من حكم حزب المحافظين في بريطانيا في الرابع من يوليو المقبل”.
وأضاف في تقرير نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أنه “كما هو الحال مع معظم الانتخابات في معظم الديمقراطيات، ستكون القضايا المحلية، وقبل كل شيء الاقتصاد، أكثر أهمية بالنسبة إلى الناخبين من الشؤون الخارجية”.
ومع ذلك، بعد ثماني سنوات من تصويت المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي، وبعد سنتين من غزو روسيا لأوكرانيا، وبعد ثمانية أشهر من اندلاع الحرب في غزة، من الأهمية أكثر من المعتاد أن يطرح هذا السؤال: هل ستسعى حكومة حزب العمال إلى تغيير مكانة بريطانيا في أوروبا والعالم؟
ويقول كيلنر إن الإجابة القصيرة هي نعم، إلى حد ما، ولكن ليس بالقدر الذي كان سيحدث لو فاز حزب العمال في أي من الانتخابات الأخيرة، في 2017 أو 2019.
وفي تلك الفترة كان الحزب يقوده جيريمي كوربن، الذي يعارض حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشكل عام والأسلحة النووية بشكل خاص. كما أنه منتقد شديد لإسرائيل ووجهت له اتهامات بمعاداة السامية.
القضايا المحلية، وقبل كل شيء الاقتصاد، ستكون أكثر أهمية بالنسبة إلى الناخبين من الشؤون الخارجية
وإذا فاز حزب العمال هذه المرة فسيخرج كير ستارمر، رئيس الوزراء الجديد المفترض، في اتجاه مختلف للغاية بعد أن استعاد بقوة السيطرة على الحزب من جناحه اليساري، وقام بالقضاء على معاداة السامية من صفوف الحزب وطرد كوربن.
وفي الواقع إذا فاز ستارمر في 4 يوليو فسيكون رابع زعيم حذر وغير مبهر من يسار الوسط في السنوات القليلة الماضية يتولى السلطة بعد حكام من اليمين، عقب انتصارات جو بايدن في الولايات المتحدة، وأنتوني ألبانيزي في أستراليا، وأولاف شولتس في ألمانيا.
وستظل بريطانيا تحت قيادة ستارمر قوة نووية وعضوا نشطا في الناتو. وستستمر في تقديم المساعدات إلى أوكرانيا.
وفي الأشهر الماضية دعم ستارمر بشكل عام سياسة رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك، تجاه إسرائيل وغزة.
ومع ذلك، وكما هو الحال مع العديد من الشخصيات البارزة في الديمقراطيات الغربية، تحول دعمه الأولي لرد إسرائيل على هجوم حماس في أكتوبر 2023 إلى قلق متزايد بشأن عدد الضحايا وحجم الدمار اللذين تسببت فيهما قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
نطاق واتجاه السياسة الخارجية لحزب العمال واضحان، لكن التفاصيل، وربما بشكل حتمي، أقل وضوحا
ويقول كيلنر “حتى الآن، يبدو كل شيء توافقيا. لكن ليس كل شيء في علاقات بريطانيا مع الدول الأخرى سيبقى دون تغيير”.
ويوضح ديفيد لامي، الذي سيكون وزير الخارجية في الحكومة الجديدة، موقفه مما يعتبره “الواقعية التقدمية” واصفا إياه بـ”استخدام الوسائل الواقعية لتحقيق غايات تقدمية، بدلا من استخدام منطق الواقعية فقط لتجميع القوة، وتستخدم الواقعية التقدمية ذلك في خدمة أهداف عادلة مثل مكافحة التغير المناخي والدفاع عن الديمقراطية وتعزيز التنمية الاقتصادية العالمية. إنه السعي وراء المثالية دون أوهام حول ما يمكن تحقيقه”.
ويستشهد لامي باثنين من أسلافه في حزب العمال هما إرنست بيفين وروبن كوك. وكان بيفين وزيرا للخارجية من عام 1945 إلى عام 1951، وكوك من عام 1997 إلى عام 2001، وساعد بيفين في إنشاء حلف شمال الأطلسي لمعارضة الاتحاد السوفييتي، ووعد كوك بسياسة خارجية ذات “بعد أخلاقي”.
ويتساءل كيلنر “إذن، ماذا تعني الواقعية التقدمية عمليا؟”، ويقول إن لامي يطرح الأمثلة التالية: أولا، يرفض التدخل الليبرالي الذي روج له توني بلير قبل خمسة وعشرين عاما.
ويقول لامي إن هذا التدخل تقوض بفشل العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق وليبيا، و”أصبح ينظر إليه كوصفة للفوضى”، ويضيف أن حكومته “لن تكرر هذه الأخطاء”.
يتعين على بريطانيا أن تتبنى إستراتيجية تتحدى الصين وتتنافس معها وتتعاون معها على نحو متزامن حسب ما يقتضيه الأمر
وثانيا، بالنظر إلى النزاعات وعدم الاستقرار في أوروبا وجوارها، يأسف لامي لعدم وجود وسائل تعاون رسمية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويقول “يجب على المملكة المتحدة السعي إلى شراكة جيوسياسية جديدة مع الاتحاد الأوروبي”.
وفيما يتعلق بالصين يتعين على بريطانيا أن “تتبنى إستراتيجية أكثر اتساقا، إستراتيجية تتحدى الصين وتتنافس معها وتتعاون معها على نحو متزامن حسب ما يقتضيه الأمر”.
ويشير لامي أيضا إلى أنه فيما يتعلق بأوكرانيا وقضايا أخرى، انحرف الجنوب العالمي والديمقراطيات الغربية عن بعضهما البعض، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الغرب “قوض سيادة الدول الأضعف، وسترى حكومة حزب العمال أن مهمتها هي دعم سيادة الدول ضد قوى مثل الإمبريالية الروسية الجديدة وتغير المناخ والفساد”.
وبالنظر إلى أنه بحلول عام 2050 سيعيش ربع سكان العالم في أفريقيا، يقول لامي إن حكومة حزب العمال المقبلة يجب أن “تنتج إستراتيجية جديدة لأفريقيا تقوم بأكثر من مجرد تقديم المساعدات”.
وأخيرا، يسلط لامي الضوء على التغير المناخي كتحد هائل وملح. ويقول “لم تقم القوى الرائدة بالكثير حتى الآن… الواقعية التقدمية تتطلب نهجا أكثر تعاونا. الواقعيون يدركون أنه إذا لم يكن العدل جزءا من الاتفاق العالمي حول المناخ، فإنه سيفشل”.
ويرى كيلنر أن نطاق واتجاه السياسة الخارجية لحزب العمال واضحان، لكن التفاصيل، وربما بشكل حتمي، أقل وضوحا.
وبشكل خاص يقتصر حزب العمال في إشارة لامي المحددة إلى الاتحاد الأوروبي على التعاون العسكري. ولم يذكر أي شيء عن كيفية سعي حزب العمال لإصلاح الأضرار التي لحقت باقتصاد البلاد وتسبب فيها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ويتخوف ستارمر ولامي من أن أي مقترح محدد لتقليص الحواجز التجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي سيثير رد فعل عنيف من المحافظين وحلفائهم في وسائل الإعلام، واتهامات بأن حزب العمال يريد قلب نتيجة استفتاء 2016.
وبمجرد وصوله إلى السلطة لن يتمكن حزب العمال من البقاء صامتا لفترة طويلة. وماذا سيفعل؟ التاريخ يوفر إجابة محتملة.
وفي عام 1964 عاد حزب العمال إلى الحكومة تحت قيادة هارولد ويلسون، بعد أقل من عامين من استخدام الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول حق الفيتو ضد طلب هارولد ماكميلان، رئيس الوزراء المحافظ، للانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة.
وقبل برنامج حزب العمال الانتخابي تلك النتيجة ووعد بأن تركز سياسته الخارجية على الكومنولث.
وفاز حزب العمال بفارق ضئيل، وبعد أقل من ثمانية عشر شهرا عقد انتخابات جديدة لزيادة أغلبيته. وهذه المرة وعد بتقديم طلب للانضمام إلى السوق المشتركة كجزء من سعيه لتحقيق “وحدة أوروبية أوسع”.
وبحسب القول المأثور، التاريخ لا يعيد نفسه أبدا، لكنه أحيانا يتناغم. هل سيثبت ستارمر أنه مرن مثل ويلسون؟ ويجب اكتشاف ذلك خلال الأشهر القليلة المقبلة.
العرب