طرابلس تبحث عما دفع لندن إلى اتهامها بالفساد في قطاع النفط

طرابلس تبحث عما دفع لندن إلى اتهامها بالفساد في قطاع النفط

أثارت تصريحات لوزارة الخارجية البريطانية، أشارت إلى وجود شبهات فساد في استخدام الثروات النفطية، ردود فعل غاضبة لدى حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، بالتزامن مع التساؤل عما دفع لندن إلى تبني هذا الموقف.

طرابلس – قالت وزارة النفط والغاز في حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا، إنها تابعت تصريح وكيل وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية في بريطانيا ديفيد روتلي بشأن ما أسماه الفساد في القطاع النفطي الليبي ردا على سؤال طرحه عضو البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين دانييال كاوتشينسكي.

وكشف روتلي عزم الخارجية البريطانية التحقيق في أي اتهامات أو شبهات تتعلق بالفساد، مشيرا إلى أن الوزارة ستتخذ إجراءات لتعزيز النزاهة وضمان استخدام الثروات الليبية بشكل مسؤول طبقا للتشريعات الدولية.

وسأل كاوتشينسكي روتلي “ما هو التقييم الذي أجرته وزارته بشأن الآثار المترتبة على سياساتها المتعلقة بمستويات الفساد في (أ) صناعة النفط الليبية و(ب) الهيئات النفطية الوطنية”.

قطاع النفط يواجه حالة من الفساد المستشري سواء في شرق البلاد أو في غربها، من خلال التهريب والتلاعب بالصفقات

ويشير متابعون للشأن الليبي إلى أن قطاع النفط يواجه حالة من الفساد المستشري سواء في شرق البلاد أو في غربها، من خلال التهريب والتلاعب بالصفقات، واعتماد دبلوماسية النفط في توطيد العلاقات مع الدول المؤثرة في المشهد السياسي العام، لاسيما أن السلطات الحالية تسعى لاسترضاء القوى الإقليمية والدولية لضمان البقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى.

وكان أعضاء بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا دعوا النائب العام والأجهزة الرقابية إلى التحقيق بشكل فوري في “شبهات فساد”، تتعلق بعقود نفطية أبرمت خلال السنوات الماضية.

ورأت مجلة ” نيوز ويك” الأميركية أن التوصل إلى اتفاق سياسي في ليبيا بعيد المنال للغاية لأنه تم بالفعل التوصل إلى صفقة اقتصادية، ويشكل قطاع النفط الليبي محورا رئيسيا في موجة الفساد.

وأضافت أنه لأكثر من عقد من الزمان، وخاصة في الأشهر الثمانية عشر الماضية، عملت النخب السياسية عبر الانقسام معًا على تقسيم المؤسسات الليبية وميزانياتها فيما بينها، فضلاً عن جميع أنواع إقطاعيات السوق السوداء، بينما يعاني الليبيون أنفسهم من أزمة اقتصادية خانقة، على الرغم من أنهم يعيشون على أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا وفي وقت ترتفع فيه أسعار النفط العالمية نسبيا.

ورأت الصحيفة أنه يمكن لروسيا تعبئة الفساد المتكاثر داخل قطاع النفط الليبي لتمويل عملياتها حيث لا يقتصر الأمر على أن حلفاءها، عائلة المشير خليفة حفتر، أصبحوا الآن قادرين على الوصول إلى ميزانيات الشركات التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط والسيطرة على البنوك الخاصة التي تحتفظ بأموال المؤسسة الوطنية للنفط، يتعلق الأمر أيضًا بوضع روسيا يديها على المال والوقود.

ويشير محللون إلى أن بعض الاتهامات تندرج في سياق حملات الدعاية الإعلامية الموجهة بسبب الدور الروسي في ليبيا، ولكن اتهامات الفساد في قطاع النفط لا يمكن التشكيك في صدقيتها، حيث أن الثروة النفطية تتعرض لأكبر عملية نهب من قبل جهات داخلية مدعومة من قوى إقليمية ودولية، وبالشراكة مع أطراف أجنبية تستفيد من تهريب النفط الليبي ومن صفقات الإنتاج والتصدير التي تحيط بها الكثير من الشبهات، فيما تؤكد أوساط ليبية أن الفساد بات هو القاعدة في ليبيا، وأن الجهات المنددة بالفساد هي التي لا تجد طريقها إلى الانغماس فيه بقوة.

وفي 2 مايو الماضي أجاب ديفيد روتلي “المؤسسة الوطنية للنفط هي مؤسسة مهمة في ليبيا ولها دور حيوي تلعبه. ومع ذلك، فهي معرضة للخطر أمام الجهات الحكومية الخبيثة التي تسعى إلى الاستفادة من عدم الاستقرار السياسي في ليبيا والاستيلاء على الثروة الليبية من قبل عدد صغير من الأفراد ذوي المكانة الجيدة من خلال الممارسات الفاسدة مثل تهريب الوقود، والتي يمكن أن تساهم في عدم الاستقرار الإقليمي، ولذلك فإن المملكة المتحدة تدعم أي جهود للتحقيق في الفساد والمخالفات في المؤسسة الوطنية للنفط وتدعو إلى المزيد من الشفافية بشأن إنفاق الإيرادات”.

ويمثّل النفط الليبي قرابة 95 في المئة من إجمالي الإيرادات وتأتي البقية من الضرائب والجمارك وأرباح مصرف ليبيا المركزي ومداخيل أخرى، حيث تغطي إيرادات النفط قرابة 80 في المئة من إجمالي الإنفاق العام.

وقال المسؤول البريطاني إن المملكة المتحدة واضحة في أنها ستحقق في أي مزاعم ذات صلة بالفساد تندرج تحت قانون الرشوة لعام 2010، وبشكل عام، إن الوسيلة الوحيدة لمعالجة هذه القضايا بشكل مستدام هي من خلال تسوية سياسية تحت رعاية الأمم المتحدة، والتي تواصل دعمها، بما في ذلك من خلال تشجيع جميع الأطراف على المشاركة بشكل هادف.

السلطات الليبية ليست منزعجة من اتهامها بالفساد سواء في قطاع النفط أو غيره، وإنما تخشى ملاحقتها من قبل القضاء البريطاني وفق قانون مكافحة الرشوة لعام 2010

وأوضحت الوزارة الليبية في بيان لها الخميس أنها الجهة المسؤولة عن الرقابة والإشراف على استثمار الثروة النفطية، وبالنظر إلى ما تكتسيه تصريحات الخارجية البريطانية من خطورة، فقد أولت هذا الموضوع اهتماما بالغا، وباشرت تجميع المعلومات والبيانات والملابسات التي من شأنها أن توضح كل جوانب تلك التصريحات الصريحة والخفية، وتمكنها من الاستيعاب الصحيح لمراد التصريح فيما يتعلق بالفساد في قطاع النفط، كذلك الإلمام بالجوانب القانونية ذات العلاقة بدعاوى التدخل في الشؤون المحلية والمساس بالسيادة الليبية تحت تسمية تطبيق التشريعات خارج الحدود.

وذكرت الوزارة أنها راسلت وزارة الخارجية والتعاون الدولي، داعية إياها إلى مخاطبة وزارة الخارجية البريطانية طلبا للمزيد من المعلومات والبيان والتفصيل عن حيثيات ودقائق الموضوع، حتى يتسنى لها اتخاذ إجراءاتها اللازمة بالخصوص، وتقديم تقرير نهائي كامل للحكومة والجهات القضائية والرقابية والمحاسبية بالدولة.

وأكدت وزيرة الدولة بوزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البريطانية آن ماري تريفيليان أن “المملكة المتحدة تواصل العمل مع الشركاء لمعالجة قضايا مثل الشفافية المالية وتهريب النفط” الليبي، مشيرة إلى أن “قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1970 والتشريعات المحلية في المملكة المتحدة يمنحان المملكة المتحدة سلطة فرض عقوبات على الأفراد والكيانات الذين يهددون السلام والاستقرار في ليبيا”، بحسب منشورات البرلمان البريطاني على الإنترنت.

وأفادت تريفيليان إن “الفساد النفطي في ليبيا يعوّق التقدم في العملية السياسية ويسهل ترسيخ الوضع الراهن”، محذرة من أن ذلك “يهدد استقرار ليبيا وتنميتها المستقبلية”.

وبحسب مراقبين، فإن السلطات الليبية ليست منزعجة من اتهامها بالفساد سواء في قطاع النفط أو غيره، وإنما تخشى ملاحقتها من قبل القضاء البريطاني وفق قانون مكافحة الرشوة لعام 2010، الذي يعد من بين التشريعات الأكثر صرامة على المستوى الدولي فيما يتعلق بالرشوة، وقد دخل حيز التنفيذ في يوليو 2011، وهو يطبق بصورة واسعة على الشركات العاملة في بريطانيا، وينطبق بصورة مباشرة على مواطنيها داخل أو خارج أراضيها، خاصة عندما تكون للرشوة آثار يمكن إثباتها داخل المملكة.

العرب