تأخر تشكيل الحكومة المصرية يكشف عن متاعب في اختيار الوزراء

تأخر تشكيل الحكومة المصرية يكشف عن متاعب في اختيار الوزراء

ينتظر المصريون التشكيلة الحكومية الجديدة، التي تأخر الإعلان عنها وسط أنباء عن تعرض رئيس الوزراء المكلف لجملة من الصعوبات في التشكيل من بينها كثرة الاعتذارات، حيث أن الكثير من الكفاءات لم تعد ترى في المناصب الوزارية إغراء.

القاهرة – أثار قرار إرجاء الإعلان عن الحكومة المصرية الجديدة إلى ما بعد انتهاء إجازة عيد الأضحى جدلا واسعا، وطرح تساؤلات حول أسباب تأخير خروجها إلى النور بعد عشرة أيام على تكليف رئيس الحكومة مصطفى مدبولي بإعادة تشكيلها.

وفسّر متابعون التأجيل بكثافة اعتذار كفاءات عن تولي مناصب وزارية لعدم الحصول على ما يريدونه من صلاحيات، والخوف من صعوبة الانسجام داخل حكومة لم تظهر ميلا للتغيير في منهجها، والرغبة في العزوف عن السلطة والتفرغ لأشغال خاصة.

ولا يزال الاستقرار على الأسماء والشكل النهائي للحكومة ودمج أو فصل بعض الوزارات محل نقاشات بين جهات تتولى عملية الاختيار، ما يعبر عن متاعب عملية دائما ما تكون حاضرة عند تكليف قيادات تنفيذية جديدة.

وذكرت دوائر قريبة من الحكومة أن عملية اختيار وزراء جدد مهمة ليست سهلة، فالمنصب لم يعد مغريا للبعض من الناحية المادية أو النفسية، وبعض المرشحين قد يحصلون على عوائد جراء عملهم في مؤسسات القطاع الخاص أو جهات دولية تفوق ما يحصلون عليه من الحكومة، وثمة فحص مالي طبي وأمني وجنائي لكل المرشحين قبل ترشحهم لإثبات عدم وجود مخالفات على الوزراء الذين يتم اختيارهم.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر حكومي مصري قوله إنه “من المقرر أن تؤدي الحكومة الجديدة اليمين الدستورية عقب العودة من إجازة عيد الأضحى، وأن رئيسها يجري مشاورات تشكيلها بشكل يومي، ومازال يكثف لقاءاته مع العديد من الشخصيات المرشحة لتولي حقائب وزارية من الخبرات الوطنية دوليا ومحليا”. وكانت معلومات رسمية جرى نشرها أفادت بأن مصطفى مدبولي سينتهي من تشكيل حكومته منتصف الأسبوع الجاري، على أن يكون أداء اليمين، الثلاثاء (11 يونيو)، غير أن ذلك لم يحدث، وظهرت قائمة بأسماء الوزراء الجدد على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها لم تلق قبولا كبيرا من المواطنين وبدت في نظرهم عادية.

وتواجه عملية اختيار الوزراء في مصر صعوبات، لأنها تعتمد معايير صارمة تضعها جهات رقابية وأمنية بشأن المرشحين، وقد لا يكون هناك رضاء كامل عن الكفاءات المقدمة من جهات سياسية، ويظل وزراء في مناصبهم لعدم التوافق على من سيخلفهم.

وتواجه مسألة تعيين المحافظين ونوابهم صعوبات أكبر، ومن المقرر أن يتم تغيير غالبيتهم عقب أداء الحكومة اليمين الدستورية، وتجد جهات تنفيذية نفسها أمام اختيار قيادات لديها سيرة ذاتية جيدة ولا تمتلك مقومات العمل التنفيذي والقدرة على التواصل مع المواطنين، وهي سمات تنتج من تراكم الخبرات والانخراط في العمل العام.

ولا تتوافر هذه الصفات لدى عدد من القيادات التي يقع عليها الاختيار، ما يفسر الاتجاه نحو أعضاء في البرلمان لاختيار بعض الوزراء والقيادات العليا منهم، لما يملكونه من قدرة وخبرة في التواصل مع الجمهور.

وتوسعت السلطة في تدشين هيئات ومراكز تولي اهتماما بالتدريب والتثقيف والتأهيل وصنع القرار، في مقدمتها الأكاديمية الوطنية للتدريب والبرنامج الرئاسي لتأهيل التنفيذيين للقيادة، وتنسيقية شباب الأحزاب، لكن غابت الممارسة التي تضمن إكساب الشباب الخبرة المطلوبة بما جعل الاعتماد عليهم محل خلاف.

وقال رئيس الهيئة البرلمانية للحزب الديمقراطي المصري الاجتماعي بمجلس النواب إيهاب منصور إن عدم وضوح طريقة الاختيار جعل هناك نقاطا كثيرة غامضة حول توقيت الإعلان عن الحكومة الجديدة، وإن الأحزاب والقوى السياسية لديها قناعة بأهمية الاعتماد على آليات مختلفة عن تلك التي كان يتم الأخذ بها سابقا.

وشدد منصور في تصريح لـ”العرب” على ضرورة اختيار شخصيات تملك القدرة على إدخال تعديلات إيجابية على السياسات الحالية التي انتهجتها الحكومة المستقيلة، بما يشعر المواطنين بقدر من التحسن عبر الاستفادة من الإمكانيات المتاحة نفسها.

وأكد أن إرجاء التعديل فرصة ليختار رئيس الحكومة شخصيات تحظى بقبول سياسي وشعبي، ويعيد حساباته بشأن تواجد وزراء سياسيين واقتصاديين يجيدون كيفية إدارة العمل التنفيذي ومعهم خطة واضحة للارتقاء كل في مجال تخصصه، والبرلمان ينتظر أن يستمع أولا إلى خطة كل وزير ووجهة نظره في الأخطاء السابقة وكيفية إصلاحها.

وأشار إيهاب منصور إلى أن مصر مليئة بكفاءات يجب أن تأخذ فرصتها للتعبير عن رؤيتها وتغيير بعض السياسات، ومن المهم أن يقتنع رئيس الحكومة بذلك، وأن يتم إعلام نواب البرلمان بالأسماء التي وقع عليها الاختيار مبكرا للنقاش حولها وتقييمها.

ونظم الدستور واللائحة الداخلية لمجلس النواب إجراءات التعديل الوزاري عن طريق اتخاذ عدد من الخطوات، حيث نصت المادة 129 من اللائحة الداخلية للبرلمان على أنه يحق لرئيس الجمهورية أن يقوم بإجراء تعديل وزاري عقب التشاور مع رئيس الحكومة، ويرسل كتابا بذلك لمجلس النواب ويكون مبينا فيه كافة الوزارات المراد إجراء تعديل فيها، وعرضه على رئيس المجلس في أول جلسة تالية لوروده.

وقال رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع اليساري بمجلس النواب عاطف مغاوري إن التمهل يرجع إلى أن الرأي العام المحلي لم يكن راضيا على استمرار رئيس الحكومة في منصبه، والهدف من التغيير بث روح الأمل بوجود تحول مقبل قد لا يتحقق، ويرمي التأخير إلى ضمان الخروج بحكومة تحمل إشارات بالتغيير الحقيقي، وليس اختيار شخصيات مكان أخرى.

وأورد الجهاز المركزي للمحاسبات (رسمي) ملاحظات على أداء الحكومة المستقيلة، وإجراءات صعبة اتخذت من جانب وزير الصحة بشأن خصخصة المستشفيات، ووزير التموين بسبب رفع سعر الخبز، ما أحدث سخطا في الشارع عليهما.

ولفت مغاوري في حديثه لـ”العرب” إلى استمرار الحكومة على ما هي عليه يمثل تحديا لمشاعر المواطنين، ومن ثم فالتغيير يتطلب استعانة بشخصيات تملك قدرة على المساعدة لإنقاذ البلاد من المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها.

وذكر أن الأسماء التي جرى تداولها لا توحي بوجود خطة سياسية جديدة، ما جعل التأجيل محاولة لاختيار أفضل العناصر التي تملك رؤية تتواءم مع ما يحلم به الكثير من المصريين، وفي مقدمة ذلك تخفيف الأعباء المعيشية عليهم، معتبرا أن مصر “لن تصاب بالعقم الإداري أو السياسي، وتكتظ بكفاءات تصلح لتولي مناصب تنفيذية عدة”.

ويرى متابعون أن عدم وضع جدول زمني للإعلان عن شكل الحكومة الجديدة مفهوم، وأن رئيس الحكومة سيحاول استغلال عطلة طويلة تمتد نحو عشرة أيام خلال عيد الأضحى لإنجاز التكليف.

العرب