“لوموند” الفرنسية تنشر خريطة المغرب كاملة.. تحول يعكس تغير الموقف الرسمي

“لوموند” الفرنسية تنشر خريطة المغرب كاملة.. تحول يعكس تغير الموقف الرسمي

يدرك الإعلام الفرنسي جيدا أهمية نشر خريطة المغرب كاملة عند تغطية شؤون المملكة والرسائل التي تبعثها هذه الخطوة إلى الرباط باعتبارها القضية الأولى لها، إذ لطالما لعب الإعلام الفرنسي دورا بارزا في ترجمة العلاقات بين البلدين سلبا أو إيجابا، نظراً إلى طبيعة العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين.

باريس – نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية خريطة المملكة المغربية كاملة متضمنة أقاليمها الجنوبية، خلال تقديمها أحد التقارير الإخبارية، في تغير واضح لتوجه الإعلام الفرنسي في الآونة الأخيرة للتعاطي مع قضية الصحراء المغربية، وانعكاس للموقف الفرنسي تجاه القضية الأولى للمغاربة.

وجاء نشر الخريطة خلال قيام الصحيفة الفرنسية بتحقيق تحت عنوان “الجانب الخفي للطماطم المغربية التي تباع في أوروبا: تحقيق بالفيديو حول العمالة منخفضة التكلفة”، حيث تهتم الصحافة الفرنسية كثيراً بالمغرب نظراً إلى طبيعة العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين ولأهمية المملكة الإستراتيجية بالنسبة إلى الغرب وإلى فرنسا خصوصا.

واعتبر متابعون الأمر إشارة لتغير موقف باريس وإشارة إلى الرباط لاقتراب اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه، ورغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مواصلة تطوير العلاقات التي طبعها البرود قبل مدة وبدأت بالتحسن مع تغير النهج الفرنسي في التعاطي مع المملكة، خاصة وأن فرنسا تعي جيدا حجم المغرب على المستويين الأفريقي والعالمي، في ظل تراجع نفوذ فرنسا بالقارة السمراء.

ومن الملاحظ أن ما قامت به “لوموند” ليس أول بادرة من نوعها للإعلام الفرنسي، ولفت محللون أنه من خلال متابعة مسار تفاعلات الإعلام الفرنسي مع الشأن المغربي، لاسيما خلال السنوات العشر الأخيرة، فإنه عندما تكون العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا جيدة، يكون الإعلام الفرنسي وخاصة العمومي، في حالة حياد تجاه المغرب، بل أحياناً يتخذ مبادرات ويشيد بالإنجازات والخطوات المهمة للرباط على عدة مستويات.

وسائل الإعلام الفرنسية تنحاز إلى مصالح بلادها مع التزام الموضوعية في التعاطي مع الشأن المغربي، بعد أن شهد التعاون الأمني بين الدولتين تعزيزًا كبيرًا

وكان التلفزيون الفرنسي الرسمي،”تي.في1″، قد بث في نشرة للأخبار الخريطة الرسمية للمغرب كاملة، في تقرير تم بثه بخصوص التطورات التي تعرفها أوضاع فلسطين، وهي الخطوة التي كررتها القناة الفرنسية الرسمية “فرانس5”.

وتساءل عدد من المهتمين حول ما إذا كان يمكن اعتبار هذا الأمر تمهيدا للاعتراف بمغربية الصحراء بشكل رسمي. وأضافوا أنه رغم أن الخطوة عبارة عن بث في نشرات الأخبار لقناة فرنسية رسمية إلى أنها تعتبر خطوة جديدة على المشهد والأزمة، مما سيجعل هذا الخبر مؤشرا على تكرره في القناة الرسمية وفي وسائل إعلام أخرى وتحوله إلى حقيقة ثابتة لا تقبل اللبس، آنذاك يمكن الحديث عن توجه نحو بلورة موقف فرنسي داعم للوحدة الترابية للمغرب ولمغربية الصحراء.

كما أن هناك تساؤلات حول ما إذا كانت هذه المسألة، هي محاولة من فرنسا للاستفادة من استثمارات مونديال 2030 الذي سينظمه المغرب إلى جانب إسبانيا والبرتغال.

وبحكم الوجود الفرنسي السابق الذي خلف إرثاً ثقافياً لدى شريحة مهمة من المغاربة خصوصاً “النخبة المفرنسة”، مما أفرز جمهور قراء كبيراً باللغة الفرنسية عموماً والصحف الفرنسية على وجه الخصوص.

ويدرك الإعلام الفرنسي جيدا أهمية هذه الخطوة للمغرب باعتبار أن قضية الصحراء هي القضية الأولى له، وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد وجه في خطابه السامي بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب رسالة واضحة للجميع، حيث أكد أن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”. وتابع الملك “ننتظر من بعض الدول من شركاء المغرب التقليديين والجدد التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”.

ومن خلال خطاب ضامن الوحدة والاستقرار، يرى المهتمون أن المملكة المغربية، سترحب بأيّ تحول في الموقف الفرنسي ليلتحق بالموقف الإسباني والألماني وبموقف الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث سيكون للخطوة انعكاس إيجابي على العلاقة بين البلدين، لتخرج من وضع الجمود والأزمة التي تسببت فيها سياسة الرئيس ماكرون الذي أدرك لاحقا خطئأها وتأثيرها السلبي على مصالح فرنسا في المغرب وفي القارة السمراء عموما.

وتمر العلاقة بين المغرب والصحافة الفرنسية بأحسن فتراتها عندما تكون العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الرباط وباريس جيدة، لكنها تتخذ “شكلاً عاصفاً” كلما ساءت هذه العلاقات لسبب أو لآخر، خصوصاً عندما شهد البلدان أزمة دبلوماسية بين الجانبين.

وبدا ذلك جليا عندما شنّت عدة منابر إعلامية فرنسية، رسمية وخاصة، هجوما كبيرا على المغرب بسبب عدم موافقة المملكة على العرض الفرنسي لتقديم المساعدات في عمليات إنقاذ ضحايا الزلزال.

خطوة “لوموند” سبقتها وسائل إعلام فرنسية رسمية تمت قراءتها على أنها إشارة لاقتراب اعتراف باريس بمغربية الصحراء

ورأت وسائل إعلام فرنسية في عملية استثناء فرنسا من تقديم المساعدات على أنها “إهانة”، وعمدت إلى شن حملة شرسة على المغرب، لم يسلم منها العاهل المغربي الملك محمد السادس، ما يعكس وفق محللين مغاربة حجم الاستعلاء وتضخم الأنا اللذين يعاني منهما الإعلام الفرنسي.

وقال مراقبون إن إطلالة ماكرون، والرسالة التي وجهها للمغرب وأيضا لوسائل الإعلام الفرنسية، تعكس إحراجا كبيرا تعرض له جراء الهجمة المفتعلة، وهو الذي كان يأمل في كسر الجمود الحاصل في العلاقة مع الرباط.

وأضاف المراقبون أن وسائل الإعلام الفرنسية سقطت في فخ عدم المهنية، حينما سارعت إلى تسييس كارثة إنسانية، وحمّلتها أبعادا لا تحتمل. وأشار هؤلاء إلى أن الإعلام الفرنسي كان على مدار الفترة الماضية طرفا رئيسيا في استمرار حالة الفتور في العلاقة بين الطرفين، والتي انعكست في عدم تعيين سفيرين يمثلان البلدين بعد انتهاء مهمة السفيرين السابقين منذ أشهر.

ولاحقا انحازت وسائل الإعلام الفرنسية إلى مصالح بلادها مع التزام الموضوعية في التعاطي مع الشأن المغربي، بعد أن شهد التعاون الأمني بين الدولتين تعزيزًا كبيرًا، خصوصًا في مجالات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. وفي الجانب الاقتصادي، تُقدم فرنسا دعمًا اقتصاديًا مهمًا للمغرب. وذلك من خلال إعلانها عن رغبتها في الاستثمار ودعم البرامج التنموية في الأقاليم الجنوبية للمملكة.

‎كما تُظهر العلاقات بين المغرب وفرنسا تحسنًا ملحوظًا، مدعومًا بزيارات متبادلة بين المسؤولين من البلدين على مختلف المستويات، مما يُظهر الرغبة المشتركة في تعزيز التعاون في عدة مجالات.

العرب