وعود مرشحي الرئاسة الإيرانية في متاهة إكراهات الاقتصاد

وعود مرشحي الرئاسة الإيرانية في متاهة إكراهات الاقتصاد

يراهن المرشحون للرئاسة في إيران في حملاتهم الانتخابية على الاقتصاد الأكثر تأثيرا على مزاج المواطنين، الذين يعانون من الإكراهات المستمرة منذ سنوات طويلة، وسط قناعة بأن وعودهم لن تتحقق باعتبارها بعيدة عن الواقع في ظل الحظر الأميركي.

طهران – تعهد المرشحون في انتخابات الرئاسة الإيرانية المقررة الجمعة بإنعاش الاقتصاد المتعثر، لكن الناخبين لا يرون أملا يذكر في تراجع ضغوط تكاليف المعيشة دون انتهاء العقوبات والحد من العزلة الدولية التي تعاني منها بلادهم.

ويخوض معظم الإيرانيين معركة يومية لتغطية نفقاتهم، وهو تحد مستمر لرجال الدين الحاكمين الذين يخشون تأجج احتجاجات تندلع من آن إلى آخر من قبل الفئات ذات الدخل المنخفض والمتوسط الغاضبة من الصعوبات المستمرة.

وأضرت إعادة فرض العقوبات الأميركية في 2018 بتجارة النفط الإيرانية، ما أدى إلى تراجع الإيرادات واضطرار الحكومة إلى اتخاذ خطوات لا تحظى بشعبية مثل زيادة الضرائب وإدارة العجز الكبير في الميزانية في سياسات أبقت التضخم بالقرب من 40 في المئة من 10 في المئة قبل عقد.

ورغم أن البلاد تجنبت الانهيار الاقتصادي التام، وذلك في المقام الأول بدعم من صادرات النفط إلى الصين وارتفاع الأسعار، فإن صادرات الخام لا تزال أقل من مستوياتها قبل ست سنوات.

ويقول معظم المرشحين الذين يسعون لخلافة إبراهيم رئيسي بعد وفاته في حادث تحطم طائرة الشهر الماضي، إنهم يعتزمون محاكاة سياسته التي كانت قائمة على الاعتماد على الذات اقتصاديا وتعزيز العلاقات التجارية مع آسيا. في المقابل، يدافع شق آخر من المرشحين عن علاقات أوسع مع العالم دون تقديم تصور لخطوات عملية لمعالجة العقوبات.

وخلال ثلاثة أعوام قضاها رئيسي في السلطة، التقط الاقتصاد أنفاسه من ركود في 2018 و2019 ناجم عن إعادة فرض العقوبات، وبلغ النمو ذروته عند 5.7 في المئة في العام المنتهي في مارس الماضي، وفقا لمركز الإحصاء الإيراني.

ومع ذلك، فإن معظم هذا التوسع كان مدفوعا بقطاع الطاقة، حيث قفز مستوى إنتاج النفط 70 في المئة، ويبلغ الآن 3.5 مليون برميل يوميا، مع تجاوز صادرات النفط 1.4 مليون برميل يوميا أغلبها إلى الصين.

ويقول محمد رضواني فر رئيس الجمارك الإيرانية إن من دون النفط والغاز، كان النمو العام الماضي سيسجل 3.4 في المئة فقط، فيما يسجل الميزان التجاري عجزا 16.8 مليار دولار.

ويؤكد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) أن الاستثمار الأجنبي المباشر في إيران توقف عند 1.5 مليار دولار في 2022. ويبلغ معدل البطالة 7.6 في المئة، وفقا للبنك الدولي، مقارنة بنحو 9.6 في المئة عندما تم انتخاب رئيسي ببلد يبلغ تعداد سكانه 88.5 مليون نسمة.

ومع ذلك، فإن رواتب الوظائف الرسمية ضعيفة، ما يعني أن العدد الحقيقي للأشخاص الذين ليس لديهم عمل مناسب يوفر سبل العيش ربما يكون أعلى بكثير.

وقال جواد صالحي أصفهاني أستاذ الاقتصاد في جامعة ومعهد فرجينيا بوليتكنيك لرويترز “ليس من الصعب تفهم سبب غضب معظم الإيرانيين”. وأضاف “ربما تحسنت مستويات المعيشة والفقر في العامين الماضيين، لكن هذا ليس حقيقيا إذا نظرنا إلى عقد أو عقدين من الزمن”.

وأوضح أن الرئيس الجديد يمكنه أن يضخ الأمل ويوقف تدهور الأوضاع، لكنه “لن يعيد البلد إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين”، مشيرا إلى حقبة أكثر ازدهارا.

وواصلت القوة الشرائية للإيرانيين الانكماش خلال فترة رئيسي، حيث انخفضت قيمة الريال في التداول الحر أكثر من النصف، وفقا لموقع تتبع العملات بونباست، وسجل الآن 600 ألف ريال مقابل الدولار.

وارتفعت أسعار السلع الأساسية مثل الألبان والأرز واللحوم في الأشهر القليلة الماضية. وارتفع السعر المدعم لخبز اللواش، الأكثر شعبية بين الأسر، بنسبة لا تقل عن 230 في المئة في السنوات الثلاث الماضية.

كما أصبحت اللحوم الحمراء غالية جدا بالنسبة للكثيرين، إذ ارتفع سعرها 440 في المئة إلى 10 دولارات للكيلوغرام الواحد. ويبلغ الراتب الشهري للمعلم حوالي 180 دولارا، ويكسب العديد من عمال البناء ما يزيد قليلا عن 10 دولارات في اليوم.

ووعد مرشحون بتنفيذ خطة التنمية السابعة التي وافق عليها البرلمان العام الماضي، وهي تهدف إلى كبح التضخم وتعزيز الصادرات وتحدد أهدافا طموحة لتحقيق نمو سنوي بنسبة 8 في المئة في ظل العقوبات.

لكن توقعات البنك الدولي تشير إلى معدلات نمو سنوية أقل من 3.2 في المئة لإيران حتى نهاية 2027 نتيجة لانخفاض الطلب العالمي والعقوبات ونقص الطاقة المحلية.

وأكد ناخبون أجرت رويترز مقابلات معهم أن حالة الاقتصاد مرتبطة بالموقف الدبلوماسي للبلاد المناهض بشدة للغرب والذي يحدده الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، صانع القرار النهائي في البلاد.

وكان رئيسي قد تعهد بعدم ربط الاقتصاد بالمفاوضات النووية مع قوى عالمية، رغم أن المحادثات كان من الممكن أن ترفع معظم القيود الأميركية من خلال إحياء اتفاق عام 2015 الذي يحد من برنامج طهران النووي.

وقال إداري في جامعة رودهن بإقليم طهران اسمه محمد لرويترز “تأثر الاقتصاد بشكل كبير بالسياسة الخارجية، لا توجد إستراتيجية ناجحة للحد من الآثار المدمرة للعقوبات”.

ومثل الناخبين الآخرين الذين أجريت مقابلات معهم، لم يرغب في التصريح باسمه بالكامل بسبب حساسية مسألة الانتخابات.

ولم تتح الانتخابات المبكرة للمرشحين سوى القليل من الوقت لوضع خطط اقتصادية مفصلة. وقال معظمهم إن الاقتصاد يجب أن يصبح أكثر اعتمادا على الذات قبل أن تحاول إيران إنهاء العقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي المثير للجدل.

وكان المعتدل مسعود بزشكيان ورجل الدين المنتمي إلى غلاة المحافظين مصطفى بور محمدي أكثر صراحة بشأن الحاجة إلى علاقات مفتوحة لمساعدة الاقتصاد.

وركزت المناظرات الانتخابية بشكل أساسي على الاختلالات المالية وسوء إدارة الموارد والكسب غير المشروع، وهي قضايا داخلية يعتقد الكثير من الإيرانيين أنها ضاربة بجذورها في البلاد ويصعب إصلاحها.

وقال بيمان، وهو مهندس مدني من طهران، “طالما أن السياسات الحكومية لا تدعم المنافسة والشفافية وأمن الاستثمار بشكل فعال، ستزيد الأمور سوءا”.

وصرح مهدي غضنفري، رئيس صندوق التنمية الوطنية الإيراني، لوسائل الإعلام الرسمية بأن غياب أحزاب سياسية متطورة يعني أن المرشحين للانتخابات لم يحددوا الوزراء أو السياسات المستقبلية سلفا، وعادة ما يسارع الفائز إلى تعيين حكومة “تكون في النهاية غير متسقة”.

ويرى محللون أن التوقعات الاقتصادية الإيرانية تبدو أكثر غموضا من أي وقت مضى، مع احتمال تطبيق أكثر صرامة للعقوبات التي تستهدف النفط إذا ما فاز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة مجددا، حسبما قال وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف خلال تأييده لحملة بزشكيان.

العرب