تصاعد حدة الاشتباكات في الجبهة الشمالية والجنوب اللبناني بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي حزب الله اللبناني رغم جميع التحركات الدبلوماسية والحوارات الإقليمية والدولية والاتصالات الأمريكية الفرنسية إلا
أن الجانبين لا يزالان عند حافة المواجهة دون التقدم باتجاه العمق الذي يؤدي إلى اشتباكات مباشرة بل لا زال الحال يقتصر على الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة والمدافع بعيدة المدى واعتماد العمليات الخاصة في اغتيال القيادات الميدانية عبر المعلومات الإستخبارية المتابعات الأمنية، وهذا ما حدث في
في 11 حزيران 2024 عندما اغتالت إسرائيل القيادي العسكري الميداني في حزب الله اللبناني (طالب سامي عبد الله) وثلاثة آخرين ممن كانوا معه أثناء اجتماع لهم بقرية جويا في جنوب لبنان.
ويمكن الاستدلال على هذا التوجه بين الطرفين عبر الاحصائيات والأرقام التي اعلمها المكتب الاعلامي لحزب الله بمقتل 350 عنصرًا من مقاتلي الحزب منذ بداية الحرب على غزة واندلاع الاشتباكات في جنوب لبنان.
أن طبيعة الأحداث المستمرة إنما فرضت وجودها عبر العديد من المضامين السياسية والتعبوئية والميدانية التي رأت قيادة حزب الله ضرورة المواجهة وعدم ترك الأمور على حالها رغم قناعتها التي تتناسب والرؤية الإستراتيجية الإيرانية في عدم التوسع في القتال واعتماد المواجهات غير المباشرة، إلا أن القيادات العسكرية في الحزب اختارت تصعيد العمل الميداني وتكثيف القصف الجوي على العمق الإسرائيلي واستهداف المقرات العسكرية والأمنية في المناطق القريبة من الجليل الأعلى
للحفاظ على نفوذها وتأثيرها بين مقاتيلها المؤيدين لها، فكانت وجهات النظر هي الانخراط في الدفاع واعطاء صورة واضحة عن مشاركتها في مساندة أهالي قطاع غزة ولو عبر المشاركة المحدودة في الحرب وعبر عمليات نوعية تعزز من موقعها دون والاندفاع نحو اندلاع حرب شاملة على لبنان.
ولا زالت القوى الدولية والإقليمية تحاول منع أي تحولات ميدانية قد تفضي إلى مواجهة كبيرة تتسع إلى داخل الحدود اللبنانية وتتطور لحرب طاحنة تؤدي نتائجها إلى مواجهات إقليمية وهذا ما لا ترغب فيه جميع الأطراف، وهو الموقف الذي تتبناه إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية باعتماد الحلول الدبلوماسية وتجنب التصعيد وهناك اعتقاد سائد بأن كل من إسرائيل وحزب الله لا يرغبان في حدوث نزاع شامل إلا أن كلاهما لا يريدان التراجع عن موقفهما، فالحكومة الإسرائيلية ترى في التصعيد حالة مناسبة لها في البقاء وحشد الإمكانيات البشرية والمادية واقناع الرأي الداخلي بخطورة بقاء حزب الله واستمرار فعاليته العسكرية ومواجهة الضغوط التي بدأت تتفاقم في مسألة عودة النازحين من مناطق الجليل وتأمين حياتهم والبالغ عددهم أكثر من عشرة الآف إسرائيلي تركوا مناطقهم وهو ما يشكل صغطًا سياسياً وعبئًا كبيرًا لإسرائيل ، والحال أيضًا ما تراه القيادات الميدانية والسياسية لحزب الله بضرورة الاستمرار في المواجهة وعدم التراجع لكي تبقى حالة التأثير الفعلي لها في الأحداث القادمة، ولكن هناك مشكلة كبيرة تواجه حسن نصرالله وهي اتخاذ قرار المواجهة دون الرجوع للشرعية اللبنانية المتمثله بالقرار السياسي والرأي الشعبي ومدى قناعتهم في المواجهة مع إسرائيل وتعريض البلاد لأزمات اجتماعية واقتصادية أخرى.
وأمام هذه المواقف والقناعات وعدم التوصل إلى أراء مشتركة وتفاهمات حقيقية، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية في 25 حزيران 2024 عدة رسائل تحذيرية لحزب الله وحلفائه (بأن أمريكا لا تستطيع وقف أي هجوم إسرائيلي على الجنوب اللبناني، وأنها ستساعدها في الدفاع عن نفسها اذا ما قام حزب الله بتشديد حالة التصعيد).
ورغم ان إيران تعتبر حزب الله هو جوهرتها الثمينة من بين جميع حلفائها وفصائلها المنتشرة في عواصم الأقطار العربية ( العراق وسوريا واليمن) إلا أنها وجهت ممثلها في منظمة الأمم المتحدة بالقول (أن المقاومة الإسلامية في لبنان تمتلك القدرة على حماية نفسها)، وهذا الموقف السياسي الدولي الإيراني إنما يعني عدم سعي إيران للتورط المباشر في أي نزاع وقتال مباشر في الجبهة الجنوبية اللبنانية كما كان موقفها من الأحداث التي لا زالت تجري على الأراضي الفلسطينية والتزامها بسياسية التواصل والحوار مع الإدارة الأمريكية تحقيقًا لمصالحها وأهدافها.
أن تسارع الأحداث في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي إنما يشير إلى متغيرات قادمة وسياسات جديدة وأبعاد ميدانية كبيرة ستكون لها الأثر البالغ في مستقبل المنطقة، والأكيد فيها هو الدور الإيراني الذي يعمل جاهدًا على التمسك بسياسة قبضة النظام والحفاظ على وجوده واستثمار الفرص السياسية حتى ولو على حساب حلفائه.
وحدة الدراسات الاقليمية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية