تركيا تحشد لعملية عسكرية واسعة النطاق في شمال العراق

تركيا تحشد لعملية عسكرية واسعة النطاق في شمال العراق

البنية التحتية العسكرية التي تقيمها تركيا داخل مناطق شمال العراق وحجم القوات والمعدات التي شرعت في نقلها إلى تلك المناطق يؤشران على أنّ أنقرة بصدد التأسيس لوجود عسكري دائم لها داخل الأراضي العراقية في نطاق ما تسعى له من حسم نهائي للمعركة ضدّ حزب العمال الكردستاني، والذي لوحت القيادة السياسية التركية بقرب موعده.

أربيل (العراق)- تؤشّر معطيات ميدانية في مناطق شمال العراق على دخول المواجهة التي يخوضها الجيش التركي منذ عقود ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في تلك المناطق مرحلة غير مسبوقة من التصعيد مع مضاعفة تركيا لمجهودها الحربي سعيا لحسم الصراع ضدّ الحزب في أمد منظور تنفيذا لتعهّدات أطلقتها القيادة السياسية للبلاد.

وتمّ خلال الأيام القليلة الماضية رصد أكبر تدفق للقوات والآليات التركية الثقيلة على مناطق بمحافظة دهوك الواقعة ضمن أراضي إقليم كردستان العراق، في ظل أنباء عن مخطّط تركي لاحتلال الغالبية العظمى من أنحاء المحافظة جرى التحضير له على مدى الأشهر الماضية بتركيز نقاط عسكرية ثابتة وربطها بشبكة من الطرق أنشأها سلاح الهندسة التركي وجعلها متصلة بالأراضي التركية لضمان تدفّق القوات والعتاد عند إطلاق الحملة العسكرية الحاسمة التي لوّح بها كبار المسؤولين الأتراك.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام إنّ قوّات بلاده ستنفذ عمليات مكافحة إرهاب “أكثر عزما وفعالية” على مدار شهور الصيف. وكان قد تعهّد في وقت سابق بأن تستكمل تركيا تأمين حدودها مع العراق بحلول الصيف وتنهي ما بقي لها من عمل عسكري وأمني في سوريا.

ويثير الوعيد التركي المقترن بتوسيع نطاق الأنشطة العسكرية التركية داخل الأراضي العراقية الأسئلة عن الموقف الرسمي العراقي إزاء ذلك حيث أصبح الصمت الحكومي مثار تكهنات بوجود ضوء أخضر غير معلن من حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للأتراك للتحرك بحرية داخل الأراضي العراقية أملا في طي ملف حزب العمال، الذي قد تكون بغداد باتت تنظر إليه باعتباره عائقا أمام تطوير الشراكة والتعاون الاقتصادي مع الجانب التركي.

وقالت منظمة السلام العالمي الأميركية إن القوات التركية نقلت أكثر من 300 دبابة خلال الأيام العشرة الماضية إلى قرى في محافظة دهوك وتستعد لتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق في المحافظة.

وأشارت في تقرير أعده فريقها المختص في شؤون كردستان إلى أنّ الجنود الأتراك شوهدوا وهم يتحركون سيرا على الأقدام في قرى كيسته وآردنا وجلكي وبابيري وأوره وسررو في ناحية كاني ماسي.

ونبّه التقرير إلى تأثير التحركات العسكرية التركية على الحياة اليومية والأنشطة الاقتصادية، الزراعية والرعوية تحديدا، في تلك المناطق مؤكّدا شيوع حالة من الذعر بين السكان. وقال إنّ القوات التركية لا تسمح لأيّ مدني بالمرور إلاّ بعد التحقيق معه والتدقيق في أوراقه الثبوتية.

وعن الهدف الآني من عملية الانتشار العسكري قال معدّو التقرير إن تركيا تسعى حاليا إلى رسم خط أمني يبدأ من منطقة شيلادزي ويمتد إلى قضاء باتيفا ويمرُّ عبر ناحية ديرلوك وبامرني وبيكوفا بحيث تكون جميع القرى والبلدات والأقضية والنواحي والوديان والأراضي ومصادر المياه خلف هذا الخط تحت السيطرة العسكرية للجيش التركي.

وبحسب ذات التقرير فإن هناك هدفا آخر من هذا التحرك العسكري التركي وهو الوصول إلى جبل هفت تبق في منطقة شلادزي واحتلال سلسلة جبال كارا ما يعني فقدان حكومة إقليم كردستان العراق بين سبعين وخمسة وسبعين في المئة من سلطتها على محافظة دهوك.

وكانت المنظمة الأميركية قد أفادت منتصف الشهر الجاري بأن القوات التركية شنت قرابة ألف هجوم وعملية قصف داخل أراضي الإقليم خلال النصف الأول من العام الجاري.

وتنشر تركيا منذ أشهر، وبشكل منتظم أرقاما بشأن حصيلة عملياتها العسكرية في شمال العراق وسوريا مبرزة ما توقعه من خسائر بشرية في صفوف مقاتلي حزب العمال، وذلك في نطاق حرب دعائية موازية للحرب العسكرية.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية عن قتل تسعة وثمانين من عناصر الحزب خلال العمليات التي جرت على مدى حوالي أسبوعين.

وجاء في إحاطة قدمها مستشار العلاقات العامة والإعلام في الوزارة ذكي آق تورك، الخميس، أنّ عدد المقاتلين الذين تمّ تحييدهم (قتلهم) منذ بداية العام الجاري ارتفع إلى 1270.

وقال أردوغان من جهته إنّ بلاده “حققت مكاسب تاريخية في السنوات الأخيرة خلال كفاحها ضد تنظيم حزب العمال الإرهابي والذي دفعت فيه ثمنا باهظا ماديا ومعنويا”.

وتحدّث عضو فريق منظمة السلام العالمي كامران عثمان من جهته لوسائل إعلام محلية قائلا إنّ الجيش التركي بدأ منذ يناير الماضي بشق طريق عسكري بين النقاط والمقرات التي أنشأتها عام 2021 في منطقة برواري بالا التابعة لناحية كاني ماسي.

وأضاف أن الجيش التركي ردّ على إنشاء قوات حرس الحدود العراقية مقرّين في قضاء باتيفا في أبريل الماضي بالتحرك عسكريا إلى داخل القرى في شرق القضاء.

وأوضح أنّ إقامة المقرّين العراقيين أثارت قلق تركيا على الرغم من أن المئات من أهالي قرى كشان شيلان وبانكي وقرى أخرى تمكنوا من العودة إلى قراهم وإعمارها بعد تشرّد دام ثلاثة عشر عاما.

كما أكّد رصد نحو ألف جندي تركي خلال الأيام الماضية وهم بصدد التحرّك بين مقر كري باروخ وهو الأكبر الذي أنشأته تركيا في إقليم كردستان منذ تسعينات القرن الماضي وجبل متين خلف منطقة بامرني.

وحذر عضو المنظمة من أن نجاح العملية التركية يعرّض العشرات من القرى والنواحي للخطر ويشرد المئات من العوائل كما أن “جزءا مهما من أرض إقليم كردستان سيقع بيد الجيش التركي ومن الصعب أن يعود إلى سيطرة حكومة الإقليم والعراق مرة أخرى”.

وتثير التحركات العسكرية التركية على الأراضي العراقية امتعاض العديد من الأطراف السياسية العراقية التي توجه انتقادات للسلطات الاتحادية ولسلطات إقليم كردستان التي كثيرا ما تُتهم بالتواطؤ مع تركيا حفاظا على مصالح سياسية واقتصادية مع أنقرة.

لكن الأطراف المشاركة في قيادة الإقليم لا تحمل نفس الموقف من تركيا وعمليتها العسكرية وذلك تبعا لطبيعة العلاقة التي تجمعها بأنقرة.

وبينما بات الحزب الديمقراطي الكردستاني بمثابة حليف لتركيا ومتعاون معها اقتصاديا وكذلك أمنيا، وضعت حكومة أردوغان حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني في خانة أعدائها باتهامها له بالتعاون ضدّ قواتها مع عناصر حزب العمال الكردستاني، مهدّدة بأن تشمل عملياتها العسكرية مناطق نفوذ الاتحاد التي تقول إنّها تحوّلت إلى ملاذ لمقاتلي حزب العمّال وممرا لإمدادهم بالسلاح.

وقال غياث سورجي القيادي في حزب الاتحاد الوطني إنّ القوات التركية نصبت سيطرات رئيسية على طريق بامرتي – العمادية، مؤكدا أن “هذا الأمر يعد تجاوزا خطيرا على سيادة العراق”.

وأضاف متحدثا لوكالة بغداد اليوم الإخبارية أن “صمت حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية إزاء هذا الخرق مخجل جدا”، مشددا على “ضرورة أن يكون الرد سريعا لأن دخول جيش أجنبي داخل حدود دولة أخرى يعد استهانة بسيادتها”.

◄ تركيا تنشر منذ أشهر، وبشكل منتظم أرقاما بشأن حصيلة عملياتها العسكرية في شمال العراق وسوريا مبرزة ما توقعه من خسائر بشرية في صفوف مقاتلي حزب العمال

واعتبر أنّ التذرّع بوجود حزب العمال الكردستاني في تلك المناطق أمر غير صحيح لأن “الحزب يتواجد داخل العمق التركي، ويقوم بعمليات ضد الجيش التركي، ولكن غاية أنقرة هي التوسع والتمدد”.

وبذلت تركيا خلال الأشهر الأخيرة جهودا مكثّفة لجعل بغداد طرفا في حربها ضدّ حزب العمال الكردستاني، لكن وجود أطراف مناوئة لأنقرة داخل حكومة السوداني منعت من التوصّل إلى تفاهمات واضحة بهذا الشأن.

ويبدو أنّ أقصى ما توصّل إليه الجانب التركي هو الحصول على موافقة ضمنية غير معلنة من قبل بغداد على توسيع العملية العسكرية التركية في مناطق الشمال العراقي، وذلك بهدف تسهيل عقد شراكات اقتصادية بين البلدين والتوصّل إلى تفاهمات حول ملف المياه.

وحذّرت حركة حرية المجتمع الكردستاني من تصاعد العمليات العسكرية التركية في إقليم كردستان ودعت في بيان أصدرته الخميس البرلمانيين والرئيس العراقي لاتخاذ موقف حازم للرد على الانتهاكات.

وجاء في بيان الحركة أنّ “الجيش التركي دخل أراضي الإقليم مستخدما مئات الدبابات والمدرعات وآلاف الجنود. وهذا يشكل خطرا كبيرا ومخططا لاحتلال دائم للأراضي الجنوبية للإقليم”.

كما دعت الحركة في بيانها “القوى الوطنية والشعب العراقي لرفض تواطؤ الحكومة الفيدرالية والحزب الديمقراطي الكردستاني وعائلة بارزاني مع الجيش التركي المحتل”.

العرب