رغم تصرفاتها المشينة: هل يستطيع الساعون للديمقراطية التخلي عن أمريكا؟

رغم تصرفاتها المشينة: هل يستطيع الساعون للديمقراطية التخلي عن أمريكا؟

* الروح المعنوية لواشنطن منهارة نتيجة الكشف عن انتهاكات وكالة المخابرات المركزية، ولكن الناس الذين يسعون جاهدين لبناء الديمقراطية في جميع أنحاء العالم يعرفون أن الولايات المتحدة سوف تكون أفضل مدافع عنهم.

بالنسبة لأولئك الداعين إلى دور أمريكي أكبر في الخارج، كانت إزاحة الستار هذا الأسبوع عن تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ حول وحشية تعامل وكالة المخابرات المركزية مع المشتبه بهم بالإرهاب بعد هجمات 11/9 ليست أقل من كارثة. تداعيات التقرير تثير المزيد من الشكوك الذاتية حول دور أمريكا الذي كان في تراجع لعدة سنوات مؤخرًا، وتفاقم من التناقض المتأصل عميقًا في البلد حول التدخل في الخارج.

وعلى هامش حفل العشاء السنوي في واشنطن يوم الثلاثاء للمعهد الديمقراطي الوطني، وهو منظمة الترويج للديمقراطية التي أنشأتها الحكومة الأمريكية خلال عهد ريغان، كان المزاج كئيبًا. حيث كان الحضور في فندق ريتز كارلتون الفاخر، وهم من صانعي السياسات والمشرعين والمعلقين، جالسين طوال اليوم أمام شاشات التلفزيون والكمبيوتر لمشاهدة الأخبار المروعة التي كانت تتكشف تباعًا.

وكان الشك الذاتي لدى النخبة الديمقراطية في واشنطن متناقضًا مع عزيمة ثلاثة من النشطاء السياسيين الأجانب الذين جاءوا لتسلم جوائز للشجاعة التي أظهروها في ساحة الاستقلال في كييف، خلال الشتاء الماضي، عندما أسقطوا الرئيس الأوكراني الموالي لموسكو، فيكتور يانوكوفيتش. وقام الثلاثة باستغلال الفرصة لحث أمريكا في خطبهم على عدم التخلي عن بلادهم في مواجهة روسيا فلاديمير بوتين.

وبالنسبة لهؤلاء الأوكرانيين الثلاثة، على الأقل، تبقى الولايات المتحدة أمة استثنائية، ولا غنى عنها في وقت الضيق.

من غير أمريكا يجب أن تلجأ إليه؟

الأوروبيون، الذين كانوا أكثر تلكؤًا من إدارة أوباما في فرض عقوبات على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم، وتصاعد غزوها المقنع لمنطقة دونباس الصناعية في أوكرانيا؟

آخر مرة تركت واشنطن فيها تحمل المسؤولية للأوروبيين كانت خلال التسعينيات في البلقان، التي وصفها وزير الخارجية وارن كريستوفر حينها بأنها “مشكلة من الجحيم”. واستمر ذلك إلى أن أصبح من غير الممكن تجاهل الصراعات الضروس هناك، حتى من قبل إدارة كلينتون التي كانت تتمرن على تطبيق “تعددية” أوباما. وبعد رمي التردد في استخدام القوة الأمريكية جانبًا، قام البيت الأبيض الذي كان يقوده كلينتون بوضع نهاية اللعبة في البلقان، عن طريق تسليح الكروات والبوسنيين، وقصف الصرب.

أو، هل ينبغي على الأوكرانيين، والمتمردين السوريين، والأكراد الذين يقاتلون المتشددين الإسلاميين، وضع إيمانهم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث يتمتع “محبو حقوق الإنسان” الصينيون والروس بحق النقض؟

دعوة الأوكرانيين الثلاثة، والتي جاءت بعد خطاب من نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن يدعو فيه لمزيد من الأحذية المدنية على الأرض بدلًا من الأحذية العسكرية، توافقت بشكل جيد مع مزاج الجمهور الذي اعتاد رؤية الولايات المتحدة باعتبارها قوة للخير في العالم، بدلًا من أن تكون الأمة التي تستخدم التعذيب. ولبضع دقائق، كان هناك شعور بالعودة إلى العصور القديمة، حين كانت الخطوط الفاصلة أكثر وضوحًا خلال الحرب الباردة.

ولكن المعنويات التي عززها الأوكرانيون كانت عابرة. ومع اقتراب المساء، تواصل تدفق الإدانات من جميع أنحاء العالم. وكانت محادثات ما بعد العشاء بين العاملين وصانعي السياسات، موصومةً بالعار، وحتى الانهزامية.

وعبر البعض عن شعوره بالقلق من أن واشنطن تركز كثيرًا على داعش، لدرجة أنها تتجاهل المشاكل الأكبر التي لم تتم معالجتها كما ينبغي. وجادل أحد المساعدين بأن الفشل في أن تكون واشنطن أكثر حزمًا مع موسكو تتم مراقبته من قبل الصين، مما يجعل بكين أكثر جرأةً في عدوانيتها في بحر الصين الجنوبي.

ومع غرق الشرق الأوسط في النيران، وإقامة الخلافة الجهادية، وارتفاع ضغينة روسيا العازمة على إعادة ترتيب ما يسمى “الخارج القريب”، فإننا نصل، على حد تعبير نائب المدير السابق لـ CIA جون ماكلولين، إلى “مستويات خطر غير مسبوقة، وعالم هو بالتأكيد ليس العالم الذي يمكن لأمريكا أن تهرب منه”.

وقبل ساعات قليلة من إلقاء الأوكرانيين لخطبهم، وبينما كانت تداعيات نشر تقرير لجنة مجلس الشيوخ مستمرة في الظهور، قال ماكلولين بشكل قاطع لمؤتمر إرهاب: “تأثير الولايات المتحدة ليس كما كان عليه من قبل”.

وتابع ماكلولين في كلمته أمام مؤتمر مؤسسة جيمس تاون، وهي مؤسسة بحثية مقرها واشنطن العاصمة: “قبل تشكيل الائتلاف الدولي المعادي للدولة الإسلامية، لم يكن هناك الكثير من الثقة في الشرق الأوسط في أن الولايات المتحدة كانت تعرف إلى أين هي ذاهبة، تعرف ما كانت تقوم به، وتعرف كيفية تنظيم نفسها للتعامل مع المشاكل في تلك المنطقة”.

وليس ماكلولين الوحيد في واشنطن الذي يشعر بأن أمريكا في وضع حرج. ويبدو أن تقلبات البوصلة الأخلاقية للولايات المتحدة قبل بضع سنوات قد أثرت الآن على بوصلة توازنها الجيواستراتيجي أيضًا.

وقال لي مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية، معبرًا عن إحباطه من تقرير التعذيب: “أشعر أحيانًا أن المشاكل التي نواجهها هائلة جدًا ومعقدة لدرجة أنه ينبغي علينا السير بعيدًا عنها فقط”.

ولكن مثل هذا الشعور الانعزالي ليس شيئًا يريد الأوكرانيون سماعه. حيث إنهم، ومثل المتمردين المناهضين للأسد والمقاتلين الأكراد، يريدون المزيد من أمريكا، وليس الأقل. بالنسبة لهم، لا يوجد أحد آخر يمكنهم اللجوء إليه.

نقلا عن التقرير

جيمي ديتمر – ديلي بيست