إجراءات تطبيع ميدانية بين أنقرة ودمشق تربك المعارضة السورية

إجراءات تطبيع ميدانية بين أنقرة ودمشق تربك المعارضة السورية

تثير الإجراءات الميدانية التي تم البدء في اتخاذها وتمهد لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، قلق فصائل المعارضة، لما يمثله ذلك من تهديد لنفوذها في الشمال السوري ولشرايين اقتصادية توفر لها عائدات مالية طائلة.

دمشق- تسود حالة من الارتباك صفوف فصائل المعارضة في الشمال السوري، في ظل عجزها عن إيقاف قطار التطبيع الميداني بين أنقرة ودمشق برعاية روسية، والذي انطلق بتنفيذ حزمة من التفاهمات كان جرى التوصل إليها قبل نحو ست سنوات وظلت عالقة.

وتخشى فصائل المعارضة من مخطط يرمي إلى إنهاء نفوذها تدريجيا، انطلاقا من نزع يدها عن المعابر الحدودية وتلك الرابطة بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة الحكومة السورية.

وتشكل المعابر الحدودية مع تركيا وأيضا الموجودة في الداخل السوري شريانا اقتصاديا حيويا بالنسبة للفصائل، تجلب لها عائدات مالية ضخمة، وسبق وأن كانت تلك المعابر مصدر توتر واشتباكات بين الفصائل المختلفة.

وينتظر افتتاح معبر “أبوالزندين” الرابط بين مدينة الباب بريف حلب الشرقي في منطقة عمليات “درع الفرات” الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة برعاية تركية، وبين شرقي مدينة حلب الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية خلال الأيام القليلة المقبلة.

وتتزامن الخطوة مع انطلاق الأشغال لافتتاح الطريق الدولي حلب-غازي عنتاب المعروف بـ”طريق الشط” عبر بوابة باب السلامة بريف حلب الحدودي مع تركيا.

وتلاقي الإجراءات اعتراضات واسعة من فصائل المعارضة وفعاليات أهلية في مناطق سيطرة الأخيرة، وهو ما ترجم في الاحتجاجات التي شهدها معبر “أبوالزندين” الأسبوع الماضي خلال عملية تجريبية لافتتاحه، حيث اقتحم العشرات المعبر وعمدوا إلى تكسير محتويات المكاتب، قبل أن ينسحبوا.

ويرى مراقبون أن إعادة فتح معبر “أبوالزندين” سيفقد المعابر غير الشرعية بين مناطق الحكومة والمناوئين لها أهميتها، لافتين إلى أن الفصائل تطالب اليوم بأن تتولى هي إدارة المعبر.

وتدير الفصائل في الباب عددا من المعابر غير الشرعية مع مناطق الحكومة السورية، أبرزها معبر السكريات الذي يسيطر عليه فصيل “الحمزات”. ويستخدم لتهريب البضائع التجارية من وإلى مناطق النظام، وكذلك لتهريب البشر وتجارة المخدرات. كما يستخدم فصيل “السلطان مراد” معبر أبوالزندين كمعبر غير شرعي لتهريب البضائع التجارية والبشر والمخدرات.

وقال الناشط والباحث الاقتصادي من مدينة الباب مالك طالب إن الفعاليات المدنية في المدينة وافقت على إعادة فتح معبر أبوالزندين على مضض، لأنه أصبح واقعا فرض عليهم على ضوء التفاهمات الروسية – التركية، لافتا في تصريحات لموقع “المدن” إلى أن فتحه جاء من الجانب التركي رغما عن قيادات الفصائل، لأن الأخيرة لم تكن راضية عن ذلك، بسبب تضررها الاقتصادي منه.

وأوضح الناشط السوري “ولئن أصبح فتح المعبر أمرا واقعا سواء قبلت الفعاليات أم لا، فقد قررت الموافقة على ذلك، لكنها وضعت أربعة شروطا أبرزها أن تكون الإدارة مدنية، وأن يعود جزء من إيراداته المالية لصالح إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة في الباب، وهو ما أزعج قيادات الفصائل التي تريد أن تديره هي بنفسها”.

ولفت طالب إلى أن سبب انزعاج الفصائل من فتح المعبر، هو أن تشغيله بالهيكلية والشروط التي وضعتها الفعاليات المدنية، سيؤدي إلى انقطاع عائداتهم المالية التي يجنونها عبر المعابر غير الشرعية (تهريب) مع مناطق النظام، ومنذ ست سنوات.

وأضاف أنهم لمسوا منذ تشغيل المعبر بشكل تجريبي الخميس، رفض قيادات الفصائل لذلك، كما وصلهم أنهم سيوافقون على إعادة افتتاحه في حال كان إدارته عسكرية تابعة لهم. وأكد أن تلك القيادات استغلت غضب المدنيين الرافضين لفتح المعبر لأنه من ضمن نتائج التطبيع التركي مع نظام الرئيس بشار الأسد، حيث هاجموا المعبر وحطموا محتوياته.

◄ المعابر الحدودية مع تركيا وأيضا الموجودة في الداخل السوري تشكل شريانا اقتصاديا حيويا بالنسبة للفصائل، تجلب لها عائدات مالية ضخمة

ويشير المراقبون إلى أن تركيا عمدت إلى تهميش الفصائل المعارضة في تنفيذها للتفاهمات التي كان تم التوصل إليها منذ العام 2019 مع الجانب الروسي، لافتين إلى الفصائل لا تستطيع فعل الكثير لتغيير الواقع الذي هو بصدد التبلور في الشمال السوري.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صرح الجمعة أن أنقرة ودمشق ربما تتحركان لاستعادة العلاقات، وذلك حينما سأله صحافيون عن تقارير تفيد بأن نظيره السوري قال إن حكومته منفتحة على مبادرات التطبيع ما دامت تحترم سيادة سوريا وتسهم في مكافحة الإرهاب.

وأضاف أردوغان “لا سبب لعدم حدوث ذلك”، وأضاف أن لا نية لدى تركيا للتدخل في الشؤون الداخلية السورية، في تحول لافت في الموقف التركي الذي كان يصر على ضرورة حدوث تسوية سياسية بين المعارضة والحكومة السورية قبل الانخراط بشكل جدي في تطبيع العلاقات.

ويرى مراقبون أن التطورات الإقليمية أثرت بشكل واضح على الموقف التركي وأن فصائل المعارضة لا تملك القدرة على فرملة الاندفاعة التركية صوب دمشق.

وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان في وقت سابق أن آليات هندسية، تعمل على توسيع طريق حاجز الشط في إعزاز، تمهيدا لافتتاح الطريق الدولي المعروف بـ”طريق الشط”.

ونقل المرصد السوري عن مصادر قولها بوجود تفاهمات روسية تركية تقضي بافتتاح “طريق الشط” لمرور الشاحنات التجارية كخطوة أولى بعد افتتاح معبر أبوالزندين، تطبيقا لاتفاقية فتح طريق نقل بالعبور من تركيا إلى الخليج العربي مرورا بسوريا والأردن.

وفي سبتمبر 2009 أي قبل اندلاع الأزمة السورية، اتفقت دمشق وأنقرة على تأسيس “مجلس التعاون الإستراتيجي التركي السوري” الذي أبرم ما يزيد على 30 اتفاقية و10 بروتوكولات ومذكرات تفاهم، تشمل مجالات حيوية من بينها الدفاع والأمن والاقتصاد والصحة والنقل، كما وقعتا اتفاقية قضت بإلغاء تأشيرات الدخول لرعايا الدولتين.

ونشر المرصد السوري في 13 يونيو، اتفاقا بين الجانبين الروسي والتركي، يقضي بافتتاح المعبر الذي سيمكن المدنيين والتجار من السفر بين المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، ومناطق سيطرة الفصائل في شمال حلب.

العرب