التحريض على السوريين يقود إلى هجمات انتقام واسعة في تركيا

التحريض على السوريين يقود إلى هجمات انتقام واسعة في تركيا

أنقرة – أوقفت الشرطة التركية الاثنين العشرات من الأتراك بعد أعمال انتقام واسعة استهدفت السوريين في مدينة قيصري وسط الأناضول، ما اعتبره متابعون للشأن التركي نتيجة متوقعة للتحريض السياسي الذي طال السوريين خلال المناسبات الانتخابية الماضية.

وخلق التحريض السياسي على السوريين وتحميلهم مسؤولية الأزمة الاقتصادية في تركيا مناخا يتسم بالكراهية ضدهم والاستعداد لتصديق أيّ اتهامات أو إشاعات تتعلق بهم والرد عليها بالعنف حتى لو كانت غير قابلة للتصديق.

وانطلقت الهجمات على السوريين في مدينة قيصري بعد اتهام لأحد السوريين بالتحرش. وسعت الحكومة التركية لتهدئة الغضب بالقول إن الفتاة التي تم التحرش بها سورية وكأن من المسموح أن ينتهك السوريون حقوق بعضهم البعض. لكن التبرير الحكومي لم يوقف عمليات الانتقام.

السلطات التركية قالت إن الفتاة التي تم التحرش بها سورية وكأن من المسموح به أن ينتهك السوريون حقوق بعضهم البعض

واتسم الموقف الحكومي الرسمي بالارتباك، وبدا أقرب إلى التغطية على الهجمات بدل أن يكون تدخلا حازما لحماية ممتلكات السوريين.

وأشار وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا إلى أن مواطنين أتراكا ألقوا القبض على المشتبه به السوري وسلّموه إلى الشرطة. وذكر يرلي كايا على منصة إكس بأنه يشتبه بأن السوري تحرّش بقريبته السورية.

وأشار إلى أن الأتراك الذين تجمّعوا في المنطقة تصرّفوا بشكل “مخالف للقانون” و”لا يتناسب مع قيمنا الإنسانية” إذ قاموا بتخريب منازل ومتاجر وسيارات تعود إلى مواطنين سوريين. وأوضح بأنه تم اعتقال 67 شخصا بعد الهجمات.

وأفاد بأن “تركيا دولة قانون ونظام. تواصل قوى الأمن التابعة لنا معركتها ضد جميع الجرائم والمجرمين اليوم، كما فعلت بالأمس”.

ودعت ولاية قيصري السكان إلى ضبط النفس، موضحة في بيان أن القاصر (خمس سنوات) من الجنسية السورية أيضا. وأدان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان موجة العنف الأخيرة ضد اللاجئين السوريين في تركيا.

وقال “بغض النظر عن هوياتهم، فإن إضرام النيران في الشوارع وفي منازل السكان هو أمر غير مقبول”، مشددا على وجوب عدم استخدام خطاب الكراهية لتحقيق مكاسب سياسية.

وعمل أردوغان على استثمار الأحداث سياسيا وتحميل المسؤولية للمعارضة. وقال “الخطاب المسموم للمعارضة أحد أسباب الأحداث المحزنة التي تسببت بها مجموعة صغيرة في (ولاية) قيصري الأحد”.

وأكد على أنه لم ولن يكون هناك مكان في سياسات حزب العدالة والتنمية لـ”التمييز، والإقصاء وزرع العداوة بين الناس عبر خطاب الكراهية”. وتابع “حرق بيوت الناس وإضرام النار في الشوارع أمر مرفوض، بغض النظر عن هوية من يقومون بذلك”.

وأعرب عن توقعه من “أصحاب الرشد” في المعارضة، بذل المزيد من الجهود للحيلولة دون تكرار بعض المشاهد التي كانت تعيشها “تركيا القديمة”.

واستهدفت مجموعة من المهاجمين أعمالا تجارية وممتلكات تابعة لسوريين في المدينة مساء الأحد إذ أظهرت تسجيلات مصوّرة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي إضرام النيران في متجر للبقالة.

وفي أحد التسجيلات، سُمع صوت رجل تركي وهو يصرخ “لا نريد المزيد من السوريين. لا نريد المزيد من الأجانب”. وتظهر مقاطع فيديو عدة نشرت على شبكات التواصل الاجتماعي رجالا يحطمون نافذة محل بقالة يُزعم أنه بإدارة تجار سوريين، قبل إضرام النار فيه.

وتظهر صور أخرى شبانا يعملون بواسطة حجارة وأدوات معدنية على تحطيم دراجات نارية ومركبات في المنطقة نفسها بجنوب قيصري المعروفة باستضافة الكثير من اللاجئين الذين فروا من الحرب في سوريا.

وذكرت وكالة “دوغان” الخاصة للأنباء (دي إتش إيه) أن مثيري الشغب استهدفوا ممتلكات أخرى تعود لسوريين. وانتشرت قوات من الشرطة مساء الأحد في المدينة لمحاولة استعادة الهدوء، بحسب صور التقطها هواة وأخرى لوكالة دي إتش إيه. وتحول اللاجئون السوريون إلى ذخيرة حية في الانتخابات التركية يستخدمها الطرفان المتنافسان أحدهما ضد الآخر.

وخلال الحملات الانتخابية، تعهد أردوغان بإعادة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم بعد إنجاز مشاريع بناء تقوم شركات تركية بتنفيذها داخل الأراضي السورية، بينما رفع زعيم المعارضة كمال قليجدار أوغلو عيار التصعيد متعهدا بطرد 10 ملايين لاجئ، قال إن حكومة أردوغان سمحت بدخولهم إلى تركيا.

وتسود البلاد موجات كراهية ضد السوريين على وجه الخصوص، حيث استغلت الأحزاب الرئيسية في البلاد، بعض الحوادث الفردية لإثارة مشاعر معادية ضدهم، تؤدي بدورها إلى زيادة توتر الأتراك ومجاميع اللاجئين الذين يقطنون، في الغالب، في أحياء فقيرة، ويقومون بأعمال رثة من أجل العيش.

ففي أغسطس 2021، دمرت عصابة قوميين أتراك محلات سورية في أنقرة، بزعم أن أصحابها لا يدفعون الضرائب ويعيشون على المساعدات الحكومية. وفي يناير 2022 قتلت مجموعة مقنعة لاجئا سوريا يبلغ من العمر 19 عاما في إسطنبول أثناء نومه في شقته.

وفي يونيو 2022، أطلقت القوات الأمنية التركية النار على 35 لاجئا في مدينة عصمانية، لأنهم حاولوا الهرب من ملجأ اللاجئين. وبالرغم من أن الآلاف من اللاجئين كانوا ضحية للدمار الذي نجم عن زلزال العام الماضي، وأدى إلى تشرد من بقي حيا، فإن هؤلاء المشردين تعرضوا لاعتداءات من جانب الأتراك.

وبحسب استطلاعات الرأي، فإن أغلبية تصل إلى 70 في المئة من اللاجئين السوريين ترغب بمغادرة تركيا. إلا أنهم بين فكي الرحى، لا يجدون مكانا يؤويهم في بلادهم، كما لا يجدون سبيلا للرحيل إلى بلد آخر.

العرب