تهريب النفط إلى إيران: إقليم كردستان يغامر بعلاقاته مع واشنطن

تهريب النفط إلى إيران: إقليم كردستان يغامر بعلاقاته مع واشنطن

كردستان (العراق)- تنطلق المئات من الشاحنات المحملة بالنفط يوميا من مواقع بالقرب من أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق إلى تركيا شمالا وإيران شرقا، مسببة حالة شلل مروري على طرق سريعة جبلية ومتعرجة في المنطقة.

ويقول مراقبون إن هذه التجارة من شأنها أن تؤثر على العلاقات الوطيدة بين الولايات المتحدة وكردستان.

وأشار مسؤول أميركي إلى أن هذه التجارة أيضا يمكن أن تضع كردستان على مسار تصادمي مع حليفتها الوثيقة واشنطن التي تجري تقييما حول ما إذا كانت هذه التجارة تنتهك أي عقوبة اقتصادية أميركية مفروضة على إيران.

ونقلت رويترز عن مسؤول أميركي آخر قوله إن واشنطن تدقق في تجارة النفط لتقييم مدى الالتزام بالعقوبات المفروضة على إيران.

وأحجمت وزارة الخزانة الأميركية عن التعقيب. وقال مسؤول في وزارة الخارجية “العقوبات الأميركية على إيران لا تزال قائمة، ونتواصل مع شركائنا دوريًّا بشأن تنفيذ العقوبات، لكننا لا نكشف تفاصيل المحادثات”.

وتمثل الشاحنات الجانب الأكثر وضوحا في عملية ضخمة لنقل النفط من الإقليم العراقي شبه المستقل إلى إيران وتركيا في صفقات غامضة وغير رسمية استشرت منذ إغلاق خط أنابيب للصادرات الرسمية العام الماضي.

وبحسب مصادر تحمل أكثر من 1000 شاحنة ما لا يقل عن 200 ألف برميل من النفط منخفض الأسعار يوميا إلى إيران وكذلك إلى تركيا، لكن بكميات أقل. وهي تجارة تدر 200 مليون دولار شهريا تقريبا.

وقال عاصم جهاد، المتحدث باسم وزارة النفط العراقية، إن التجارة الكردستانية لم تحصل على موافقة الحكومة العراقية، وإن شركة تسويق النفط العراقية الحكومية (سومو) هي الجهة الرسمية الوحيدة المسموح لها ببيع الخام العراقي.

وذكر أن الحكومة ليس لديها أرقام دقيقة عن كميات النفط التي يتم تهريبها إلى إيران وتركيا.

لكنّ مسؤولا برلمانيا عراقيا كبيرا مطلعا على شؤون النفط قال إن بغداد على علم بتفاصيل التجارة لكنها تتجنب الانتقادات العلنية بالتزامن مع سعي المسؤولين إلى حل النزاعات القائمة مع أربيل.

وأضاف المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية المسألة، أن الضغط على أربيل لوقف تهريب النفط من شأنه أن يحجم الإقليم ويحرمه من كافة مصادر التمويل، ما قد يؤدي إلى انهياره.

وقال مسؤولون عراقيون إن حجم الصادرات غير الرسمية، التي لم يُعلن عنها من قبل، هو أحد أسباب عدم قدرة العراق على الالتزام بتخفيضات الإنتاج المتفق عليها في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) هذا العام.

وقال جيم كرين، الخبير بمعهد بيكر في جامعة رايس بمدينة هيوستن الأميركية، “أوبك الآن أقل صبرا على التهريب، ومن المعروف أنها تفرض على الأعضاء المخالفين إجراءات عقابية. أشك في إمكانية أن نرى أي رد فعل ضد بغداد لأنه من المعروف أن المنطقة الكردية لا تخضع لسيطرة السلطات المركزية”.

وإلى غاية العام الماضي كان إقليم كردستان يصدّر معظم النفط الخام الذي ينتجه عبر خط الأنابيب الرسمي بين العراق وتركيا الذي يمتد من مدينة كركوك العراقية الغنية بالنفط إلى ميناء جيهان التركي.

لكن تلك الصادرات، التي كانت تبلغ نحو 450 ألف برميل يوميا، توقفت في مارس 2023 عندما أصدرت محكمة دولية حكما يقضي بالموافقة على طلب من الحكومة العراقية لوقف الشحنات، ما ترك خط الأنابيب في مأزق قانوني ومالي.

ونجحت حكومة بغداد، التي تؤكد منذ فترة طويلة أنها الجهة الوحيدة المخولة ببيع النفط العراقي، في إثبات أن تركيا رتبت الصادرات مع حكومة إقليم كردستان دون موافقتها، ما مثّل انتهاكا لمعاهدة مبرمة عام 1973.

وقال مسؤولون محليون إنه ليس هناك حصر ولا تسجيل لأي عائد من هذه التجارة في خزائن حكومة إقليم كردستان التي تعاني لصرف رواتب الآلاف من موظفي القطاع العام.

وقال النائب علي هوما صالح، الذي كان رئيسا للجنة النفط في برلمان كردستان قبل حله في عام 2023، “لا أثر لعائدات النفط”. وقدر حجم التجارة بأكثر من 300 ألف برميل يوميا، وهو أعلى من معظم التقديرات الأخرى.

وقال هيوا محمد، المسؤول الكبير في الاتحاد الوطني الكردستاني (أحد الحزبين الحاكمين في الإقليم)، إن النفط يمر عبر المعابر الحدودية بعلم سلطات الإقليم والسلطات العراقية.

ولم يرد مسؤولون في حكومة إقليم كردستان على طلبات للتعليق.
وليس هناك متحدث رسمي باسم وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم، وهي الوزارة التي تشرف على تجارة النفط في كردستان.

وذكر مسؤول كبير في وزارة الثروات الطبيعية بكردستان أن إنتاج النفط في الإقليم يبلغ 375 ألف برميل يوميا، يتم نقل 200 ألف منها بالشاحنات إلى إيران وتركيا، ويقع تكرير الباقي محليا.

وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه، نظرا إلى حساسية الأمر، “لا أحد يعرف ما مصير عائدات 200 ألف (برميل يوميا) يتم تهريبها إلى الخارج، أو المشتقات النفطية المباعة لمصافي الإقليم”.

وقالت مصادر سياسية وفي قطاع النفط إن الشركات النفطية في كردستان تبيع النفط الخام إلى مشترين محليين بأسعار مخفضة تتراوح بين 30 و40 دولارا للبرميل، أي حوالي نصف السعر العالمي لخام برنت، ما يعادل إيرادات لا تقل عن 200 مليون دولار شهريا.

وبينما توقف معظم إنتاج النفط عندما أغلق خط الأنابيب قالت بعض الشركات، من بينها دي.إن.أو وكيستون وشاماران، في بيانات إنها شرعت منذ ذلك الحين في إنتاج النفط الخام لبيعه لمشترين داخل كردستان.

وأوضحت أغلب المصادر السياسية وفي قطاع النفط أن معظم النفط المنقول بالشاحنات يذهب إلى إيران عبر المعابر الحدودية العراقية الرسمية، من بينها معبر حاج عمران، أو من خلال بنجوين في الجنوب.

وقالت مصادر سياسية ودبلوماسية وفي القطاع إن النفط الخام يتم تحميله من هناك على متن سفن في موانئ إيرانية بالخليج في بندر الإمام الخميني وبندر عباس، وهو طريق تجاري كان يستخدم في الماضي لصادرات النفط الكردية، أو ينقل برا إلى أفغانستان وباكستان.

وهذه التجارة هي أحدث نسخة من تجارة النفط العراقية طويلة الأمد في السوق السوداء، والتي غالبا ما ينظر إليها على أنها تعود بالنفع على النخب السياسية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالمصالح التجارية.

وقال 12 شخصا إن المسؤولين في الحزبين الحاكمين في كردستان، الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تنتمي إليه عشيرة بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي تنتمي إليه عشيرة طالباني، هم المستفيدون.

وذكر مصدر يعمل في تجارة النفط الكردية أن “هناك متاهة من مندوبي المبيعات في السوق السوداء الذين يحصلون على المال وأشخاصا يوافقون على تلك المبيعات. لا يعني ذلك أنهم يغضون الطرف فقط؛ إنهم يحصلون على حصتهم”.

وقال دبلوماسي كبير في بغداد إن المصالح السياسية مرتبطة بالتجارة إلى درجة أن استئناف الصادرات الرسمية عبر خط الأنابيب، الذي كان ينظر إليه ذات يوم على أنه أولوية، تراجع في جدول الأعمال الدبلوماسي.

ولم يرد مسؤولو الحزب الديمقراطي الكردستاني على طلبات التعليق على تجارة السوق السوداء. ولم يعلق محمد، المسؤول في الاتحاد الوطني الكردستاني، على من قد يكون وراء ذلك.

ويقول مسؤولون أكراد إن المنطقة اضطرت إلى ممارسة هذه التجارة بسبب إغلاق خط الأنابيب الذي يعتبرونه جزءا من محاولات أوسع تبذلها الأحزاب الشيعية المدعومة من إيران في بغداد للحد من الحكم الذاتي الذي تتمتع به كردستان العراق نسبيا منذ نهاية حرب الخليج الأولى في عام 1991.

العرب