استدعت محاولة اغتيال دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابق، والمرشح الأكثر قوة لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، ردود فعل عالمية كبيرة منددة بالعملية ومحذرة من العنف السياسي، بدءا من جو بايدن، الرئيس الأمريكي، ومن الأمين العام للأمم المتحدة، وزعماء الدول الغربية وقادة باقي دول العالم بما فيها بعض الدول العربية.
أعادت المحاولة التذكير بقائمة اغتيال أخرى لرؤساء أمريكيين كان أكبرها وقعا في العصر الحديث مصرع الرئيس الأسبق جون كيندي عام 1963، لتنضاف إلى حدث الاغتيال المؤسس في التاريخ الأمريكي للرئيس ابراهام لنكولن عام 1865 الذي جرى بعد حرب أهلية بين شمال أمريكا وجنوبها، وكذلك اغتيال الرئيسين جيمس غارفيلد 1881، ويليام ماكيلي عام 1901، كما تعرض رؤساء آخرون منهم الرئيس الأسبق رونالد ريغان وجيرالد فورد وبيل كلينتون لمحاولات اغتيال فاشلة، في وقائع تشير إلى تاريخ من العنف السياسي الأمريكي، الذي حاول ترامب نفسه أن يؤجج نيرانه بعد فوز بايدن، حين هدد بوقوع «حمام دم» إذا لم يفز في انتخابات عام 2020 وما تبع ذلك من حملة تهييج لأنصاره مما دفع مجموعة كبيرة منهم للهجوم على مبنى الكونغرس ومحاولة قلب نتائج الانتخابات في بداية عام 2021، وهي تصريحات أعاد تكرارها في مرات عديدة أخرى، أثناء فترة محاكمته الأخيرة والتي تزامنت مع تهديدات موالين له بحرب أهلية أمريكية جديدة.
أثارت المحاولة أيضا بداية موجة تساؤلات من الغالب أن تزداد اتساعا على الساحة الأمريكية التي هي أرض خصبة لنظريات المؤامرة، وضمن أجواء اليمين الشعبوي الذي أخذه ترامب إلى ذرى كبرى جديدة، وخصوصا مع قتل رجال الأمن الأمريكيين للمشتبه به الرئيسي توماس كروكس، ما يذكر طبعا بما حصل لهارفي اوزوالد قاتل كينيدي الذي تم اغتياله بعد أيام من القبض عليه، وأثارت علاقاته بالمخابرات الأمريكية والسوفييتية وبناشطين أمريكيين لاتينيين معارضين لحكم فيدل كاسترو في كوبا، وكذلك علاقته بالاستخبارات السوفييتية عبر سفارتها في المكسيك سيلا من الفرضيات والقصص التي حاولت أفلام ووثائقيات وكتب حل ألغازها.
أزاح تسليط الضوء على مسؤولية المشتبه به القتيل كروكس العبء عن الاحتمالات العنيفة التي يمكن أن تحصل ضد الأقليات من قبل أنصار زعيم سياسي يشتغل خطابه العنصري أساسا على تحشيد «الأمريكيين» البيض ضد «الآخرين» من السود (أثار خلال ولايته غضبا شديدا في افريقيا بوصف بعض بلدانها بحفرة القاذورات) والمهاجرين من أمريكا اللاتينية (هدد حينها أيضا ببناء سور على طول الحدود وبإلزام المكسيك بدفع كلفته لوقف اللاجئين الذين وصفهم بالمجرمين ومتعاطي المخدرات) والعرب والمسلمين (منع خلال عهده دخول مواطني عدد من البلدان الإسلامية تماما من الدخول إلى الولايات المتحدة بينها سوريا والعراق واليمن والسودان وليبيا والصومال).
إلغاء هذا الاحتمال لم يمنع بعض الأوساط الإسرائيلية من استغلال هذه الفرصة لتحويل الأنظار عن سيل المجازر ضد الفلسطينيين حيث خرجت أوريت ستروك، عضو مجلس الوزراء الإسرائيلي التي تنتمي لليمين المتطرف للقول إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يمكن أن يكون أيضا هدفا لمحاولة اغتيال متهمة جهاز الأمن الداخلي «الشين بيت» بعدم القيام بما يكفي لضمان سلامته، وبذلك يتم تسليط ضوء «المظلومية» على نتنياهو ويتم تجاهل المجازر الدموية والاغتيالات اليومية للفلسطينيين. أما الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، وهو أيضا يميني متطرف وحليف متحمس لإسرائيل، فألقى باللوم في الحادثة على «اليسار الدولي» كاتبا إنهم خوفا من الخسارة على الانتخابات «يلجأون إلى الإرهاب لفرض أجندتهم المتخلفة والاستبدادية».
إحدى نتائج هذه الحادثة طبعا أن صورة ترامب ستتعزز وستفتح الطريق نحو رئاسة ثانية، غير أن دورة العنف التي بدأها هو نفسه ستزداد شراهة لمزيد من العنف، الذي سيكون موجها، للأسف، لضحايا التنميطات العنصرية والاستشراقية والشعبوية، من الأقليات والعرب والمسلمين.