في ظل التصعيد الكلامي بين إيران وإسرائيل، ومع الظروف الاقتصادية التي تمر بها طهران، تم إجراء الانتخابات الرئاسية في 28 من الشهر المنصرم، وقد انحصرت بين ثلاثة محافظين وإصلاحي واحد، بعد منع عشرات المرشحين الآخرين من الترشح. ولعدم حصول أي منهم على نسبة 50% من الأصوات فقد جرت جولة ثانية للانتخابات في الخامس من الشهر الجاري، كانت نتيجتها فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان. وكالعادة في كل انتخابات إيرانية يتم طرح السؤال التالي من قبل الإعلام العالمي: ما موقع الرئيس في القرار السياسي الإيراني في ظل سلطة الفقيه الدينية والسياسية؟
لا بد من القول إن المشهد الانتخابي كان يكرر نفسه بين جناحي المحافظين والإصلاحيين بين فترة وأخرى منذ قيام الثورة في عام 1979 ولحد اليوم. لكن المشهد في الانتخابات الأخيرة، اكتسب أهمية خاصة، والأهمية تكمن في أن المرشد الأعلى بلغ سن الخامسة والثمانين، وعليه فإنها ليست انتخابات رئاسية فحسب في مغزاها، بل هي أيضا تنبئ عن التصويت للمرحلة المقبلة، هل ستكون هنالك شخصية أخرى لخلافة خامنئي في حالة شغور هذا الموقع، بسبب الاستقالة أو الوفاة، أم أن ابنه سيصر على تبوء هذه المرحلة. وهذا ما جعل الجولة الثانية من الانتخابات محط اهتمام ومتابعة الولي الفقيه، ومؤسسات الحكم المحافظة والناخب الإيراني، ومعهم عواصم عربية ودولية مختلفة.
برنامج بزشكيان الإصلاحي المُعلن مختلف بعض الشيء عن زملائه الآخرين، على الرغم من أن ذلك يشي بأنها ربما قناعات مؤسسة المرشد بعد الضرر الكبير الذي أصاب الاقتصاد الإيراني
وجدير بالذكر أن نتائج الجولة الأولى كانت مفاجئة للمراقبين دوليين وإقليميين، بسبب أن من شاركوا في التصويت لم يتجاوزوا نسبة 40% من الناخبين، رغم حث المرشد الأعلى على المشاركة وبقوة وكلامه فتوى يجب الالتزام بها. والمفاجأة الأخرى فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان بأكبر عدد من الأصوات بنسبة 42%. وحسب بعض المراقبين فإن هذه النتائج لا بد من أن تسبب الحرج لمؤسسات الحكم المحافظة، بسبب عزوف الناس عن التصويت أولا، وثانيا برنامجه السياسي الذي يتضمن تحسين العلاقات مع الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، العمل على رفع العقوبات المفروضة على بلاده، بدء مفاوضات مباشرة مع واشنطن لإحياء مفاوضات الملف النووي المعلقة حاليا، عدم مناهضة الشرق أو الغرب، ومعارضة العنف ضد المواطنين، خاصة النساء. في حين حظي منافسه المرشح المحافظ سعيد جليلي، بدعم المرشد الأعلى والحرس الثوري بسبب موقفه المتشدد في مفاوضات الملف النووي. لكن الحقيقة هي غير ذلك، فالرئيس الإيراني، سواء كان إصلاحيا أو محافظا، إنما هو ينفذ السياسات التي يرسمها المرشد، حيث كان هناك عدد كبير من المرشحين للانتخابات، وتم فرزهم من قبل مصلحة تشخيص النظام، بمعنى أن من يكون وفق مصلحة النظام، وفي دائرة اهتمام ورضى المرشد فهو المتقدم على غيره من سواه. كما أن هذه المؤسسة ترتبط مباشرة بالمرشد الأعلى، التي لا يمكن تجاوزها، بدليل أن المرشحين الأربعة بمن فيهم الأصوليون الثلاثة والإصلاحي كلهم خرجوا من مؤسسة الحرس الثوري، والإصلاحي خرج من مؤسسة الأمن في وزارة الداخلية. وعليه فإن الأربعة هم أبناء بررة لمؤسسة الحكم في طهران. لذلك لن يكون هناك تغيير كبير في السياسات، ربما الإصلاحي بزشكيان فقط هو من سوف يُعدّل من سياسات الحكم، لان جماهيره تفرض عليه ذلك. كما أن برنامجه المُعلن مختلف بعض الشيء عن زملائه الآخرين، على الرغم من أن ذلك يشي بأنها ربما قناعات مؤسسة المرشد بعد الضرر الكبير الذي أصاب الاقتصاد الإيراني، لذلك يمكن القول إن منصب الرئيس رمزي، وهو مجرد لغة يتحدث بها النظام إلى الغرب، فعندما يكون هناك رئيس إصلاحي، فالأمر يتعلق باللغة، وتكون لغته وتواصله هي دعونا نتفاوض، ولكن عندما يكون هناك رئيس أصولي فاللغة تكون بلسانه نحن أقوياء ويجب أن تلبوا مطالبنا. إذن يمكن القول بأن هناك طريقتين مختلفتين للتفاوض مع الغرب، لكن من يكون الرئيس بعد إعلان النتائج، فلن يكون سوى شخص في منصب رمزي مع تغيير طفيف في لغة الخطاب، لكن هل يُفضّل الغرب والولايات المتحدة بالتحديد أن يكون الرئيس في إيران إصلاحيا وليس أصوليا؟
من راقب المناظرة التلفزيونية بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لاحظ أن إيران لم تحضر بقوة في المناظرة، على غرار الحربين في غزة وأوكرانيا، إنما جاءت لماما عندما حاول ترامب استغلال الموقف وإظهار أنه الرجل الذي ردع إيران، مُذكّرا بقراره إرسال مُسيّرة لاغتيال زعيم فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد، فرد عليه بايدن بأن هذه مجرد خطب ومواقف إعلامية وليست حسما. في حين كان الكثير من المراقبين يتوقعون بأن إيران ستكون قضية مركزية في المناظرة، نظرا لأن بايدن بنى سياسته الخارجية منذ اليوم الأول على الدبلوماسية، واستثمر كثيرا في الموقف الإيراني قبل مسار فيينا، التي غيرت كثيرا في مجرى العداء الأمريكي الجمهوري مع طهران. وعليه يمكن القول إن التفضيل في واشنطن كان دائما أن هناك على الأقل تأرجح الميزان. بمعنى التعامل مع الحمائم ووجوه الاعتدال السياسي، وإلا لما كنا قد وصلنا إلى ما وصلنا إليه في الاتفاق النووي الموقّع في عام 2015، بين وزيري الخارجية جواد ظريف الإيراني وجون كيري الأمريكي، بتزكية من الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما ونائبه آنذاك جو بايدن، لكن هل سيهدئ انتخاب الإصلاحي مسعود بزشكيان الأمور في المنطقة بعد التصعيد بين إسرائيل ولبنان حسب وجهة النظر الأمريكية؟
يبدو أن الخشية الأمريكية ليست من تداعيات الحرب في غزة باتجاه إيران، بقدر ما هي إذا ما اشتعلت الجبهة الشمالية بين لبنان وإسرائيل فهنا تكمن الخشية الأمريكية، لأن المسافة قريبة إذا ما وجهت إسرائيل ضربات إلى الذراع الإيراني في الجنوب اللبناني، وإذا ما تم استهداف بيروت على وجه الخصوص. وقتها ستكون طهران مُلزمة بالتدخل في حرب إقليمية. هذا التصور هو الذي يقلق بعض الخبراء الاستراتيجيين في البنتاغون والمخابرات الأمريكية، لذلك لاحظنا أن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في ثلاث زيارات من أصل ثمانية إلى الشرق الأوسط، كان دائما يدعو بعض العواصم للوساطة، أو للضغط على ذراع إيران في جنوب لبنان بأن لا يمضي قُدما في التصعيد مع إسرائيل. وعليه فإن الضلع الإسرائيلي وحزب الله هو المحور الذي تنظر منه واشنطن إلى نتيجة الانتخابات الإيرانية. بمعنى هل الحكومة الإيرانية الجديدة والرئيس المنتخب في طهران سيقبلون بنوع من إدارة الصراع، أم أنه قد يحتاج الى تصعيد ليظهر بأنه رأس القومية الإيرانية، وأنه لا يقبل بتجاوزات إسرائيل. هذه هي العُقدة المستعصية، لأن منطق التصعيد قد تم تجاوزه الآن في علاقات أمريكا وإيران، وحتى مع موقف إسرائيل من حزب الله.