دكا- أدت التظاهرات الطلابية في بنغلاديش إلى أسوأ أعمال عنف تشهدها البلاد، وطرحت تحديا كبيرا أمام حكم رئيسة الوزراء الشيخة حسينة، وفق ما يقول خبراء.
وانتشرت دوريات للجيش في الشوارع الخالية من المارة في داكا عاصمة بنغلاديش السبت وأمرت الحكومة بإغلاق جميع المكاتب والمؤسسات لمدة يومين بعد مقتل 115 شخصا على الأقل الأسبوع الماضي خلال احتجاجات قادها طلاب اعتراضا على نظام الحصص في وظائف القطاع العام.
وأفادت بيانات صادرة عن مستشفيات بأن أربعة أشخاص على الأقل قتلوا السبت في اشتباكات في بعض مناطق داكا، مركز الاحتجاجات، حيث أقامت قوات الأمن حواجز على الطرق لفرض حظر تجوال.
وأعلنت حكومة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة يومي الأحد والاثنين المقبلين “عطلة رسمية” بسبب الوضع في البلاد، مع السماح فقط لخدمات الطوارئ بالعمل.
وكانت السلطات قد أعلنت في وقت سابق غلق الجامعات والكليات اعتبارا من يوم الأربعاء.
وفي البداية، كان المطلب الوحيد للتظاهرات التي تنظّم بصورة شبه يومية منذ مطلع يوليو، إنهاء نظام الحصص في التوظيف في القطاع العام الذي يخصص أكثر من نصف الوظائف لمجموعات محددة.
لكن الصرامة التي تبديها الشرطة تجاه المتظاهرين، خصوصا مع إطلاق الذخيرة الحية السبت عليهم في العاصمة دكا، دفعت بالآلاف البنغاليين إلى المطالبة برحيل الشيخة حسينة.
تمسك الزعيمة البنغالية بزمام السلطة منذ 20 عاما، من بينها 15 عاما على التوالي بعد فوزها بولاية جديدة في يناير.
وهتف المتظاهرون هذا الأسبوع خلال مسيرات عدة في دكا، المدينة التي تعدّ 20 مليون نسمة وحيث أشعلت حشود غاضبة النار في العديد من المباني الحكومية الخميس، “لتسقط الدكتاتورة”.
وقال بيار براكاش، مدير مكتب آسيا في مجموعة الأزمات الدولية “التظاهرات مهمة جدا، وقد تكون التحدي الأكبر لنظام رابطة عوامي (حزب الشيخة حسينة) منذ وصوله إلى السلطة.. الوضع خطير” في البلاد.
لكن الخبير اعتبر أن الحكومة هي التي تسببت في الأزمة. وأوضح “بدلا من محاولة الاستجابة لمطالب المتظاهرين، أدت تصرفات الحكومة إلى تفاقم الوضع”.
واندلعت الاضطرابات في أنحاء بنغلاديش بسبب غضب الطلاب من نظام حصص يخصص 30 في المئة من الوظائف الحكومية لأفراد عائلات المقاتلين الذين شاركوا في حرب الاستقلال عن باكستان.
وألغت الحكومة نظام الحصص في 2018، لكن محكمة أعادته الشهر الماضي.
◄ الشيخة حسينة أثارت الغضب عندما شبهت المتظاهرين ضد نظام الحصص بالبنغاليين الذين تعاونوا مع باكستان
وعلقت المحكمة العليا القرار بعد استئناف قدمته الحكومة وقررت النظر في القضية الأحد بعد الموافقة على تقديم موعد الجلسة التي كان من المقرر عقدها في السابع من أغسطس.
وزاد من حدة المظاهرات، وهي الأكبر منذ إعادة انتخاب حسينة لولاية رابعة على التوالي هذا العام، ارتفاع معدلات البطالة بين الشبان الذين يشكلون ما يقرب من خُمس السكان.
واستمر تعليق خدمات الإنترنت والرسائل النصية الذي بدأ يوم الخميس مما عزل بنغلاديش عن العالم في الوقت الذي اتخذت فيه الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة الاحتجاجات التي استمرت على الرغم من حظر التجمعات بالأماكن العامة.
ولم يتسن إتمام معظم الاتصالات الهاتفية الدولية، كما لم يتم تحديث مواقع المؤسسات الإعلامية التي تتخذ من بنغلاديش مقرا لها على الإنترنت وظلت حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي غير نشطة.
وقال جون هايدمان الخبير في قسم الشبكات وأمن الإنترنت في معهد علوم المعلومات بجامعة جنوب كاليفورنيا إن “قطع الإنترنت عن دولة يبلغ عدد سكانها نحو 170 مليون نسمة يشكل إجراء متشددا لم نشهد مثله منذ الانتفاضة المصرية في عام 2011”.
ومع عجز بنغلاديش عن توفير العمل لسكانها البالغ عددهم 170 مليون نسمة، صار هذا البرنامج مصدر استياء بين الخريجين الشباب الذين يواجهون أزمة توظيف..
والأسبوع الماضي، أثارت الشيخة حسينة، ابنة أول رئيس لبنغلاديش ومؤسس نظام الحصص، الغضب عندما شبهت المتظاهرين بالبنغاليين الذين تعاونوا مع باكستان، وهي إهانة كبيرة رغم مرور أكثر من نصف قرن على الحرب.
وأكّد علي رياض، أستاذ العلوم السياسية في جامعة إلينوي الأميركية “الاستهزاء بهم كان إهانة لكرامتهم”. وهذا يعني أيضا أن المتظاهرين “لا أهمية لهم لدى نظام غير خاضع للمساءلة”.
ومنذ بداية ولايتها الثانية في العام 2009، اتهمت جماعات حقوقية الشيخة حسينة بمحاولة تقييد الديمقراطية بشكل كبير في بنغلاديش.
وتُتّهم حكومة الشيخة حسينة بإساءة استخدام مؤسسات الدولة لتعزيز قبضتها على السلطة، بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء الذي يستهدف ناشطين في المعارضة.
وفي غياب انتخابات تنافسية حقيقية منذ أكثر من 15 عاما “لا خيار للبنغاليين المستائين إلا الاحتجاج في الشوارع لإسماع أصواتهم”.
ونجت الشيخة حسينة من العديد من الأزمات، بما فيها تمرد للجيش وتدفق أكثر من 700 ألف لاجئ من الروهينغا من بورما المجاورة وسلسلة من الهجمات الإسلامية.
لكن هذه التظاهرات العنيفة “غير مسبوقة”، وفق ما قال المراسل السابق لمجلة “ذي إيكونومست” في بنغلاديش توم فيليكس يونك.
وأوضح “لطالما كان إلغاء المنافسة السياسية في بنغلاديش فكرة سيئة. هذه أزمة سياسية سببها الغطرسة وعدم الكفاءة الاقتصادية”.
وأضاف “حوالي 18 مليون شاب بنغالي عاطلون عن العمل. ومع غياب الديمقراطية منذ أكثر من عقد، بدأوا بالتعبير عن استيائهم” من خلال المغادرة أو النزول إلى الشوارع.
العرب