التحولات في موازين القوى العسكرية في العراق وسوريا

التحولات في موازين القوى العسكرية في العراق وسوريا

الرمادي

بعد مضي أكثر من سبعة أشهر على سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة الرمادي، ومع اقتراب نهاية العام 2015؛ أعلن رئيس الوزراء، حيدر العبادي، ان عام 2015 هو «عام التحرير» وسيكون عام 2016 «عام الانتصار النهائي، وعام انهاء وجود تنظيم الدولة على أرض العراق».
ولم تعلن الولايات المتحدة انتهاء معركة السيطرة على الرمادي، أو تحريرها، لكنها رحبت «بفرار الجهاديين من المجمع الحكومي» حسب تصريحات منسوبة للمتحدث باسم التحالف الدولي ستيف وارن، الذي اعتبر «النصر الذي تحقق في الرمادي جاء نتيجة شهر من الجهود الشاقة المتواصلة التي بذلها الجيش العراقي وقوات مكافحة الإرهاب والشرطة المحلية إضافة إلى مقاتلي العشائر مدعومين بطائرات التحالف الدولي الذي نفذ أكثر من 600 غارة جوية على مواقع تمركز التنظيم في المدينة خلال الأشهر الأربعة الأخيرة».
مراقبون، يرون ان حيدر العبادي، غارق في التفاؤل أكثر من الولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، وعلى ما يبدو فان الإنجاز العسكري الذي تحقق في الرمادي تمَّ إخراجه إعلاميا بشكل يوحي للمتلقي العراقي بأنه على أبواب نهاية قريبة لتنظيم الدولة، في العراق على الأقل.
أما الولايات المتحدة فقد وجدت في ما تحقق بالرمادي خطوة على طريق طرد التنظيم من «الملاذات الآمنة» التي توفرها له السيطرة على مدن مأهولة بالسكان واخراجه منها إلى معسكرات صحراوية، أو مناطق غير مأهولة، تتيح لها فرصة استخدام المزيد من الأسلحة المتطورة في الضربات الجوية.
وتسعى الولايات المتحدة لكسب العرب السُنّة إلى جانبها في المواجهة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وهو رهانها التي تعتقد بنجاحه إدراكا منها لغياب القرار العراقي في المؤسسة العسكرية وارتهانها لإيران من خلال قيادات الحشد الشعبي التي تعد هي صــاحــبــة القرار الأول في المعارك التي تخوضها إلى جانب الجيش العراقي.
ولذلك تخشى الولايات المتحدة، والدول الحليفة لها، تعرض المدنيين للأضرار المباشرة التي «قد» تلحق بهم نتيجة الضربات الجوية، على خلاف سياسة حكومة حيدر العبادي التي لا يعنيها سقوط ضحايا مدنيين في المدن السُنيّة. وسبق لمنظمات دولية وسياسيين سُنّة ان أدانوا الضربات الجوية العشوائية بالبراميل المتفجرة، والانتهاكات التي ارتكبتها قوات الحشد الشعبي والميليشيات الشيعية، إضافة إلى وحدات من الجيش العراقي، ضد السكان العرب السُنّة في المدن التي يتم استعادتها من تنظيم الدولة.
حرص الولايات المتحدة على إعطاء صورة متكاملة عن ان الإنجاز العسكري قد تحقق بجهود الجيش العراقي وسلاح الجو وقوات الشرطة المحلية والاتحادية ومقاتلي العشائر، بدعم من طائرات التحالف الدولي، يهدف إلى تغييب، أو ابعاد، دور الحشد الشعبي عن المشاركة في معارك الانبار؛ وهذا لا يعني ان الحشد الشعبي لم يشارك فيها على أرض الواقع؛ لكن الولايات المتحدة تحاول الحد من التغطية الإعلامية لمشاركة الحشد الشعبي التي أظهرتها صور تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي لقيادات شيعية دينية وسط مقاتلين يرتدون الزي العسكري قرب المجمع الحكومي. وهذا لم يكن خافيا على الولايات المتحدة التي تسعى لنجاح رهانها على المقاتلين السُنّة وقطع الطريق على القوى السُنيّة التي ترفض القتال تحت اشراف الولايات المتحدة في حال السماح بمشاركة حقيقية وفاعلة للحشد الشعبي في عملية استعادة مدينتي الرمادي والموصل تحديدا.
قد يكون التحول الأكبر في خريطة الصراع يتمثل في انتقال تنظيم الدولة من موقع الطرف المهاجم إلى موقع الطرف المدافع عن نفسه والمناطق التي يسيطر عليها، مع الأخذ بالحسبان ان هذا التحول لم يكن وليد معارك الرمادي، انما هو من نتائج تغير في استراتيجيات التنظيم الذي يحاول قدر الإمكان عدم خسارة المزيد من مقاتليه.
مراقبون مهتمون بمتابعة تنظيم الدولة، ورصد استراتيجياته، يرون ان معركة الحسم الحقيقية قد لا تكون ذات طابع عسكري صرف، لكن تغيرا ما قد يطرأ على استراتيجيات تنظيم الدولة الإسلامية العسكرية بالتخلي عن سيطرتها على مراكز المدن تجنبا لخسائر متوقعة في صفوفها جراء الضربات الجوية المكثفة دون الدخول في مواجهات عسكرية مع قوات برية على الأرض.
ووفق ما جاء في تسجيل صوتي منسوب لابي بكر البغدادي بثته مواقع تابعة لتنظيم الدولة، اتهم التحالف الدولي بالهروب من المواجهة البرية في الوقت ذاته اعترف بصعوبة المرحلة التي يمر بها التنظيم، داعيا جنوده إلى الصبر. ويرى مراقبون، ان استراتيجية التحالف الدولي اعتمدت على تكثيف الضربات الجوية التي تدعم طيفا واسعا من التشكيلات القتالية على الأرض، إضافة إلى تعاون أمني معلوماتي لمتعاونين يعيشون في داخل المدن للمساعدة في تحديد الأهداف وتركيز الضربات على مواقع تمركز التنظيم، وهو الأمر الذي «قد» يدفع قيادة التنظيم إلى اتخاذ قرار الانسحاب من بعض المدن والإتجاه نحو مدن أخرى تقل فيها نسبة المتعاونين مع التحالف الدولي للحفاظ على مقاتليه، العنصر الأساسي في بقاء التنظيم واستمرار وجوده.
ففي معارك تكريت، لم يخسر تنظيم الدولة سوى العشرات من مقاتليه خلال شهر كامل من العمليات العسكرية التي شاركت فيها قوات أمنية عراقية وميليشيات شيعية وقوات الحشد الشعبي ومقاتلي عشائر محافظة صلاح الدين، إضافة إلى اسناد عسكري بري إيراني بعشرات الآليات المدرعة التي دخلت الحدود العراقية، كما كشفت عنه «القدس العربي» في 5 آذار/ مارس واسناد جوي مكثف من قبل الطيران العراقي وطيران التحالف الدولي، في مقابل أقل من ثلاثمئة مقاتل من تنظيم الدولة، وفق تقديرات أمريكية، وقد خسرت تلك القوات مجتمعة أكثر من سبعة آلاف بين قتيل وجريح، حسب تصريحات منسوبة لقيادات سياسية عراقية في وقتها.
وحسب تصريحات صحافية، استبعدت قوات التحالف الدولي إمكانية عودة تنظيم الدولة لفرض سيطرته الكاملة على المدينة مرة أخرى، وهزيمة القوات الأمنية ومقاتلي العشائر الذين يسيطرون الآن بشكل شبه كامل على أربعة أحياء من مركز المدينة من بين سبعة عشر حيا يتشكل منها مركز المدينة، يرجح خبراء عسكريون محاولة طرفي النزاع المسلح تعزيز وجوده في مناطق سيطرته، وفرض خطوط تماس جديدة استعدادا لمعركة حاسمة قد تتأخر لأسابيع، رغم إعلان الحكومة رسميا تحرير المدينة.
ويسيطر تنظيم الدولة على مساحات شاسعة على امتداد جغرافية العراق وسوريا، ما يتسبب في الحاجة المتزايدة لكوادر يتم تسخيرها لإدارة تلك المدن على حساب الحاجة لأفراد مقاتلين من جهة، ومن جهة ثانية، يتيح العامل الجغرافي للتنظيم إمكانية مناورة أكبر في تعزيز خطوطه الدفاعية في مناطق بعيدة لا تشكل تهديدا مباشرا على العاصمة أو المدن الشيعية المقدسة. كما ان تعدد جبهات المواجهة التي بلغت في يوم واحد من شهر تموز/يوليو 34 جبهة في كل من سوريا والعراق، حسب مراكز أبحاث غربية، يدفع أيضا باتجاه استراتيجية تقليل عدد جبهات القتال إلى أدنى حدودها في موازنة عسكرية تتعلق باعداد طرفي القتال التي لا يمكن تحديد نسبة التفاوت العددي بينهما الذي قد يصل إلى عشرات الأضعاف.
ويبقى القول، ان لا أحد يستطيع الاقتراب من تشكيل صورة واقعية للعقلية العسكرية التي تحكم استراتيجيات تنظيم الدولة الذي خسر مدنا مهمة مثل تكريت وبيجي وغيرهما، في وقت ما زال يتمسك بالدفاع عن مدينة الفلوجة التي تصدى مقاتلوه لاكثر من سبعين هجوما عسكريا كبيرا طيلة عامين نفذتها قوات تحاصر المدينة على مسافة لا تتعدى خمسة كيلومترات مشكلة من قوات حكومية وعشائرية سنية وفصائل من الحشد الشعبي.

رائد الحامد

صحيفة القدس العربي